نكبة مزمنة في مناهج تعليم مدارس أراضي 48
الثلاثاء، 08 أيلول، 2015
في بداية
سبتمبر/ أيلول الجاري، انطلق تلاميذ مدارس الداخل الفلسطيني في عامهم الدراسي الجديد،
مع مناهج تعليمية تحوي مغالطات تاريخية كثيرة ومضامين أسرلة خطيرة، بالإضافة إلى أخطاء
لغوية لا تحصر. ويأتي ذلك ليكرّس نكبة تعليمية، بحسب ما بيّنت دراسات كثيرة حول المناهج
التعليمية التي تعتمدها المؤسسة الإسرائيلية في المدارس العربية، والتي تهدف إلى إفقاد
الوعي وتغليب الرواية الصهيونية وتخريج جيل هجين مع تشويه الهوية القومية والوطنية
الفلسطينية والدينية.
البروفسور
مصطفى كبها هو رئيس قسم التاريخ والفلسفة والعلوم اليهودية في الجامعة المفتوحة وباحث
في التاريخ والإعلام، يقول في حديث لـ "العربي الجديد" إنه "منذ إقامة
دولة إسرائيل، سعت السلطات فيها إلى عملية كيّ وعي المواطن العربي، وذلك من خلال التحكم
بمصيره ومصادر رزقه وأجهزة التعليم لديه". يشرح أنه "بالنسبة إلى أجهزة التعليم،
رأت من الواجب العمل على محورَين: الأول ربط وعي المواطن العربي بالواقع الجديد وإقناعه
بجدواه، أما المحور الثاني فهو العمل على تعويم ذاكرته وتجهيله بأولى مكونات هويته،
خصوصاً موضوع الذاكرة الجمعية والتاريخ، عوضاً عن مناهج اللغة العربية والدين والجغرافيا
وغيرها". ويؤكّد على أن "هذه المناهج وضعت من قبل يهود يجيدون اللغة العربية،
تعود أصول بعضهم إلى دول عربية، بالإضافة إلى آخرين مستشرقين. وقد عملوا معاً على صياغة
المناهج، بناء على المحورين المذكورين أعلاه. بالتالي جاءت المناهج استشراقية في توجهها
العام".
تغييب الهويّة
ويلجأ
كبها إلى مادة التاريخ كمثال، فيقول: "عمدوا إلى تدريس مواضيع ليس لها علاقة بالتاريخ
الحديث، تاريخ الصراع الصهيوني الفلسطيني. وقد غيّبت فترة الانتداب التي تشكل فيها
الوعي الوطني الفلسطيني، كلياً. وغيّبت الهوية الفلسطينية أيضاً، لا بل أكثر من ذلك،
عمدوا في بعض الحالات إلى تغليب الرموز الصهيونية اليهودية، وتدريس بعض الرموز من هذه
المنطلقات". يضيف: "في منهاج التاريخ منذ عام 1951، نستطيع أن نرى أن بعض
الشخصيات ظهرت من منظور يهودي. مثلاً سليمان الذي هو نبيّ بحسب الديانة الإسلامية،
يظهر على أنه ملك لا نبيّ. ويعاملون مع الرموز العربية الإسلامية على أنها رموز ثقافية
حضارية، لا علاقة لها بالحاضر ولا بالهوية الفلسطينية. وإذا أخذنا الأدب على سبيل المثال،
يدرس التلاميذ قطعا لكبار الأدباء القوميين الصهيونيين، من دون أن يدرّسوا أي مادة
باللغة العربية مثلاً لأي أديب فلسطيني، تحوي مركّبات الهوية الفلسطينية". ويلفت
كبها إلى أن "تنمية الوعي الوطني لدى التلاميذ من أهداف تدريس التاريخ في المدارس
اليهودية. لكن الهدف يتغير في الكتب المترجمة المخصصة للتلاميذ العرب، إذ يُحكى عن
تنمية مبدأ التعددية، ما يعني أن التوعية الوطنية هي لليهود فقط، في حين يتجاهلون الوجود
العربي في المناهج في مختلف المواضيع".
