الأونروا : بعد أربعة شهور
على النزاع، الصحة العقلية في غزة تعاني من أزمة

الثلاثاء، 05 آذار،
2013
في كل ليلة يقوم الطفل
محمد صالح الذي يبلغ الثالثة من العمر، بتغطية أذنيه بيديه الصغيرتين ويبدأ بالصراخ
حتى يصبح جسمه صلبا كلوح من الخشب. محمد نادرا ما يخلد للنوم، ويتبول في سريره باستمرار
ويعاني من صعوبة في التركيز. وهو يعيش في حالة من القلق الدائم لدرجة أصبح معها عدائيا
تجاه أفراد عائلته وأصدقائه، وفق ما أوردت "الأونروا" في تقرير لها على موقعها
الإلكتروني.
الطفل محمد واحد من ضحايا
الحرب التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية العام الماضي.
وفي هذا السياق، قالت
"الأونروا" في تقريرها ذاته، إنه من داخل أروقة المركز الصحي التابع للأونروا
في جباليا شمال قطاع غزة، ومن واقع الأرقام الأخيرة الباعثة على القلق، والتي أوردتها
دائرة الصحة في الأونروا عن الواقع الصحي هناك، توجد حالات تكشف عن قصص إنسانية أليمة
لتلك الإحصائيات.
واستشهد التقرير بالعروس
أميرة من مخيم جباليا للاجئين التي تبلغ الثلاثين من عمرها، ولم يمض على زواجها سوى
شهر واحد، حتى استشهد زوجها في العدوان على غزة.. بطن أميرة يعلن عن حملها، وهي تذهب
يوميا إلى قبر زوجها لتنتحب. وتعتقد أنه يسمعها؛ وتعيش على أمل أنه لا يزال على قيد
الحياة.
كذلك هناك قصة المرأة التي
ناضلت كثيرا لكي تنجب طفلين فقط لكي تفقدهما سويا في غارة واحدة خلال العدوان الذي
اندلع في تشرين الثاني الماضي، وذلك في الوقت الذي كانا يستلقيان فيه على السرير بجانب
زوجها الذي أصيب بجروح بليغة. ويقول معالجها النفسي إنها قد فقدت كل رغبة لديها في
الحياة.
القصص أعلاه ليست سوى حكايات
ثلاث تبين المعاناة الإنسانية الكامنة خلف الأرقام التي نشرتها دائرة الصحة في
"الأونروا" مؤخرا حول الصحة العقلية. وتبين الإحصائيات أن مستويات الصدمات
النفسية واضطرابات القلق اللاحق للصدمات في قطاع غزة قد تضاعفت بعد القتال الذي دار
في تشرين الثاني مقارنة بما كان عليه الحال قبل ذلك.
ومن بين المرضى الذين تقوم
الأونروا بمعالجهم من اضطراب القلق اللاحق للصدمة، 42% دون سن التاسعة من العمر. وفي
واحد من المراكز الصحية فقط، ارتفعت معدلات الإجهاض من حالة واحدة أو اثنتين أسبوعيا
قبل الحرب لتصل إلى خمس أو سبع حالات أسبوعيا بعد الحرب.
وتعد معالجة الصحة العقلية
واحدة من مجموعة الخدمات الصحية الأساسية التي تقدمها الأونروا لحوالي 1,2 مليون لاجئ
فلسطيني في غزة. ويتم تقديم خدمة المشورة في مجال الصحة العقلية في كافة المراكز الصحية
التي تديرها الأونروا في غزة والبالغ عددها 21 مركزا صحيا، ويتم تحويل العديد من الحالات
لفرق متخصصة من المستشارين من قبل العاملين في مجال الصحة العادية والذين يبلغ عددهم
أكثر من 1,200 شخص في غزة.
أكبر المراكز الصحية التي
تديرها الوكالة في غزة هو مركز جباليا الذي يعمل فيه 18 طبيبا إلى جانب 25 ممرضة.
وفي تقرير لها الشهر الماضي،
بينت الأرقام الجديدة التي أعلنت عنها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين
"الأونروا"، أن معدلات حوادث الصدمات النفسية والاضطرابات اللاحقة للصراع
في قطاع غزة ارتفعت بأكثر من 100% في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.
