تقرير: الفلسطينيون يعانون من انكماش
الاقتصاد وتراجع المساعدات وهدم الأنفاق
رام الله (الضفة الغربية) رويترز: أصيبت شرايين
الاقتصاد في قطاع غزة بالانسداد مع قيام مصر بهدم انفاق التهريب على امتداد حدودها
مع القطاع الذي تديره حركة حماس. في الوقت نفسه تغرق القرى القديمة في الضفة
الغربية المحتلة في الفقر ويدير المستثمرون والمانحون ظهورهم لمنطقة صراع لا تلوح
له أي نهاية في الأفق.
وقد ينكمش الاقتصاد الفلسطيني هذا العام جراء
الاوضاع في قطاع غزة والركود في الضفة الغربية، بعد ان وصل متوسط النمو السنوي إلى
حوالي 9 في المئة في الفترة بين عامي 2008 و2011.
وبددت حالة الركود الاعتقاد الذي ساد طويلا بين
أنصار اليمين الإسرائيلي بأن ازدهار وضع الفلسطينيين قد يحقق ‘سلاما اقتصاديا’ على
ارض الواقع ويوفر بديلا ملائما لاتفاق شامل يتعلق باقامة دولتين.
وقال جواد ناجي وزير الاقتصاد الفلسطيني لرويترز
‘ستبقى الجهود التي تبذل لتحقيق التنمية قاصرة اذا لم يحدث تغيير في السياسية
الإسرائيلية تجاه تمكين الفلسطينيين من الوصول الى مواردهم الطبيعية.’ وأضاف ‘نحن
طالبنا ونطالب المجتمع الدولي بكل مكوناته الضغط على اسرائيل لرفع القيود عن هذه
الموارد وتمكين الشعب الفلسطيني من استخدامها وكذلك رفع القيود الاخرى المفروضة
على حركة الاشخاص والسلع والسيطرة على المعابر. كل هذه المعوقات تحد من قدرة
الفلسطينيين على تحقيق التنمية.’
وتخشى إسرائيل من ان يتسبب اي انكماش اقتصادي في
اثارة اعمال عنف بالضفة الغربية اذ سيشعر الفلسطينيون بأنه لن يكون لديهم ما
يخسرونه في حالة قيامهم بانتفاضة اخرى ضد الاحتلال.
وانكمش الاقتصاد في الضفة الغربية التي تحتلها
إسرائيل للمرة الاولى منذ عشر سنوات في النصف الأول من العام الحالي وفقا لتقرير
اصدره البنك الدولي هذا الشهر انتقد في اغلبه القيود التي تفرضها إسرائيل على
تنقلات الفلسطينيين وعلى استخدام الموارد.
وجاء انكماش الاقتصاد بنسبة 0.1 في المئة في
الوقت الذي تراجعت فيه مساعدات المانحين الاجانب لاقتصاد الضفة الغربية إلى أكثر
من النصف في عام 2012.
ويبدو تأثير التراجع الاقتصادي واضحا حتى في رام
الله العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية والتي تشعر انها بمنأى عن المناطق الاكثر
فقرا.
وقال أحمد خضور صاحب مطعم شيكاغو وسط مدينة رام
الله لرويترز ‘فتحت المطعم منذ ثماني سنوات كان لدي خمسة عمال واحيانا ستة اليوم
لدي ثلاثة واذا ظل الوضع هكذا ممكن يصيروا اثنين هذه اصعب سنة بتمر علينا في اشهر
يا دوب انطلع المصاريف.’
وشهد اقتصاد غزة مرونة في النصف الاول من العام
بفضل تغذية قطاع البناء بالاسمنت القادم من الانفاق مما عوض جزئيا المشكلات
الاقتصادية في الضفة الغربية. ولكن الجيش المصري هدم نحو 90 في المئة من الانفاق
التي تستخدمها حركة حماس للحصول على ما بين 40 إلى 70 في المئة من ايراداتها. وجاء
هدم الانفاق بعد ان عزل الجيش المصري الرئيس محمد مرسي صديق حماس في تموز/يوليو.