تعليم أيديولوجي
في السياق،
تأتي المدنيات وكلّ ما يصبّ في خانة المواضيع التي تؤثر على هوية التلميذ، لتشكّل واحدا
من أخطر المواضيع على التلميذ العربي في الداخل الفلسطيني. الدكتور أيمن إغبارية محاضر
في كلية التربية في جامعة حيفا، حاول في عام 2010 التغيير من خلال انضمامه إلى لجنة
مادة المدنيات في وزارة التربية والتعليم، المسؤولة عن تحديد السياسات في موضوع التربية
للمواطنة ووضع خطط المناهج وإقرارها. لكنه سرعان ما استقال في العام ذاته، بعدما وجد
نفسه محاطاً بمسؤولين من اليمين الصهيوني وبليبراليين إسرائيليين فضلوا تغليب اليهودية
على الديمقراطية.
يؤكد
إغبارية في حديث لـ "العربي الجديد" على أن "تعليم المدنيات جزء من
منظومة أشمل، هي المواضيع التي تؤثر على هوية التلميذ الشخصية والوطنية والقومية وغيرها.
في إسرائيل، تجنّد هذه المواضيع من جهة لتعظيم الهوية الإثنية الدينية عند التلميذ
اليهودي وتقويتها وتعزيزها، ومن الأخرى لإضعافها عند التلميذ العربي". يضيف:
"يعمدون إلى إضعاف كل تعاطٍ مع مركّب جمعي خاص بالعرب في المناهج التعليمية، كالمركّب
الفلسطيني وحتى المركبات الدينية كالمسيحيين أو المسلمين أو الدروز. بالتالي يضعفون
الجمعي والقومي في هذه المركبات. وفي منهاج الدين الإسلامي على سبيل المثال، يتجاهلون
كل موضوع المقدسات الإسلامية، فلا نجد أي ذكر للقدس مثلاً. وذلك بهدف بتر هوية التلميذ
الدينية، عن سياقها الحضاري والقومي وحتى الجغرافي".
ويتابع
إغبارية أن "في المدنيات ومواد التربية للمواطنة (التربية الوطنية)، ثمّة تحولاً
في العقد الأخير، من محاولة ليبرالية هشة لخلق حالة من التوازن ما بين يهودية الدولة
وديمقراطيتها إلى وضع جديد تغلّب فيه يهودية الدولة والهوية اليهودية على التوازنات".
ويشرح أنه "في العقد الأخير وعلى أثر صعود اليمين المتطرّف وبروز إجماع صهيوني
جديد حول مصالح المستوطنين ودخول أيديولوجيات الاستيطان إلى لبّ القرار السياسي في
إسرائيل، انعكس ذلك على التربية والتعليم. باختصار، نظام التعليم في إسرائيل يعكس النظام
السياسي فيها. أيديولوجيات دينية تحكم ما يسمّى بالتيار القومي الصهيوني، وهذه أيديولوجيات
دينية تبشيرية تقوم على فكرة أن دولة إسرائيل مسألة لحظية ومرحلية باتجاه إقامة المملكة
اليهودية المقبلة. حتى التعليم الديني الرسمي في إسرائيل هو منطقة خارج القانون، وتأثير
وزير التربية والتعليم هامشيّ على هذه المدارس التي يسيّرها الحاخامات".
ويشدّد
إغبارية على أن "التعليم أيديولوجي يكرّس دونيّة العرب وفوقيّة اليهود. قبل خمس
سنوات ،عندما كنت في لجنة لمناقشة المنهاج ولاحظت هذا الانجراف نحو سياسات اليمين،
قرّرت الاستقالة إذ كان الفشل محتماً. في الكتب العربية المعتمدة في المنهاج التعليمي،
كانت أكثر الأغاني والأناشيد السائدة تتغنى بإسرائيل. وفي السنوات الأخيرة، كانت مراجعة
للكتب التي كنا أصلاً في نقاش حولها إذ إنها لا تطرح الهوية الجمعية الفلسطينية وتعيدها
إلى الخلف. في المدنيات مثلاً، أعيدت كتابة فصول باتجاه العودة إلى خطاب سبعينيات القرن
العشرين، الذي يتحدث عن الفلسطينيين في البلاد كمجتمعات دينية وأفراد وينفي أيّ طابع
جمعي لنا كمجتمع فلسطيني في الداخل. وتراجعوا أيضاً عن تناول الهوية الفلسطينية لفلسطينيي
الداخل ولو بشكل رمزي".
