الأردن يحرم الفلسطينيّين
من العمل في التدريس
الجمعة، 11 تشرين الثاني، 2016
يضمّ الأردن قرابة 158
ألفاً من فلسطينيّي قطاع غزّة وصلوا عقب حرب عام 1967 بين العرب وإسرائيل، ويحملون
جوازات سفر أردنيّة موقّتة، وفقاً لإحصاءات وكالة "الأونروا" لعام 2015،
وتفرض القوانين الأردنيّة قيوداً عليهم تضيق حصولهم على الحقّ في التملّك والعمل والعلاج
والدراسة والانتساب إلى النقابات المهنيّة، ممّا يؤدّي إلى ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة
بينهم، وفقا لتقرير اقتصادي نشره مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، في عمان في أيلول/سبتمبر
2013.
وآخر القرارات الأردنيّة
بحقّ الفلسطينيّين من أصول قطاع غزّة، المقيمين فيه، وإن كانت غالبيتهم تقيم بمخيم
جرش للاجئين بالأردن، ويطلق عليه اسم مخيم غزة، ما كشفته صحيفة "الغدّ" الأردنيّة
في 31 تشرين الأوّل /أكتوبر عن بدء الحكومة الأردنيّة بتطبيق قرارها الصادر عن وزارة
التربية والتعليم الأردنية في 28 آب/أغسطس بمنع المعلّمين الغزيّين في جميع عموم الأردن
من العمل في التدريس بالمدارس الأردنية، ممّا أضرّ بمئات المعلّمين الغزيّين في الأردن لأنّ كثيراً منهم يعمل منذ سنوات طويلة
في المهنة.
وفي هذا الإطار، قال لـ"المونيتور"
مصدر أردنيّ مطّلع في وزارة التربية والتعليم، أخفى اسمه: "إنّ الوزارة طلبت من
المؤسّسات التعليميّة الخاصّة قبل بداية العام الدراسيّ الحاليّ في أواخر أيلول/سبتمبر
عدم تجديد عقود العمل للمعلّمين غير الأردنيّين، وعددهم 800 معلّم ومعلّمة من أصول
فلسطينيّة من غزّة، والقرار لا يقتصر على المعلّمين، بل يشمل السائقين والإداريّين
والمراسلين والحرّاس".
ومن جهتها، أشارت جيهان
علي، وهي معلمة فلسطينية في مخيم غزة بالأردن لـ"المونيتور" في اتّصال هاتفيّ
من عمّان إلى أنّها " تعمل بمجال التدريس في المدارس الأردنيّة الخاصّة منذ
15 عاماً من دون مشاكل، لكنّها فوجئت قبل أسابيع، في منتصف أيلول/سبتمبر، بطلب من إدارة
المدرسة تطالبها بالتوجّه إلى وزارة العمل الأردنيّة لتزويدها بتصريح عمل، وهي المرّة
الأولى التي يطلب مني ذلك، لكنّ وزارة العمل رفضت طلبها، بسبب قرار منع غير الأردنيّين
من مزاولة مهنة التدريس. والآن، أنا من دون عمل منذ أسابيع، رغم أنّي أعيل أسرة مكوّنة
من 6 أفراد إخوتي وأخواتي الأيتام".
وتزامن القرار الأردنيّ
بحقّ المعلّمين ذوي الأصول من قطاع غزّة مع رسالة وجّهها الفلسطينيون من أبناء قطاع
غزّة المقيمون في الأردن إلى الجهات الرسميّة بعمّان في 31 تشرين الأوّل/أكتوبر عنوانها:
"احتياجات أبناء غزّة الأكثر إلحاحاً"، للحصول على إعفاء السلطات الأردنيّة
من رسوم علاجهم للأمراض المستعصية واستثنائهم من قرارات مجلس الوزراء الخاصّة بالوافدين
والأجانب وزيادة عدد المقاعد في الجامعات الحكوميّة للاجئين الفلسطينيين من أبناء قطاع غزّة والسماح لهم بالتقدّم إلى الجامعات
الحكوميّة على التنافس للعمل في مجال التدريس الأكاديمي، والسماح للأطبّاء والصيادلة
والممرّضين والمحامين من الفلسطينيين أبناء قطاع غزّة بالحصول على شهادة مزاولة مهنة،
والسماح لهم بالعمل.
وفي هذا الإطار، قال وزير
اللاّجئين الفلسطينيّين السابق عاطف عدوان لـ"المونيتور": "إنّ هدف
القرار الأردنيّ بحقّ اللاجئين الفلسطينيين من أبناء قطاع غزّة في المملكة سياسيّ بحت
للضغط على قطاع غزّة، فلو كان إداريّاً أو فنيّاً لشمل كلّ الفلسطينيّين من أبناء غزّة
والضفّة، لكنّ القرار استمرار لسياسات أردنيّة سابقة ضدّ أهالي قطاع غزّة، بينها عدم
منح الغزيّين بطاقة عدم الممانعة لدخول الأردن في أيّار/مايو، وهذه خطوات أردنيّة تباعد
الشعبين الفلسطينيّ والأردنيّ، وتمعن بفرض الحصار على الغزيّين في الداخل والخارج".
