الإثنين، 12 أيلول، 2022
أثبتت سجلات إسرائيلية -ظلت سرية لفترة
طويلة- صحة ما كان يقال من أن مصير نحو 50 ضحية من فلسطينيي 48 قتلوا في مذبحة كفر
قاسم عام 1956 كان مرتبطا بخطة رسمية سرية ألغيت بعد فوات الأوان، وكان يراد منها إجبار
الفلسطينيين من منطقة "المثلث" (داخل الخط الأخضر) على الفرار إلى الأردن
عبر استخدام العنف.
هكذا لخص موقع "أوريان 21" (Orientxxi)
الفرنسي مقال الصحفية سامية حلمي، الذي أوضحت فيه أن قرار القضاء العسكري الإسرائيلي
يوم 29 يوليو/تموز 2022 رفع السرية عن جزء من محاضر محاكمة عام 1957 ضد 11 عنصرا من
شرطة الحدود (ماغاف) متهمين بقتل نحو 50 فلسطينيا من قرية كفر قاسم فاجأ العديد من
المراقبين في إسرائيل، خاصة أن الجيش ظل يكرر أن رفع السرية عن هذه الوثائق من شأنه
أن يقوض أمن الدولة.
العدوان الثلاثي
ووصفت الصحفية القضية بأنها صفقة رهيبة،
إذ شنت إسرائيل يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1956 هجوما على مصر ومعها المملكة المتحدة
وفرنسا ردا على تأميم قناة السويس، وحسب الخطة المتفق عليها مع لندن وباريس، تبدأ إسرائيل
غزو سيناء ذلك الصباح، ولكن القادة العسكريين والمدنيين الإسرائيليين كانوا يخشون أن
تقوم الأردن بدعم مصر عسكريا.
وفي سياق هذه الحرب، فرضت إسرائيل حظر تجول
ليلي صارم على المنطقة المعروفة باسم "المثلث"، وفجأة قرر القائد العسكري
للمنطقة العقيد يسخار شادمي يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول تمديد حظر التجوال 3 ساعات،
وأبلغ مختار كفر قاسم قبل نصف ساعة من بدء سريان القرار الإجباري، من دون إعطاء أي
فرصة لنحو 400 قروي في الحقول لمعرفة التغيير في الجدول في الوقت المناسب.
وعند اقتراب عشرات القرويين، أكثر من نصفهم
من النساء والأطفال، من منازلهم بعد الساعة الخامسة مساء، استقبلهم الأمن من دون سابق
إنذار بوابل من إطلاق النار، فقتل ما بين 47 و53 شخصا بدم بارد، وهذه -كما تقول الكاتبة-
حقائق لا يختلف عليها اثنان في إسرائيل.
إطلاق المحكوم عليهم بسرعة
وعام 1957، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى
تقديم 11 جنديا إلى العدالة، وصدرت بحقهم 8 أحكام بالسجن تصل إلى 17 عاما، ولكن تم
العفو عن جميع المدانين والإفراج عنهم نوفمبر/تشرين الثاني 1959، وبعد ذلك عقدت محكمة
أخرى عام 1958 للعقيد شادمي الذي أعطى الأمر بإطلاق النار، وتمت تبرئته بعد أن حُكم
عليه "بتجاوز السلطة"، وغرم بما يعادل سنتا واحدا، ليبقى هذا الحكم في الذاكرة
الفلسطينية رمزا مريرا لقيمة الحياة العربية في نظر الإسرائيليين.
الخطة السرية
لكن جزءا من قضية كفر قاسم بقي طي الكتمان
لفترة طويلة، قبل أن يسلط عليه الصحفي الإسرائيلي روفيك روزنتال الضوء -في مقال له
عام 1991- عندما تحدث عن عملية كان من المقرر تطبيقها على فلسطينيي 1948 خلال أحداث
عام 1956، إذ كانت فكرة هذه الخطة هي استغلال حرب مستقبلية مع الأردن لإخلاء قرى المثلث
العربية، بحيث يفر جزء من السكان إلى الأردن، في حين يتم إرسال آخرين إلى معسكرات الاعتقال
في إسرائيل.
لكن مؤرخا إسرائيليا آخر هو آدم راز سعى
سنوات عديدة لإثبات الصلة الجوهرية بين تلك الخطة وبين مذبحة كفر قاسم، وأكد اعتراف
العقيد يسخار شادمي، الذي قال إنه لم يتفاجأ إطلاقا بالحكم الذي تلقاه، وأوضح أن نتيجة
المحاكمة التي سماها "مسرحية" و"محاكمة صورية" قد تم تحديدها منذ
البداية.
وأشار العقيد شادمي إلى أنه تفاوض بطريقة
ما مع السلطات المعنية على عقوبة سخيفة من أجل صمته في ما يتعلق بالأوامر التي تلقاها،
وقد تمت مقاضاته لأن بن غوريون ورفاقه كان عليهم أن يثبتوا للجمهور والمؤسسة السياسية
أن التسلسل القيادي لم يقد إلى أبعد من قائد اللواء.
كان يجب أن تظل خطة التهجير التي سميت
"الخلد" مدفونة تحت الأرض، ولكن آدم راز سعى بعد أكثر من نصف قرن لرفع السرية
عنها، وقد دعمت شهادة شادمي التي نشرت عام 2018، وظهر أن الجريمة لم يرتكبها مجموعة
من الجنود خرجوا عن السيطرة كما كان يشاع.
وقالت عائدة توما سليمان النائبة في الكنيسيت
عن القائمة المشتركة "اليوم ظهر ما قلناه من أن مذبحة كفر قاسم المروعة كانت جريمة
قتل متعمدة وخطة لترحيل سكان المثلث، وثبت أن إسرائيل لم تقتل 50 مواطنا عربيا بدم
بارد فحسب"، بل إنها خططت أيضا "لإنشاء أماكن مغلقة" و"تشريد السكان".
المصدر : أوريان 21