القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

حماس ومصر.. علاقة الضرورة والأمر الواقع

حماس ومصر.. علاقة الضرورة والأمر الواقع

لطالما كانت مصر الحاضن الأول والأهم للقضية الفلسطينية من لحظة ولادتها، ربما هي الجغرافيا في المقام الأول، ثم الرابط الديني القوي، فالعمق الاستراتيجي المهم جداً لفلسطين وخاصة قطاع غزة المتاخم للحدود المصرية. فمصر خزان ذو إمكانيات بشرية ومادية هائلة، وكانت على رأس الجيوش العربية في حروبها ضدّ (إسرائيل)، ورعت إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، ورأى الفلسطينيون بمصر ضرورة قومية لا غنى عنها.

لكن منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني عام 1978، تراجع الدور المصري الداعم للمقاومة والتحرّر لمصلحة خط السلام والتسوية، وتبنّت مصر الرسمية رؤى الخط الموازي للمقاومة واحتضنته وضيّقت على الفصائل التي رفضت السلام والتسوية، وساهمت في كثير من المراحل بإحكام الحصار والخناق، سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً، على الذين تبنّوا المقاومة، وخاصة الفلسطينيين في قطاع غزة.

وجاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، لتعلن عن انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبروزها لاعباً قوياً فاعلاً في الساحة الفلسطينية. فنظر النظام المصري لها بعين الريبة باعتبارها تنظيماً منبثقاً من جماعة الإخوان المسلمين، التي لطالما رأى فيها النظام الحاكم الخطر الأكبر عليه، وأنها الوريث الوحيد للسلطة في حال سقوطه، واعتبرها تنظيماً إرهابياً، وغيّب قادتها في مجاهل السجون. فشهد مؤشر العلاقة بين حماس والنظام المصري صعوداً وهبوطاً عبر مراحل تاريخه، تميّز بالفتور أحياناً، وتبادل الاتهامات أحياناً أخرى، حيث اتهمت مصر الرسمية حماس باقتحام السجون خلال ثورة يناير 2011، وبالقيام بتفجيرات تخريبية، لكنه لم يصل إلى ما وصل إليه في عهد الرئيس السيسي الذي اتهم الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب القسام) بالإرهاب، في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم العربي والإسلامي. وهو ما فسّره المراقبون والمحلّلون على أنه تغطية لفساد السلطة المصرية في الداخل، وطلباً لرضى أمريكا والغرب.

وهنا أبرز محطات العلاقة بين حماس ومصر:

في نيسان/أبريل عام 1996، استضافت مصر مؤتمر شرم الشيخ، بعدما انتقمت حركة حماس لاغتيال الشهيد المهندس يحيى عياش بسلسلة عمليات العهدة العشرية، وساهمت مصر بشكل قوي إلى جانب السلطة الفلسطينية بمحاربة حماس ومؤسساتها وعناصرها ومحاولة تشويه صورتها.

وبعد انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى)، وبروز حماس كقوة لا يستهان بها، وظهور عجز السلطة عن كبح جماحها، عاد الدور المصري للبروز والضغط على الحركة خاصة منذ نهاية عام 2002، لرعاية مباحثات بين حركتي حماس وفتح، حتى تم توقيع اتفاق القاهرة في آذار/مارس 2005.

عام 2006 وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، أخضعت (إسرائيل) قطاع غزة لحصار مشدّد، خاصة بعد سيطرة الحركة على قطاع غزة بالكامل عام 2007 إثر الحسم العسكري، وساهمت مصر في تشديد الخناق على القطاع وإقفال معبر رفح بشكل شبه كامل، تحت ذريعة ارتباط مصر باتفاقية المعابر التي رعتها الولايات المتحدة عام 2005.

