القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 12 كانون الثاني 2025

"حماس" و"فتح".. ربيع فلسطيني حذر

"حماس" و"فتح".. ربيع فلسطيني حذر

الجمعة، 17 شباط، 2012

بعد ما يقارب خمس سنوات من الانقسام الفلسطيني، أسهم "الربيع العربي" بقوة في تحقيق اختراق كبير في الواقع المأسوي. "حماس" و"فتح" أنهيا الانقسام - أقله على الورق- في نهاية شهر نيسان الماضي، ووقعا وسط فرحة غامرة اتفاقاً في القاهرة.

مر على الاتفاق نحو عشرة شهور، تقارب فيها الطرفان، لكنهما عجزا عن الاتفاق على اسم رئيس الحكومة الانتقالية التي ستشرف على الانتخابات التشريعية والرئاسية. انشغل الرأي العام العربي بجديد الثورات يومياً، لا سيما "الثورة الشاملة في سوريا"، حتى نسي اتفاق القاهرة نفسه، فإذا به يفاجأ باختراق جديد للمراوحة، تمثل بموافقة "حماس" على محمود عباس رئيساً لـ"حكومة التوافق الوطني على أن تكون مكونة من كفاءات مهنية مستقلة"، باتفاق جرى في الدوحة هذه المرة (6/2/2012).

أصابت الدهشة جماهير "حماس" و"فتح" على السواء. الجمهور الحمساوي لم يهضم الاتفاق. في الواقع فقد تعرّض هذا الجمهور لموجات متتالية من الدعاية التي تُشيطن عباس من قبل الأطر السياسية والإعلامية في الحركة، بما جعل هذا الجمهور يتساءل: كيف تقبل قيادتنا بهذا الرجل رئيساً للحكومة؟! الجمهور الفتحاوي أصيب بالدهشة أيضاً، لكن دهشة هذا الجمهور امتزجت بالنشوة، ولسان حالهم يقول: "بعد كل ما فعلوا وقالوا عنه، أدركوا حاجتهم إليه، وها هم يتوافقون عليه رئيساً للحكومة".

رغم صدمة هؤلاء ونشوة هؤلاء؛ قلة قليلة من الجمهور الفلسطيني في لبنان رفضت الاتفاق. في تحليل موقف هذه القلة يظهر أن أكثرهم متأثر بارتباط قيادته بالنظام السوري، غير أن ذلك لا يعني أن الفلسطينيين في لبنان قد احتفلوا أو ابتهجوا باتفاق الدوحة مثلما فعلوا عند توقيع اتفاق القاهرة، فالترقب جمّد ذلك كله.

في "حماس" ظهرت تباينات واضحة حول الاتفاق، سيما أن ما اتفق عليه خالد مشعل ومحمود عباس، بحضور أمير قطر، لم يجرِ عرضه على المؤسسات الشورية في الحركة، كما أعلن المعترضون على الملأ. اعتُبر الاتفاق في غزة مجرد إعلان نوايا، لا بد من عرضها على مؤسسات الحركة لإقراره، مع ميل واضح إلى الرفض. الدائرة القانونية في المجلس التشريعي، الذي تشغل "حماس" غالبية فيه، أصدر مذكرة تقول بعدم قانونية تولي عباس رئاسة الوزراء، لأنه "لا يجوز الجمع بين هذا المنصب ومنصب رئيس السلطة"، ولأن ذلك "ينسف النظام الأساسي كله". وزراء في حكومة غزة صرحوا بوضوح: "الاتفاق غير قانوني"... لكن القيادة في الخارج أصرت على الاتفاق باعتباره حلاً مناسباً للسير قدماً في المصالحة الفلسطينية، وسط تغيرات كبيرة في المشهد العربي... وإزاء هذا التباين رأت "فتح" أن "حماس" تحتاج إلى وقت لـ"تدبر أمرها"، فيما ذهب بعض "سيئي النية" في "فتح" إلى أن "ما يجري مسرحية"، في حين أصدرت الحركة بياناً رسمياً طالبت فيه "حماس" بـ"نبذ خلافاتها الداخلية وإعلان موقف موحّد من إعلان الدوحة" (14/2/2012)، وقد رد القيادي في "حماس" إسماعيل رضوان بالقول: "حماس موحّدة في مواقفها، وملتزمة بإعلان الدوحة، فليؤلف الرئيس الفلسطيني محمود عباس حكومة توافق، وفق ما جاء في اتفاقي القاهرة والدوحة".