ويشبّه
إغبارية "النظام التربوي في إسرائيل بذلك الذي كان يطبّق في جنوب إفريقيا في فترة
الفصل العنصري"، بحسب ما خلص إليه في بحث أجراه. ويشرح أن ذلك يأتي "على
مستويات ثلاثة. في المستوى الأول، ثمّة فصل ما بين التلاميذ العرب واليهود، ووزارة
التربية التعليم غير معنية حتى بلقاءات حوارية ما بين الطرفين. في الثاني، ثمّة تكريس
للهوية الدينية وإعادة الدين إلى مركز العملية التربوية، وهذا كان موجوداً في جنوب
إفريقيا كفكرة تنصير الغالبية السوداء. أما الثالث، فيتعلّق بتفريغ التربية والتعليم
من أي مضمون سياسي، بمعنى أن المناهج لا تعالج القضايا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية
وغيرها للإنسان الفلسطيني في الداخل، بذريعة أن التربية والتعليم هما لتحصيل العلامات
فقط. وفي جنوب إفريقيا، كانوا يعلّمون السود أن العملية التعليمية لا علاقة لها بالثقافة".
إنسان عربيّ مدجّن
من جهته،
يرى البروفسور محمد أمارة وهو رئيس الدراسات العليا في الكلية الأكاديمية بيت بيرل
والباحث في علم اللسانيات في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "ثمّة طمساً
وتشويهاً وتغييباً للمضامين العربية والإسلامية في المناهج المعتمدة في المدارس العربية
في كل المواضيع. وهذا ليس أمراً اعتباطياً وإنما هو نتاج عملية مدروسة بشكل جديّ من
قبل وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وجهات أخرى". يضيف: "الهدف واضح.
المؤسسة الإسرائيلية تريد خلق إنسان عربي مدجّن أو ما يسمى العربي الإسرائيلي، الذي
ينفصل عن تاريخه وأمته وكينونته".
ويتوقف
أمارة عند اللغة العربية، إذ "لها خصوصية. هي هوية بحد ذاتها، ومن خلالها نحافظ
على ذاتنا ووجودنا في هذه البلاد. طمس اللغة العربية أكثر من مسألة رمزية، وهو يؤثر
على المواضيع الباقية، إذ يصبح التلميذ غير قادر على التعامل مع تلك المواضيع. المؤسسة
الإسرائيلية تريد للعرب أن يمتلكوا اللغة العربية بشكل ميكانيكي، كمهارة وليس كلغة
ترتبط بعمق الهوية العربية الفلسطينية والهوية الإسلامية. وما زالت اللغة العربية تعاني
كثيراً، وليس فقط من قبل المؤسسة وإنما أيضاً على خلفيّة عوامل ذاتية". ويشدّد
أمارة على أن "كثيرين هم التلاميذ الذين لا يحبّون اللغة العربية لأنها تُدرّس
بشكل جاف، كما دُرّست في القرون الوسطى. وهذا يؤثر سلباً، إذ يدفع التلاميذ إلى اعتماد
وحدات باللغة العربيّة أقلّ من الوحدات باللغتَين العبريّة والإنجليزيّة. إلى ذلك،
تأتي معدّلات علامات التلاميذ العرب في اللغة العربية، أقل من المواد الأخرى".
تناسق مع الرواية الصهيونيّة
إلى
ذلك، يقول النائب مسعود غنايم عضو لجنة التربية والتعليم البرلمانية في الكنيست لـ
"العربي الجديد"، إن "إسرائيل منذ قيامها تفرض رؤيتها السياسية على
مضامين المنهاج التعليمي في المدارس العربية، لا سيّما في مواضيع مثل المدنيات والتاريخ
التي تتضمّن مواضيع تخصّ العرب وتغيب عنها وجهة النظر العربية الفلسطينية من كل الأحداث
والمنعطفات والقضايا. ثمّة فرض لرؤية المؤسسة الإسرائيلية، حتى تأتي متناسقة مع الرواية
الصهيونية".
لجنة بلا أسنان
ويشير
غنايم إلى أنه وحنين الزعبي ويوسف جبارين، نواب القائمة المشتركة في لجنة التربية والتعليم
البرلمانية في الكنيست، "نعدّ قضايا التعليم من الأولويات. وقد طرحنا موضوع منهاج
المدنيات مرات عدة، وطالبنا بأن يعكس التعددية". لكنه يلفت إلى أنهم "ثلاثة
نواب عرب أمام أكثرية يهودية، بالتالي فإن التأثير محدود. واللجنة بلا أسنان، أي أنها
لا تفعل إلا رفع توصياتها لوزارة التربية والتعليم".
المصدر: العربي
الجديد