وفي كانون الثاني/يناير 2008، وإثر تشديد الحصار الصهيوني المصري على قطاع غزة، قامت حماس وعشرات آلاف الفلسطينيين باقتحام معبر رفح الحدودي ودخول الأراضي المصرية، الأمر الذي أغضب كثيراً السلطات المصرية، لكنها ارتأت عدم القيام بأي ردة فعل أمام التعاطف العالمي والمصري الشعبي الهائل الذي لقيه الفلسطينيون.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2008، قبلت حركة حماس رعاية مصر للحوار بينها وبين حركة فتح، ثم رفضت حضور جلساته لأنها رأت انحيازاً مصرياً واضحاً لجانب السلطة الفلسطينية وفتح، وهو ما أثار حفيظة الجانب المصري الذي شدّد الحصار على قطاع غزة.

وفي نهاية كانون الأول/ديسمبر 2008، وقبل يومين من شنّ الكيان الصهيوني عدوانه ضد قطاع غزة، أطلقت ليفني من القاهرة تصريحاً بأن الوضع سيتغيّر في القطاع، وأن (إسرائيل) تتفهّم حاجات مصر الأمنية، وهو اعتبره كثيرون الضوء الأخضر المصري لبدء الحرب.

وفي بدايات عام 2009، قام الأمن المصري باعتقال يوسف أبو زهري؛ شقيق القيادي في حماس سامي أبو زهري، الذي قضى تحت التعذيب في السجون المصرية، في محاولة للضغط على حركة حماس.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2010، رفضت حماس التوقيع على ورقة التفاهمات المصرية، لأنها اعتبرت أن الورقة قفزت فوق الحلول الموضوعية المتفق عليها مسبقاً، وتحايلت عليها.

وبعد ثورة يناير 2011، التي كان الإخوان فيها الأكثر تنظيماً ومشاركة، وإسقاط نظام الرئيس مبارك، ومجيء حركة الإخوان للحكم واعتلاء سدّة الرئاسة، بدأت المؤامرات تحاك ضدّ الجماعة وقيادتها، وأخذ التضييق الدولي يشتد على السلطة الحاكمة. وقامت المؤسسة العسكرية المصرية في تموز/يوليو 2013 بانقلاب على السلطة، أمسكت من خلاله بمقاليد الحكم، وزجّت بقيادات الإخوان في السجون، ووضعت الرئيس المنتخب محمد مرسي خلف القضبان، بتهمة "التخابر مع حماس".

وفي ‏(25-12-2013) قرّر مجلس الوزراء المصري إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وتنظيمها ‏تنظيماً إرهابياً بمفهوم قانون العقوبات. وقال المجلس إن إعلان الإخوان المسلمين جماعة إرهابية يتضمن "توقيع العقوبات المقررة قانوناً لجريمة ‏الإرهاب علي كل من يشترك في نشاط الجماعة أو التنظيم أو يروج لها بالقول أو الكتابة أو بأي طريقة ‏أخرى وكل من يمول أنشطتها".

وفي ‏(4-3-2014) قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة "بحظر أنشطة حماس مؤقتاً داخل مصر، وكذلك ‏حظر الجمعيات والجماعات والمنظمات والمؤسسات التي تتفرع منها أو تتلقى منها دعماً مالياً أو أي نوع ‏من أنواع الدعم".‏

وفي 16 أبريل/نيسان من العام نفسه، قضت المحكمة ذاتها بعدم الاختصاص في نظر دعوى تطالب ‏بـ"حظر كافة الأنشطة الصهيونية في مصر"، واعتبار (إسرائيل) "دولة إرهابية".‏

وفي ‏‏(26-1-2015) قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بردّ دعوى قضائية تعتبر حماس منظمة إرهابية، ‏بعدم اختصاصها بمثل هذه القضايا.‏

وفي (31-1-2015) اعتبرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، "حركة إرهابية"، متهمة "القسام" بتفجير كمين كرم القواديس بسيناء قبل عدة أشهر، وبتهريب الأسلحة المستخدمة في الهجوم ضد الجيش والشرطة "بهدف زعزعة أمن واستقرار البلاد".

وهي خطوة اعتبرها كثير من الخبراء السياسيين والقانونيين مخالفة لأبسط معايير القانون الدولي، ورأوا أنها محاولة من قبل السيسي والمؤسسة العسكرية الحاكمة لترسيخ عدو وهمي كي تبرّر ممارسات السلطة الفاسدة والإرهابية ضد الشعب المصري والإسلاميين وضد غزة وأهلها.