«أحفـاد
يونـس» حـي فـي قريـة «بـاب الشمـس» نمـوذج دولـة فلسـطينـيـة عنـوانـها «التحـدي»
امجد سمحان -السفير
لم تعد «باب الشمس» فكرة لحظية أو نصاً مكتوباً يقرأ
لمرة واحدة، بل صارت رواية حقيقية تتوالى فصولها يوماً بعد يوم بأشكال جديدة، وتنتقل
من مكان إلى مكان، بأهلها وعاداتها، وأفكارها. صارت مدينة متنقلة أبطالها «أبناء بطوطة»
و«أحفاد يونس»، يتحدّون الاحتلال بوسائل بدائية عجزت أمامها آلته العسكرية، وأصبح حائراً
لا يعرف ماذا يخبئ له الغد. على الأقل تحولت إلى فكرة تحظى بإجماع في بلد ممزق داخلياً
كباقي الأقطار العربية، وفق ما يؤكد أبطال «باب الشمس». فهم بنوا حي «أحفاد يونس» كنموذج
مصغر لدولة فلسطينية يطمحون إليها، وشعارها «التحدي».
قبل نحو شهر من الآن تجسدت رواية اللبناني إلياس خوري
لتصبح حقيقة على الأرض. وبنى نحو 200 ناشط قرية فلسطينية أطلقوا عليها اسم «باب الشمس»
على أراضي منطقة «إي 1» في شرقي القدس المحتلة. و«إي 1» تقع على الأرض الفلسطينية التابعة
لقرى العيساوية، والعيزرية، والطور، وعناتا وأبو ديس. وهي منطقة استراتيجية تخطط إسرائيل
لبناء أكثر من أربعة آلاف وحدة استيطانية عليها، بهدف فصل شمال الضفة الغربية عن وسطها
وجنوبها، ومنع أي احتمال لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً على حدود العام 1967.
يوم أمس أخلت قوات الاحتلال بالقوة حي «أحفاد يونس»،
وهو الفرع الثاني من قرية «باب الشمس» أو أحد أحيائها، والذي يقع على تلة مختلفة من
المنطقة «إي 1». ويونس هو بطل رواية «باب الشمس» المقاوم الذي كان يتنقل بين لبنان
وفلسطين ليلتقي حبيبته في مغارة.
وهاجم أكثر من 300 جندي من القوات الخاصة الإسرائيلية
حي «أحفاد يونس»، وأخلوا سكانه بوحشية وعنف بعد أربعة أيام من بنائه كامتداد لفكرة
«باب الشمس». ونجح المقاومون بعد استخدامهم أساليب تضليل للاحتلال ببناء خيامهم في
تلة «جبل البابا» التابعة لأراضي بلدة العيزرية في شرقي القدس.
محمد الخطيب، أحد أصحاب فكرة «باب الشمس»، يعتقد أن
استمرار تكرار الفكرة لن يجعلها مبتذلة، «فلم تكن المقاومة لتنجح يوماً في انتزاع حقوق
شعب محتل لو أنها لم تكرر عملياتها مرة ومرة ومرة»، يقول لـ«السفير». ويضيف «نحن نريد
أن نجعل باب الشمس حكاية يومية تحاصر الاحتلال ومخططاته، وترفع عالياً مطالب شعبنا
بالحرية وتحقق أمنياته بأن يكون له دولة كباقي الشعوب».
وفي حديث إلى «السفير»، يؤكد عبد الله أبو رحمة، وهو
أحد قيادات لجان المقاومة الشعبية، «نحن لن نتوقف عن بناء باب شمس، حتى تشق لنا الشمس
باباً واسعاً نحو الحرية». ويتابع «بنينا حي أحفاد يونس بالتزامن مع وصول الرئيس الأميركي
باراك أوباما إلى إسرائيل لننقل له رسالة واضحة مفادها أن لا مفاوضات في ظل الاستيطان».
لم يكن حي «أحفاد يونس» فكرة مقاومة فقط، بحسب ما يؤكد
صلاح الخواجا، وهو أحد من كانوا في الحي أثناء الإخلاء. ويشرح لـ«السفير» أنه «صار
لدى الحي نظام حياة مكتمل. ففيه عقدنا قران رفاق لنا، كما كانت تلقى محاضرات جامعية،
وفيه مجلس بلدي، وخلايا عمل منظمة كل منها تعرف دورها وتكمل دور الأخرى. ببساطة هو
نموذج صغير لدولة فلسطينية يجب أن تقوم برغم الاحتلال».
وشهد حي «أحفاد يونس» لحظة لا تنسى في حياة كل سكانه
حين تم عقد قران لينا الشلالدة ومصعب عبيد، وهما شابان فلسطينيان قررا أن يقيما «زواجاً
مقاوماً».
لينا العروس تقول إن الفكرة ببساطة كانت من أجل توجيه
رسالة إلى العالم، وهي «هذه أرضنا ونحن باقون فوقها، ولن نهاجر عنها أو نتركها وسنبقى
لكي نعمرها ونبني فوقها حياتنا».
كذلك، كان حي «أحفاد يونس»، بحسب عبد الله أبو رحمة،
فرصة لطلبة الدراسات العليا، الذين يدرسون تخصصاً جديداً تم إقراره حول أساليب المقاومة
اللاعنفية، ويقول «تلقينا هنا محاضرات جامعية، عنوانها ببساطة التحدي».