واقع الإعلام الفلسطيني في لبنان
الخميس، 13 شباط،
2014
تشهد الساحة
اللبنانية، منذ بضعة سنوات، بروز إعلام فلسطيني جديد، استثمر التقنيات
و"الثورة" المعلوماتية الحديثة لمواصلة الرسالة الإعلامية التي كانت وما
زالت جزءاً مهماً من الثورة والمقاومة الفلسطينية، في الأرض المحتلة وفي اللجوء.
هذا الإعلام هو الإعلام الإلكتروني، المؤلف من المواقع والمنتديات وصفحات التواصل
الاجتماعي، التي يديرها فلسطينيون في لبنان. لم يؤد انتشار هذا الإعلام الى إلغاء
كافة الوسائل التقليدية المعتمدة من قبل الحركات والفصائل الفلسطينية حتى الآن،
وهي المجلات أو النشرات، غير أن بعض هذه النشرات أصبحت تعتمد أيضاً على الوسائل
الإلكترونية لنشر أفكارها وأخبارها، تحقيقاتها ومقالاتها.
رغم حالة التشتت
واللجوء، يمكن اعتبار الإعلام الفلسطيني في لبنان جزء من الإعلام الفلسطيني العام
الذي يعمل في الأرض المحتلة وفي بلدان أخرى في الشتات. كان وما زال هذا الإعلام
يركّز بشكل أساس على القضية الفلسطينية ويحاول نقل أخبار المواجهات المستمرة مع
العدو، ويعدّ التقارير التي تفضحه أمام الرأي العام العالمي، وينشر المقالات
والدراسات ويبث الوثائقيات التي تحلل أوضاع الشعب الفلسطيني بكل أبعاده، في
مقاومته وفي مظلوميته. وبسبب حالة التشتت التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ 1948،
وخاصة بعد اختفاء دور منظمة التحرير الفلسطينية وإعلامها المركزي بعد اتفاقيات
اوسلو، أصبح الإعلام الفلسطيني يعيش حالة انقسام، بين الداخل والخارج، بين الأراضي
المحتلة عام 48 وبقية المناطق الفلسطينية، وبين دول الشتات. لكل منطقة إعلامها
يحاول التركيز على أوضاع الشعب الذي يعيش في بقعة معينة من الوطن أو من اللجوء،
دون إهمال القضايا الكبرى التي توحّد الشعب، أي المقاومة بكل أشكالها وفضح ممارسات
العدو ومحاصرته إعلامياً والعمل على كسب تأييد الشعوب العربية والاسلامية
والعالمية.
سنحت التقنيات
الحديثة والانتقال الى الفضائيات والعالم الإلكتروني بفرصة التواصل بين أبناء
الشعب الواحد، لا سيما التواصل الإعلامي، حيث أصبح من الممكن الاطلاع على الصحف
الصادرة في كل أنحاء الوطن المحتل وفي اللجوء ومعرفة الأخبار وتفاصيلها، وقراءة
مقالات الصحافيين وإصدارات المؤسسات البحثية، كما أصبح من الممكن لأبناء القدس أو
غزة أو يافا الاطلاع على أخبار المخيمات في لبنان أو الانتاج التحليلي والبحثي
الفلسطيني وغيره، من خلال الإعلام الإلكتروني.
يمكن اعتبار هذا
التواصل بين التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات، بفضل التقنيات الحديثة، من أهم
ميّزات الإعلام الفلسطيني الحديث. والميزة الأخرى هي قلة الكلفة المادية للإعلام
الإلكتروني، مقارنة مع الوسائل الإعلامية الأخرى، مما سمح للعديد من التجمعات
الإعلامية أو الأفراد أو الحركات والأحزاب المشاركة في الرسالة الإعلامية، من أجل
التأكيد على مسألة محدّدة (الأسرى أو اللاجئون على سبيل المثال) أو على القضية
الفلسطينية بشكل عام، وفقا لتوجه سياسي معيّن.
ولكن قد تؤدي هذه
"الطفرة" الإعلامية، من جهة أخرى، إلى تجزئة المجزّأ وانزواء كل حارة أو
كل مخيم، كل مدينة أو كل منطقة، عن الكل الفلسطيني، أن لا تذكر وتواكب دائماً الهم
الفلسطيني الجامع وتؤكد على انتمائها. ويمكن اعتبار أن تعدد المواقع الفلسطينية
والعربية التي تعنى بأمور متشابهة يحد من انتشارها ويجعلها أكثر محلية، حيث يجب
عليها تطوير أدائها وابتكار وسائل أو
صفحات مميّزة حتى تبقى في الواجهة الإعلامية وتؤدي رسالتها.
يتميّز الإعلام
الفلسطيني بأنه في صراع دائم ومباشر مع العدو الصهيوني، الذي يلاحق ويقتل ويعتقل
الإعلاميين الفلسطينيين في الأرض المحتلة، كما اغتال صحافيين وكتاباً في لبنان قبل
الاجتياح الصهيوني في 1982، كالشهداء كمال عدوان، ماجد أبو شرار، وغسان كنفاني.
وحتى في حروبه الأخيرة ضد قطاع غزة، كان استهداف الإعلاميين واضحاً، وفي الآونة
الأخيرة، استهدف في القدس ناشطي "الانترنت" الذين ينقلون الحقائق ويدعون
إلى التصدي للمستوطنين وجنودهم في المسجد الأقصى. لقد أقدم جنود الاحتلال على
اقتحام العديد من مقرات إذاعات وتلفزة في الضفة الغربية وحطّم معداتها، واعتقل
إدارياً العديد من الإعلاميين. إن كان العدو يخشى من ينقل إلى العالم صورة
ممارساته الإجرامية في فلسطين المحتلة، فهو يخشى أيضاً من أن يساهم في توعية
الأجيال الشابة، في الأرض المحتلة واللجوء، حول أهمية مواصلة الكفاح ضده بكل
الوسائل الممكنة، والمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني، من خلال الإعلام الهادف. رغم
أن الإعلام الفلسطيني في لبنان ليس في مواجهة مباشرة دائمة مع العدو لفضح ممارساته
اليومية، هل يقوم بمهمة توعية اللاجئين والشباب منهم خاصة، حول القضية الفلسطينية
وضرورة مواصلة الكفاح حتى التحرير والعودة؟ ما هي الأهداف التي حدّدها، وهل نجح في
تحقيقها؟
تحاول هذه الدراسة
إلقاء الضوء على الإعلام الفلسطيني في لبنان، من خلال رصد ومتابعة بعض أشكال هذا
الإعلام الحديث، الإعلام الإلكتروني وبعض النشرات التي توزّع في المخيمات أو
الموجودة على المواقع الإلكترونية. بعد التعريف على الإعلام الإلكتروني الفلسطيني
الموجود حاليا وأهم خصائص كل موقع أو منتدى، تنتقل الدراسة الى تلخيص أبرز سمات
هذا الإعلام، مع التركيز على أهدافه وكيفية عمله قبل أن تطرح إشكالية الجهود
المبذولة من أجل دعمه أو توحيده أو بناء شراكة بين هذه المواقع. وبعد إلقاء الضوء
عل أبرز خصائص الإعلام "الورقي" الموزّع في المخيمات، تقدم الخاتمة بعض
الملاحظات والمقترحات من أجل إعلاء الصوت الفلسطيني في لبنان وجعله مرجعاً لكل من
يريد متابعة الوضع الفلسطيني، على الأقل في لبنان، ومن أجل جعل الإعلام الفلسطيني
في لبنان أداة توعية حول الحقوق الفلسطينية المشروعة.
المصدر: القدس
للأنباء