ووصلت نسبة البطالة في غزة والضفة الغربية إلى
نحو 22 في المئة في حزيران/يونيو عام 2013 حيث مثلت الصادرات نسبة 7 في المئة فقط
من اجمالي الاقتصاد طبقا لاحصائيات البنك الدولي.
وقال ايغال بالمور المتحدث باسم وزارة الخارجية
الإسرائيلية لرويترز ان حدوث ركود في اجمالي الناتج المحلي الفلسطيني امر طبيعي
بعد فترة من النمو الواضح، ودافع عن استمرار القيود الإسرائيلية التي تقول هيئات
مثل البنك الدولي انها تخنق اي افاق للنهوض.
ويتزايد بشكل كبير اعتماد السلطة الفلسطينية
المدعومة من الغرب على المساعدات الخارجية، نظرا لان إسرائيل تسيطر على اكثر من 60
في المئة من اراضي الضفة الغربية بما في ذلك الاراضي الاكثر خصوبة. ووصلت
المساعدات الاجمالية الخارجية للسلطة الفلسطينية إلى 932 مليون دولار في عام 2012
طبقا لبيانات السلطة اي ما يقل عن ثلث جميع الايرادات وانخفاضا عن نحو 1.8 مليار
دولار في عام 2008.
وقال محمد مصطفى نائب رئيس الوزراء للشؤون
الاقتصادية رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني ان المانحين الاجانب يتوخون الحذر بشكل
متزايد من دعم اقتصادهم بدون رؤية ‘أفق سياسي’ لإنهاء الصراع.
وأضاف في مقابلة مع رويترز ‘إنهم يصابون ببعض
الاحباط بسبب العملية السياسية.. يقولون.. انظروا.. نحن لا نقدم الدعم لمواصلة
الاحتلال ولكن لدعم إقامة دولة فلسطينية.’ ويرى مصطفى الذي تلقى تعليمه في الغرب
وكان يتحدث في مكتبه برام الله أن محادثات السلام حاسمة بالنسبة للاقتصاد.
ويتخيل مصطفى ‘استراتيجية للخروج’ من المساعدات
من خلال خطة استثمار وتنمية بقيمة أربعة مليارات دولار أو ‘مبادرة اقتصادية لصالح
فلسطين’ طرحها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري هذا العام ووضع مسودتها رباعي
الوساطة للسلام في الشرق الاوسط الذي يضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد
الاوروبي والامم المتحدة.
ويطرح التقرير الذي وضعه رباعي الوساطة من مئات
الصفحات تفاصيل تتعلق بالاستثمار وتوقعات الإصلاح في ثمانية قطاعات من السياحة إلى
الزراعة.
وفي مشهد طبيعي بالضفة الغربية تزينه أشجار
الزيتون يصنع المليونير الفلسطيني رجل الأعمال بشار المصري استثمارا نادرا وقصة
نمو ناجحة.
وتشيد أحياء كاملة من المساكن ذات السعر المعقول
لنحو 25 الف شخص ومساجد ومدارس ومتنزهات ضمن أول مدينة فلسطينية مخططة وهو مشروع
بقيمة 300 مليون دولار أمريكي باستثمار قطري. لكن الحلم لم يصبح بعد حقيقة واقعة.
فلم تعط إسرائيل الموافقة النهائية على الطريق
المؤدي إلى المدينة الجديدة التي أطلق عليها اسم روابي. ويشكو المصري أيضا من أنه
لم يتم تأمين الحصول على المياه حتى الآن وقال إن امدادات المياه التي خصصتها
إسرائيل لمستوطنة عطيرت اليهودية القريبة وحدها ستكون أكثر من كافية لكلتا
البلدتين.
وأضاف المصري لرويترز انهم واجهوا وما زالوا
يواجهون العديد من المشاكل بسبب الاحتلال الإسرائيلي. واضاف قائلا إن هذه هي طبيعة
الاحتلال وان ذلك متوقع.
القدس العربي، لندن،
28/10/2013