هل
أزمة «الأونروا» حقيقية أم هي أزمة مفتعلة؟
إعداد المرصد الشهري لأعمال
الأونروا/ خاص – لاجئ نت
إن
المتتبع
لخطوات «الأونروا» وإجراءاتها الميدانية منذ العام
2010 يكاد لا يستطيع القراءة، ما بين السطور. ففي حين تعلن «الأونروا» عن نتائج دراسة
مسحية للحالة الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتي نفذتها بالتعاون
مع مؤسسة عصام فارس في الجامعة الأمريكية في بيروت، وأظهرت يومها أن نسبة الفقر وسط
اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تصل إلى 65%، ونسبة الفقر المدقع يصل إلى 7% بينما تصل
البطالة إلى 56%، وهذه تنائج مقلقة حقاً لمن تهمه قضية اللاجئين ويسعى حقاً لإيجاد
حلول فعلية لمعاناتهم والتخفيف منها.
وما بين العام 2010 والعام
2015 لم تتخذ «الأونروا» أية خطوات فعلية وملموسة لتغيير الواقع، بل أعادت إجراء دراسة
مشابهة في العام 2015 وشملت حوالى 3000 أسرة من لاجئي فلسطين في لبنان وما يقارب الـ1000
أسرة من لاجئي فلسطين القادمين من سورية. وأظهرت نتائج الدراسة أن 65% من لاجئي فلسطين
في لبنان وحوالى 90% من لاجئي فلسطين القادمين من سورية هم تحت خط الفقر، فيما يعيش
9% من المجموعة الأخيرة في الفقر المدقع وهم غير قادرين حتى على تأمين المتطلبات الغذائية
الأساسية.
وبغض النظر عن نتائج الدراسة
الأولى والثانية، فإن من أبجديات العمل، أن القيام بأي دراسة للواقع الاجتماعي والاقتصادي
لمجتمع ما، يجب أن تتبعها خطوات لإصلاح الخلل الذي تظهره نتائج هذه الدراسة أو المسح.
وهذا ما لم يحدث، بالرغم من الدراسات التي قامت بها «الأونروا» سلطت الضوء على التحديات
التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون، سواء بارتفاع نسبة الفقر والبطالة وغيرها من المشاكل
الاجتماعية وقدرتهم على الوصول إلى فرص الاستخدام.
ولو افترضنا حسن النية لدى
«الأونروا» من جراء تنفيذ هذه الدراسات، فإن من المفترض أن يتبع نتائج الدراسات اتخاذُ
خطواتٍ عملية هدفها الرئيسي التخفيف من معاناة اللاجئين والسعي لتحسين الخدمات لهم
من خلال البحث عن طُرق تمكن «الأونروا» من الاستفادة من الموارد المالية والبشرية المتاحة
بأقصى طاقة ممكنة والبحث عن مصادر تمويل جديدة، فضلاً عن ترشيد الإنفاق ووقف الهدر
المالي.
لكن الذي جرى أن
«الأونروا» أرسلت الدكتور حجوج كخبير اجتماعي واقتصادي من المكتب الإقليمي للأونروا
في عمان في تلك الفترة -كما زعموا- من أجل وضع آليات جديدة لبرنامج الإغاثة والشؤون
الإجتماعية يهدف وكما صرح في أكثر من مناسبة إلى تقديم الخدمة للحالات الأكثر عوزاً،
لكن الذي جرى هو أن هذا البرنامج الجديد أثبت فشله وأوقف الخدمة عن الكثير من المسنين
والأرامل والمرضى ولم يلامس فعلاً العائلات أو الأفراد الأكثر حاجة.
لم يتوقف الأمر عند هذا
الحد بل فاجأ المفوض العام للأونروا بيير كرينبول في شهر أيار 2015 بتصريحاته الشهيرة
والتي أعلن فيها أن «الأونروا» تواجه أزمات مالية متراكمة تتجاوز 120 مليون دولار وأنها
لن تتمكن من الاستمرار بتقديم الخدمات الأساسية في التعليم والصحة وغيرها من البرامج
الخدمية، وأن «الأونروا» ستضطر لاتخاذ خطوات قاسية سواء باتجاه وقف التوظيف، وتجميد
وظائف، وفرض الاستقالة المبكرة على الكثير من الموظفين، فضلاً عن الكثير من القرارات
الصعبة التي طالت الخدمات الرئيسية في الصحة والتعليم والتوظيف والشؤون الاجتماعية
التي أدّت إلى انخفاض جودة هذه الخدمات، بل هددت في الكثير من الأوقات بوقف بعضها.