في الواقع؛ فقد طرح اتفاق الدوحة أسئلة كثيرة وعميقة، بما لم يستطع الشارع الفلسطيني أن يتوصل إلى إجابات حاسمة له؛ فالمصالحة حاجة للجميع، وهي تشبه الدخول إلى عملية جراحية فيها الشفاء من التدهور المستمر في الوضع العام، غير أن تفاصيل الجراحة مؤلم ومثير للجدل عند حدوثه!. هذا التشبيه يفسر لماذا لم يحتفل الشارع الفلسطيني باتفاق الدوحة، مع ترحيب غالبيته به، فالكل يتحدث عن التنفيذ الصادق ويخشى أن يكون الشريك الآخر في المصالحة سيئ النية!.

في البيوتات الفلسطينية في المخيمات وخارجها - في لبنان - يعلو النقاش؛ هل ما جرى قانوني؟ يرد الآخر: "قد يكون غير قانوني، لكن الفريقين شرعيان وممثلان، والمصلحة الفلسطينية أهم من المواد القانونية". يسأل فتحاوي: لماذا وافقت "حماس" على محمود عباس خصمها اللدود؟ يجيبه فتحاوي آخر: "وهل يقبل المجتمع الدولي برئيس حكومة من حماس. أصلاً هل يثق المجتمع الدولي بغير عباس. إن لم يقبلوا فلا مصالحة يقبلها العالم وسيبقى الحصار مفروضاً على غزة!".

في بيوت حمساوية صرفة يسود نقاش عن "التنازل المجاني" و"المخاطر على كتائب القسام" و"التنسيق الأمني مع العدو" و"التغييرات في موظفي الدولة في غزة". يدافع المتحمسون للاتفاق: "القبول بعباس لا يعني التسليم بسياسته، والحكومة التي سيرأسها ستكون مؤقتة وهدفها إجراء الانتخابات، وإذا فزنا في الانتخابات نكون قد كسبنا الأمرين معاً: الانتخابات وإنهاء الانقسام". يضيفون: "في ظل المتغيرات والربيع العربي سيكون من الصعب رفض نتائج الانتخابات هذه المرة، في حين أن الجمود الحالي في المصالحة يعني أن يبقى الحال على حاله، والحركة باتت متعبة من الحمل الثقيل في غزة... علينا أن ننتبه لما يجري في الضفة والقدس من تهويد غير مسبوق أيضاً، وفي كل الأحوال فعباس لن يستطيع المس ببنيتنا العسكرية... وكتائبنا جاهزة!".

بعيداً عن محازبي الفريقين يوجد ترحيب في الشارع: "سئمنا من الانقسام ونريد الخلاص، ولا يهمنا من يرأس الحكومة، المهم أن نرتاح وتتحسن أوضاعنا وتصبح لنا مرجعية موحدة في لبنان، ويكف الآخرون عن اللعب بنا... وفي كل الأحوال العبرة بالتنفيذ".

هذه النقاشات على تنوعها وحدتها أحياناً تؤشر إلى أن القضية الفلسطينية دخلت مرحلة المصالحة، وأن هذا المسار هو ما تريده الأغلبية بالضبط. قد تقع خلافات بين الفريقين، أو حتى بين الفريق الواحد... لكن ذلك كله يبقى في إطار المصالحة، لأن المرحلة لا تحتمل إلا الدخول في مخاض المصالحة!

المصدر: فادي شامية- المستقبل