حادث بلعا.. والموت بحثاً عن حياة كريمة
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام
ما زالت بلدة جبع جنوب مدينة جنين تعيش على وقع الصدمة إثر الفاجعة التي ألمت بها بفقدانها ثمانية من أبنائها، في حادث السير المؤلم الذي وقع على مفرق بلعا قضاء طولكرم وأودى بحياة 11 مواطنًا.
ووسط بكاء الزوجات والأمهات برزت قصص إنسانية محزنة لعمال كانوا يسعون إلى رزقهم بعد أن ضاقت بهم الأوضاع بالضفة الغربية، فلم يعودوا قادرين على تدبر قوت يومهم.
يقول المواطن محمد ملايشة من بلدة جبع إن جميع ضحايا البلدة من العمال البسطاء الذين تقطعت بهم السبل بالضفة الغربية فلم يكن أمامهم سوى العمل في الأراضي المحتلة عام 48 ليعيلوا أسرهم، حيث اعتادوا على الذهاب للعمل معًا، والعودة معًا من خلال حاجز الطيبة شمال طولكرم.
وأضاف: خلف كل فقيد منهم حكاية من البؤس تعكس الواقع الصعب للعمال الفلسطينيين داخل أراضي 48 والذين يعانون الأمرَّين ولا يكترث لمعاناتهم أحد.
وعلى أصوات القرآن الكريم والدعاء بالصبر تداوي بلدة جبع جراحها، حيث أن المصاب أتى على جميع عائلات القرية، فجميع قتلى الحادث مواطنون بسطاء متزوجون ولهم عائلات وأطفال صغار يعيلونهم.
حكايات أليمة
قصص كثيرة ومؤثرة ترك الضحايا خلفهم؛ وتروي زوجة الفقيد محمد فايز كنعان "38 عاما" كيف أقنعت زوجها بالذهاب للعمل في ذلك اليوم وبقيت هي عند مولودها الجديد ربيع في المستشفى الحكومي بجنين حيث كان يعاني من وضع صحي خطر عقب ولادته قبل أربعة أيام.
وأضافت: حين ذهبت للمستشفى صبيحة أمس أخبرها الأطباء أن طفلها قد تعافى، فلم تشأ أن تخبر زوجها لتجعلها له مفاجأة وعممت على أطفالها ألا يتصلوا به، فكان المصاب الأليم وانقلبت فرحة العائلة بشفاء ربيع إلى أتراح وجراح لن تندمل.
حكاية عائلة كنعان مثال لحال باقي العائلات الثكلى؛ فعائلة الفقيد منير يوسف أبو عون " 32 عامًا" لم تفرح بحصوله على تصريح للعمل في أراضي الـ 48 سوى لثلاثة أيام فقط بعد أن كان ممنوعا لخمس سنوات من قبل سلطات الاحتلال.
وتشير زوجته إلى أن العائلة كانت تستعد للانتقال إلى بيتها الجديد، واستبشرت خيرًا بحصول زوجها على تصريح عمل ليسدد باقي الديون، ولكن الفاجعة كانت أنها ستعيش وحيدة مع بناتها الثلاث من الآن فصاعدًا.
وكذلك الفقيد فتحي خليلية والذي تزوج قبل أقل من عام، حيث ترك طفلة في الشهر الخامس من عمرها وأمها الثكلى بمقتبل العمر وهي لا تصدق ما جرى.
ويتكرر المشهد لدى زوجة الفقيد جال كامل فشافشة " 47 عامًا" وأبناؤها الأربعة، وهي التي حضرت الحلويات لتكون مائدة الإفطار كما أراد الزوج ولكن الأقدار شاءت شيئًا آخرًا، تمامًا مثلما لم يحتمل والد الفقيد أشرف فتحي فشافشة "30 عامًا" والذي أقعده المرض خبر وفاة ابنه الشاب اليافع في الحادث دون مقدمات. أما أطفال الفقيد فارس عرسان حمامرة " 38 عامًا" فالتفوا حول جثمانه والبراءة في عيونهم وكذا كل الضحايا وبواكيهم.
عمال الأراضي المحتلة
ويشير الناشط النقابي عبد الحكيم ناصر إلى أن هذه الحادثة تسلط الضوء على الواقع البائس لعمال الضفة الذين يضطرون للعمل في أراضي ال48 ، وحين يتعرضون لحوادث يتبين أنهم بلا حقوق ولا تأمينات لا من قبل مشغليهم ولا من قبل مؤسسات السلطة حيث تترك العائلات لمصيرها.
وطالب برؤية وطنية موحدة للعمل على ضمان الحد الأدنى من الحقوق لهؤلاء العمال الذين يتعرضون لمخاطر في التنقل وعمليات نصب من قبل مشغليهم واعتداء الجنود عليهم على المعابر وإذلالهم.