وبسبب احتجاجات اللاجئين ورفضهم لهذه الإجراءات تداعت بعض الدول وقدمت مبالغ مالية
مختلفة للأونروا من المفترض انها سدت العجز المالي، وجعلت «الأونروا» تستمر بتقديم
خدماتها ولكن بحدّها الأدنى بعد أن طالها الكثير من التقليص والتخفيض رغم الحصول على
تمويلٍ كافٍ.
لم تتوقف الأوركسترا عند
هذا الحد، بل استمرت الضغوط النفسية على اللاجئين منذ ذلك الحين، وعنوانها الرئيس «عجز
الموازنة المالية ونقص التمويل»، ولا بد من اتخاذ خطوات تقليصية كي تستمر
«الأونروا» من تقديم الخدمات والحفاظ على كرامة اللاجئين، ليكتمل المشهد هذا العام
2018 من خلال الوقف المفاجئ للمساعدات الأمريكية للأونروا والتي تقدر ب 360 مليون دولار،
وقرار «الأونروا» مباشرة باتخاذ إجراءات قاسية تجاه اللاجئين تمحورت حول:
1- إلغاء بعض المدارس المستاجرة
ودمجها بمدارس أخرى دون الأخذ بالاعتبار لمعاناة التلاميذ وذويهم من الأعباء النفسية
والمالية التي سيتكبدها هؤلاء التلاميذ وذويهم، فضلاً عن الاكتظاظ الذي ستواجهه المدارس
المدموجة (كمدرسة العوجا).
2- وقف العمل في بعض العيادات
في التجمعات ودمجها بعيادات في مناطق أخرى والاستفادة من الموظفين لملء الشواغر في
مراكز أخرى.
3- وقف جميع العمال المياومين
في جميع قطاعات الخدمات.
4- وقف ضخ المياه عن المخيمات
يوم الأحد من كل أسبوع بسبب وقف العمال المياومين.
5- تخفيض نسبة الكتب المدرسية
في مدارس «الأونروا» إلى 5% فقط.
6- عدم تشغيل مولدات الكهرباء
في المدارس والمؤسسات الأخرى إلا في الظروف القصوى.
7- عدم تجديد عقود الأطباء
الإخصائيين (قلب – عيون- السكري – والغدد) ووقف تغطية إجراء عمليات الأنف.
8- وقف التمديد للموظفين
الذين بلغوا الستين عاماً، وعليهم إنهاء خدماتهم والحصول على تعويضاتهم.
واستمر لسان حال مدراء
«الأونروا» ورؤساء أقسامها وإعلامها بأن «الأونروا» لن تتمكن من الاستمرار بخدماتها
في ظل الوضع الراهن بعد شهر أيار 2018. وقد تضطر إلى اتخاذ إجراءات تقليصية جديدة إذا
استمر الوضع على حاله. وأن «الأونروا» ستضطر أيضاً إلى اتخاذ خطوات وإجراءات داخلية
هدفها الاستفادة من الموارد المالية المتاحة، مثل وقف مهمات سفر الوفود، ودفع مقابل
ساعات العمل الإضافية وغيرها من الإجراءات.
والمفارقة الغريبة أنه بعد
انعقاد مؤتمر روما للمانحين وتقديم 100 مليون دولار أمريكي من الدول المانحة سواء كانت
عربية أو أوروبية، ومبادرة العديد من الدول بتقديم مبالغ مختلفة سواء لتمويل المشاريع
أو لدعم موازنة «الأونروا»، فإنها لم تتراجع عن الخطوات التقليصية التي اتخذتها، بل
قام مدراء «الأونروا» بجولات على المخيمات والتجمعات الفلسطينية ولقاء فعاليات هذه
المخيمات وإبلاغهم بالظروف الصعبة التي تمرّ بها «الأونروا»، وأن العجز المالي ما زال
كبيرا ويتجاوز مئات الملايين من الدولارات، وأن على اللاجئين تفهّم ظروف
«الأونروا» والمصاعب التي تمر بها، وعليهم توقّع الأسوأ، والمطلوب منهم الوقوف إلى
جانب «الأونروا» ودعمها وإمكانية بناء علاقات تشاركية تؤدي إلى توزيع الأعباء والمساهمة
بها.
السؤال المحير للاجئين الفلسطينيين:
أين ستذهب الأموال التي جمعتها «الأونروا» من المانحين خلال العام 2018؟ ولماذا ستُبقي
على الخطوات التقليصية كما هي دون التراجع عنها؟ وهل الخدمة التي يتم وقفها لن تعود
ولو توفر التمويل؟ وهل أجرت «الأونروا» الدراسات المسحية الاقتصادية والاجتماعية بهدف
تحسين شروط عيش اللاجئين؟ أم بهدف معرفة مكامن القوة لديهم والعمل على ضربها وضعضعتها
تساوقاً مع المشروع الأمريكي الذي يهدف إلى إنهاء «الأونروا» وإسقاط حق العودة والتخلص
من قضية اللاجئين؟!