القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تدمير غزة مضمون أما إعمارها فلا

تدمير غزة مضمون أما إعمارها فلا

استعدّ الفلسطينيون لمؤتمر المانحين لإعادة إعمار غزة في القاهرة الذي عقد أمس بخطوتين مهمتين، الأولى هي اجتماع حكومة التوافق برئاسة رامي الحمد الله، وحضور قادة حماس وعلى رأسهم المسؤول في حركة «حماس» إسماعيل هنية، والثانية هي توزيع بعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة المشروع الفلسطيني لإنهاء الاحتلال.

فالخطوة الأولى منعت، ولو نظرياً، ظهور الفلسطينيين، وممثلتيهما الكبريين: منظمة التحرير الفلسطينية، من جهة، وحركة «حماس» (إضافة الى حركة الجهاد الإسلامي)، في حالة إنقسام تمنع المجتمع الدولي من التعامل معهما كشعب واحد تحت قيادة متوافقة، والخطوة الثانية دفعت باتجاه المانع الأساسي لوحدة الشعبين وتحوّل كيانهما السياسي إلى دولة، وهو الاحتلال الإسرائيلي، والتأسيس للدولة الفلسطينية.

وجود موفدين من خمسين بلداً في مؤتمر المانحين، بينهم وزراء خارجية حوالى ثلاثين دولة، إضافة الى الأمين العام للأمم المتحدة وممثلي هيئات اغاثية ومنظمات دولية وسياسية يفترض أن يدلّ على إدراك عالمي لخطورة الإنسداد المزمن للأفق الفلسطيني، غير أن انعقاد ثلاثة مؤتمرات خلال ست سنوات دمّر فيها العدوان الإسرائيلي البنى التحتية لقطاع غزة المرة تلو المرة لا يترك أملاً كبيراً للفلسطينيين بعدم تكرار هذا العدوان من جديد.

عشرات السنين من التعامل اليوميّ مع الإجرام الإسرائيلي والتعامي الدولي عن هذا الاجرام، جعل الفلسطينيين يحسون أن «الاهتمام» العالميّ ليس إلا شكلاً من أشكال الفضيحة التي تداري واقع المقتلة التي تديرها إسرائيل كل بضع سنين ضد اللحم الحيّ للكينونة الفلسطينية والإبادة المنهجية المبرمجة ضد هذا الشعب.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر عن هذه الفكرة بالقول: «لم يعد مقبولا أن نعيش تكرار النكبات والمآسي والحروب وطلب إعادة الإعمار كل عامين»، واقترح رداً على ذلك إيجاد مقاربة دولية جديدة لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تنهي الاحتلال وتفضي الى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، كما أشار إسماعيل هنية أيضاً الى تطلع الفلسطينيين لأن يكون المؤتمر المنعقد في القاهرة مختلفا عن سابقه مشيراً إلى أن الأموال التي رصدت خلال المؤتمرين السابقين لإعمار غزة (بعد حربي 2008 و 2011) لم يصل أي شيء منها الى القطاع.

هذه الفكرة لم تفت أيضاً وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي قال خلال خطابه في المؤتمر إنه لا يعتقد «ان اي شخص في هذه القاعة يريد أن يعود بعد عامين او أقل الى المائدة نفسها للحديث عن اعادة اعمار غزة» بسبب التقاعس عن «التعامل مع القضايا الاساسية» التي تؤدي الى تكرار النزاع.

الفلسطينيون الذين ملّوا من البلاغة الفارغة لأوباما ووزير خارجيته انتبهوا أكثر الى تصريحات وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان الذي بعد أن قام جهاز دولته القاتل بإبادة أكثر من 2100 فلسطيني وتدمير عشرات آلاف الوحدات السكنية والتعليمية والصحية وجعل حوالى مئة ألف فلسطيني بلا مأوى يريد أن تشارك إسرائيل في «إعادة إعمار» غزة هي أيضاً قائلاً إنه «لا يمكن إعادة إعمار غزة دون تعاون ومشاركة إسرائيل»!

يدرك الفلسطينيون، وخصوصا أهالي قطاع غزة بالتأكيد أن المجتمع الدولي قام بحصرهم ضمن كماشتي إسرائيل (العدوة) ومصر (الشقيقة الكبرى)، وأنه حتى رواتب موظفيهم لا يمكن أن تصرف دون المرور بتل أبيب، وهو أمر واقع لا يمكنهم، في موازين القوى العالمية والإقليمية الراهنة، تغييره، ولكنّ إدراكهم هذا هو في جذر إصرارهم المذهل على المقاومة، الذي يذكر العالم يوميّاً أن محاولات إسرائيل شطب شعب بهذه الإرادة هو تذكير لها بأنها موجودة بقوة البطش وحده، وهي حقيقة تكفي وحدها لإقناع الإسرائيليين، حين ينظرون إلى المرآة، بأنهم، اذا لم يحاولوا القيام بتسوية تاريخية مع الفلسطينيين، فسيبقون طارئين على المنطقة، كما كانوا دائماً.

الطريف، على هامش هذه المأساة الكبرى، عقد لقاء بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتدارس كيفية مواجهة وباء الإيبولا، وهي لفتة من الطبيعة البشرية تؤكد ما قلناه آنفا.

المصدر: القدس العربي