شغل القرار الأردنيّ الرأي
العام الأردنيّ، وأثار النقاشات والمقالات لدى كتّاب الأعمدة اليوميّة في الصحف الأردنيّة،
إذ ذكر فهد الخيطان في صحيفة "الغدّ" بـ1 تشرين الثاني/نوفمبر، أنّ القرار
الأردنيّ حوّل حياة الغزيّين إلى جحيم وحكم على الآلاف منهم بالوقوع في دائرة الفقر
والعوز.
وقال ماهر أبو طير في صحيفة
"الدستور" بـ1 تشرين الثاني/نوفمبر أيضاً: إنّ القرار الأردنيّ يكشف عن سياسة
متشدّدة تجاه اللاجئين الفلسطينيين القادمين من قطاع غزّة.
ومن جهته، أشار عريب الرنتاوي
في صحيفة "الدستور" بـ5 تشرين الثاني/نوفمبر إلى أنّ القرار الأردنيّ يعبث
بأعصاب أبناء مخيم غزّة للاجئين في الأردن لأنّه سيلقي بآلاف منهم للشارع.
أمّا رئيس لجنة أبناء غزّة
المقيمين في الأردن عمر كلاّب فقال لـ"المونيتور": "إنّ مشكلة اللاجئين
الفلسطينيين من أبناء قطاع غزّة لا تكمن بقرار منع انخراطهم بمهنة التدريس فقط، لأنّ
القرار الأخير نتيجة وليس سبباً، فالسبب الأساسيّ هو القرار الأردنيّ الصادر في كانون
الثاني/يناير من عام 2016 بمساواة اللاجئين الفلسطينيّين القادمين من قطاع غزّة، والمقيمين
في الأردن منذ 1967، مع الوافدين الجدد إلى المملكة، بإلزامهم بالحصول على تراخيص عمل،
ممّل جعل 18 مهنة مغلقة أمامهم، أهمّها التعليم والمهن الصحيّة".
القرار الأردني يخص اللاجئين
الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة، والحاصلين على جواز سفر أردني مؤقت، وقد صمّموا
صفحة لهم على "فيسبوك"، نشروا فيها احتجاجاتهم على القرار الحكوميّ الأردنيّ،
واعتبروه استهدافاً لهم، وسردوا في الصفحة ما قالوا إنّها تظلّماتهم في الدولة الأردنيّة.
دعا عضو البرلمان الأردنيّ
يحيى السعود في 22 تشرين الأوّل/أكتوبر رئيس الوزراء هاني الملقي إلى منح أبناء قطاع
غزّة حقوقهم المدنيّة ووضع التسهيلات لهم في حقّ التملّك والاستثمار وحقّ التأمين.
مع العلم أن أبناء الضفة
الغربية يعيشون في الأردن ظروفاً أفضل بكثير مما يحياها أبناء قطاع غزة.
سلّط القرار الأردنيّ الضوء
على أبرز مشاكل مخيّمات اللاّجئين الفلسطينيّين في الأردن كتردّي أوضاع المساكن وضيق
مساحتها واكتظاظها واستخدام الأسر الفلسطينيّة المحتاجة الوسائل البدائيّة للتدفئة.
كما أنّ 11 في المئة من مساكن المخيّمات تالفة وغير صالحة للاستعمال نهائيّاً وآيلة
للسقوط، وحياة سكّانها في خطر.
ومن جهته، قال الكاتب السياسيّ
الأردنيّ ورئيس تحرير صحيفة "المستقبل العربيّ" الإلكترونيّة شاكر الجوهري
في حديث "للمونيتور": "إنّ القرار الأردنيّ خاطئ مئة في المئة، لكنّ
القرارات في الأردن بمعظمها تتّخذ بطريقة عشوائيّة من دون حساب نتائجها وآثارها السلبيّة.
ومن هذه الآثار المتوقّعة أنّ هناك جهات معادية، لم يسمّها، قد تستفيد من هذا القرار
وتدفع رواتب ومعاشات ماليّة لمن تمّ فصلهم من سلك التعليم وتستغلّهم للعبث بالأمن الأردنيّ".
أضاف: "هناك تيّار
قويّ في السلطات الأردنيّة يطالب باستيعاب اللاّجئين السوريّين في المملكة، ولو على
حساب الغزيّين، مع أنّ هؤلاء وصلوا إلى الأردن قبل خمسين عاماً تحت وقع الإحتلال الإسرائيليّ،
ولا إمكانيّة للعودة إلى أراضيهم، في حين أنّ السوريّين والعراقيّين وغيرهم لديهم الإمكانيّة
للعودة إلى بلادهم بمحض إرادتهم، متى ما قرّروا ذلك".
وأخيراً، مع تواصل الجهود
الشعبيّة والرسميّة في الأردن لإلغاء القرار بحقّ اللاجئين الفلسطينيّين القادمين من
قطاع غزّة، فلا يعلم أحد: هل ستتراجع المملكة عنه أم ستواصل العمل به، لكنّ القرار
يكشف عن معاناة متجدّدة للفلسطينيّين القادمين من قطاع غزّة في الأردن. ومع أنّهم قدّموا
الكثير لخدمة المملكة، لكنّهم اليوم قد يفقدون أمانهم الوظيفيّ، في ظل صمت رسمي أردني
عن أسباب القرار، ورفض الإدلاء بأي تصريح حول إمكانية العدول عن القرار.
المصدر: عدنان أبو عامر - المونيتور