وقالت الأونروا، وهي أكبر
منظمة إنسانية تعمل على أرض الواقع في غزة، إن عدد الأشخاص في غزة والذين تقوم هي بمعالجتهم
من الصدمات النفسية أو من الاضطرابات اللاحقة للصراع، قد تضاعفت من تشرين الثاني إلى
كانون الأول. ومن بين أولئك الذين تتم معالجتهم، 42% منهم دون سن التاسعة.
وبينت أن هذه الإحصائيات
الأخيرة والتي تم جمعها من واقع سجلات منشآت الأونروا الصحية في القطاع الساحلي تدعم
نتائج أحدث مسح عن الأطفال في غزة والذي قام بإجرائه صندوق الأمم المتحدة للطفل
"اليونيسيف"، والذي خلص إلى أن هنالك ارتفاعا حادا في معدلات الاضطرابات
النفسية المتعلقة بالنزاعات.
وقال مدير برنامج الأونروا
الصحي أكيهيرو سيتا: تمثل هذه الأرقام ارتفاعا كبيرا في مشاكل الصحة العقلية. من واقع
خبرتي الشخصية، فإنه يمكنني القول إن هذا يعد دليلا على تفشي وباء الصدمات النفسية
والاضطرابات اللاحقة للنزاعات.
وأضاف سيتا تذكروا أن هذه
الإحصائيات لا تعكس أدلتنا القوية والتي تقترح أن هناك عددا هائلا من الحالات التي
لم يتم التبليغ عنها. في زيارتي الأولى لغزة بعد الحرب، ذهلت لعدد الأمهات والأطفال
الذين عانوا من الحجم الهائل والكبير لعمليات القصف واتساع مساحته، وأخبرتني كافة الأمهات
اللواتي التقيت بهن في مراكز الأونروا الصحية بأن أطفالهن يتصرفون بطريقة مختلفة خلال
وبعد الحرب. البعض منهم لا ينام جيدا، وبعضهم لا يأكل جيدا، وبعضهم لا يستطيع التكلم
بشكل جيد أيضا.
وفي أعقاب الحرب، أطلقت
اليونيسيف نتائج بحثها حول التقييم النفسي السريع للأطفال في غزة. وبين المسح أن هناك
زيادة في معدلات اضطرابات النوم لدى الأطفال بمعدل 91%، فيما تبين أن 84% من المستجيبين
للمسح يبدون مصدومين أو في حالة ذهول، كما وجد أن 85% منهم يعانون من تغيرات في الشهية.
وفي تقريرها الأخير المقدم
إلى الجمعية الصحية العالمية والذي تم نشره في أيار من العام الماضي، قدمت الأونروا
أدلة على حدوث زيادة في معدل الاضطرابات المتعلقة بالتوتر ومشاكل الصحة العقلية في
أوساط لاجئي فلسطين الذين تقوم على خدمتهم. واستجابة لهذه الاحتياجات الصحية المتزايدة،
اعتمدت الأونروا نموذجا جديدا للرعاية الصحية يدعى صحة العائلة تحصل بموجبه العائلات
اللاجئة الفلسطينية على الرعاية الصحية باعتبارها وحدة واحدة.
وقال الناطق الرسمي للأونروا
كريس غانيس، إن الوكالة تقوم بزيادة معدل الإرشاد النفسي الذي توفره في المدارس ومن
خلال الزيارات المنزلية استجابة لهذا الارتفاع الحاد في حالات الصدمات النفسية والاضطرابات
اللاحقة للصراع، وذلك في الوقت الذي تناشد فيه من أجل الحصول على أموال أكثر لتلبية
الطلب المتزايد على عمل الأونروا في مجال الصحة العقلية.
وأضاف: برنامجنا المجتمعي
للصحة العقلية في غزة يكلف حوالي 3 ملايين دولار سنويا، ومن أجل تلبية الطلب المتزايد
على الرعاية الصحية، فإننا بحاجة ماسة إلى المزيد من المال من المانحين التقليديين.
المصدر: وكالات