السرسك ثلاثة أعوام من المعاناة تكللت بالانتصار
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
الأسير المحرر محمود السرسك والبالغ من العمر (25 عامًا) ينتمي لأسرة تتكون من 14 فردًا (والده 70 عامًا، ووالدته 60 عامًا، وسبعة أخوة وخمس أخوات)، التحق محمود بنادي رفح الرياضي للأشبال عندما كان يبلغ من العمر ثماني سنوات، فهو سليل عائلة رياضية.
ومنذ سن مبكر ظهر حبه لكرة القدم وشغفه لممارساتها، و تقديرًا لموهبته وتميزه وقع الاختيار عليه للعب في صفوف منتخب فلسطين الوطني لكرة القدم، وهو لم يتجاوز سن الرابعة عشر من العمر، ليكون أصغر لاعب في صفوف المنتخب الوطني.
ومثل الأسير المحرر محمود السرسك فلسطين في لعبة كرة القدم ضمن المنتخب الفلسطيني في أكثر من دولة عربية وأجنبية ومنها مصر، وقطر، والعراق، والنرويج، وتركيا.
الاعتقال
اعتقلت قوات الاحتلال محمود السرسك بتاريخ (22-7-2009)، بعدما أوقفته على حاجز بيت حانون "أيرز العسكري"، بينما كان في طريقه للالتحاق بنادي شباب بلاطة الرياضي في الضفة الغربية للاحتراف في صفوفه، كلاعب كرة قدم وذلك على الرغم من حصوله على تصريح مرور من قوات الاحتلال لدخول الضفة الغربية المحتلة.
وفور اعتقاله، نقل المعتقل محمود إلى مركز تحقيق عسقلان (المعروف بقسوة أساليبه ووحشية محققيه)، واستمر التحقيق معه لمدة 30 يومًا متتالية، خضع خلالها لجولات تحقيق تركزت حول انتمائه لحركة الجهاد الإسلامي دون أن تقرن هذه الاتهامات بأية دلائل، ولم يقر المعتقل بتلك التهم.
وعلى أثر ذلك، لجأ جهاز مخابرات الاحتلال بتاريخ (23-8-2009)، إلى إصدار أمر اعتقال بموجب قانون "المقاتل غير الشرعي" الذي يعد شكلاً من أشكال الاعتقالات الإدارية التي تجيز اعتقال الشخص دون تهمة أو محاكمة ودون تحديد مدة الاعتقال بأمر صادر عن جهة تنفيذية لا تتمتع بأي صفة قضائية.
الإضراب الأطول
وخاض الأسير المحرر محمود السرسك إضرابًا مفتوحًا عن الطعام منذ (19-3-2012)، احتجاجًا على استمرار احتجازه دون تهمة أو محاكمة، وكانت مصلحة السجون الصهيونية عمدت إلى معاقبته بنقله من سجن النقب الصحراوي بتاريخ (8-4-2012)، إلى العزل الانفرادي في سجن "ايشيل" في سجن بئر السبع.
ومنذ تاريخ (16-4-2012)، قبع السرسك في عيادة سجن الرملة جراء تردي وضعه الصحي، وعلى الرغم من ذلك ترفض إدارة السجن الاستجابة لمطالبات الجهات القانونية والحقوقية بنقله إلى مستشفى مدني لضمان سلامته.
وواصل المحرر السرسك إضرابه المفتوح عن الطعام لليوم الـ 96 على التوالي، رفضًا لاعتقاله بموجب هذا القانون الجائر، والذي يمس شرعية النضال الفلسطيني، ليسجل بذلك أطول إضراب في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية في سجون الاحتلال، مطالبًا بالإفراج عنه في تاريخ (1-7-2012)، وليس في تاريخ (22-8-2012).
الضغط والتعذيب
مارست مصلحة سجون الاحتلال وجهاز المخابرات التابع لقوات الاحتلال أقسى درجات الضغط على محمود السرسك، بغرض كسر إرادته ووقف إضرابه مقابل وعود شفوية بإطلاق سراحه في تاريخ (1-7-2012)، غير أنه بموقفه المطالب بتسليمه وثيقة رسمية موقعة تفيد بتعهد والتزام الجهات الصهيونية بإطلاق سراحه في تاريخ (1-7) وهو ما لم يتحقق إلى راهن اللحظة.
وكان المحرر السرسك قد رفض عرضًا من الاحتلال يقضي بنفيه إلى النرويج تحت مسمى رحلة علاج لمدة ثلاثة شهور، يسمح له بعدها بالعودة، واعتبره محمود تكريسًا لسياسة النفي، مطالبًا بأن يتم الإفراج عنه فورًا إلى مسقط رأسه في قطاع غزة.
حرمان من الزيارة
منذ اعتقاله لم يسمح لعائلته بزيارته، ولم يسمح له بإجراء أي اتصال هاتفي معها، على الرغم من مطالبته المتكررة خاصة في ظل الظروف الصعبة التي مرت بها العائلة، عند مرض والده الذي يعاني من مرض القلب وخضع لعملية جراحية.علاوة على حرمانه من حقه في الزيارات العائلية، رفضت مصلحة السجون السماح لمندوبي الصليب الأحمر الدولي بإدخال طرود الملابس والكتب من عائلته.
صحته خلال الإضراب
أبلغ محمود السرسك محامية "الضمير" التي تمكنت من زيارته بتاريخ 31 أيار (مايو) 2012، أنه يعاني من الإغماء بمعدل ست مرات يوميًّا، ويعاني من ضعف شديد في عضلة القلب ومشاكل معوية وضعف الدم، وعلى الرغم من خطورة وضعه الصحي ومطالبة المؤسسات الحقوقية الدولية والمحلية بضرورة نقله لمستشفى مدني لتلقي العلاج والرعاية الطبية، أصرت مصلحة سجون الاحتلال على احتجازه في عيادة سجن الرملة التي تفتقر للمعدات الطبية اللازمة، وحيث يقترف أطباء الطاقم الطبي خروقات جسيمة لقواعد المهنة الطبية التي حددها ميثاق طوكيو بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
وقفات تضامنية
وشهد قطاع غزة والضفة المحتلة وعواصم عربية ودولية وقفات تضامنية عديدة ويومية مع الأسير الرياضي محمود السرسك، ومنها مبادرة بعض النشطاء للعب كرة القدم لمدة خمس ساعات في وسط العاصمة البريطانية، تضامنًا معه وللمطالبة بالإفراج عنه، وكذلك قيام نشطاء فرنسيين بتنظيم وقفة تضامنية معه داخل مقر الاتحاد الوطني لكرة القدم في فرنسا، فيما خرج المئات في العاصمة النرويجية أوسلو للمطالبة بإطلاق سراحه.
انتصار الإرادة
وبعد ثلاثة أعوام من المعاناة أفرجت سلطات الاحتلال أمس الثلاثاء (10-7) عن الأسير محمود السرسك، ووصل في سيارة إسعاف فلسطينية إلى الجانب الفلسطيني من حاجز بيت حانون شمال قطاع غزّة؛ حيث كان مئات الفلسطينيين وفيهم والداه في الاستقبال الشعبي.
وفور وصوله قال السرسك: "لا أستطيع أن أعبّر عن سعادتي باستعادة حريتي ولا أستطيع في الوقت نفسه نسيان صرخات الأسرى الذين لا زالوا في السجون "الإسرائيلية"، هذا انتصار للأسرى، وأشكر كل الجهات الفلسطينية والعربية والدولية وكل الناس الذين وقفوا معي".