القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 17 حزيران 2025

حملة إسرائيلية للاعتراف بحقوق «اللاجئين العرب ـ اليهود»

حملة إسرائيلية للاعتراف بحقوق «اللاجئين العرب ـ اليهود»

على الرغم من ترحيب «بديل» ـ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، بأية حملة تسعى لرفع مستوى الوعي بمحنة اللاجئين وقضاياهم، لتمكينهم من نيل حقوقهم المشروعة والمعترف بها دولياً في نهاية المطاف، وبصرف النظر عن النطاق الجغرافي لحملة كهذه؛ إلا أن مركز «بديل» يلاحظ بقلق شديد ما تتضمنه الحملة الإسرائيلية الحالية من مغالطات قانونية وتاريخية وأغراض سياسية غير مشروعة، بشأن نزوح أفراد من العرب ـ اليهود من عدد من الدول العربية. عن الحملة الإسرائيلية

لقد كلفت الحكومة الإسرائيلية في العام 2009 مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بإنشاء مجموعة عمل تتألف من مسؤولين من كل من وزارة الخارجية والعدل والمالية وشؤون المتقاعدين وعدد من الأكاديميين (خبراء قانونيين، ومؤرخين، وخبراء مالية واقتصاد) وممثلي المنظمات اليهودية الصهيونية مثل الكونغرس اليهودي العالمي. وقد طلب من مجموعة العمل هذه صياغة موقف إسرائيلي رسمي حول قضية «اللاجئين اليهود» من الدول العربية. وفي 24 أيار 2011، أوصت مجموعة العمل تلك «بطرح مسألة تعويض اللاجئين اليهود في المفاوضات مع الفلسطينيين باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من المناقشات والمفاوضات حول اللاجئين الفلسطينيين». هذا الربط المصطنع صيغ لخدمة مصالح إسرائيل، وعلى وجه التحديد، أفاد تقرير لجنة العمل بأن «هذا الربط من شأنه أن يردع المطالبات المفرطة بجميع حقوق اللاجئين الفلسطينيين، أو على الأقل التخفيف منها». وعلاوة على ذلك، يشدد هذا الربط ـ بحسب التقرير- على أن «أي اتفاق لا يستجيب لمطالب اللاجئين اليهود يجب أن لا يراها الجمهور والقيادة الإسرائيلية كنهاية للصراع».

وبتزامن مع اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة (بتاريخ 28 أيلول 2012) رعت وزارة الخارجية الإسرائيلية و«الكونغرس» اليهودي العالمي مؤتمراً حول هذه القضية في نيويورك، وأطلقت حملة لتمكين إسرائيل «من فرض مطالبها الخاصة»، وليس مجرد «الرد على المطالب الفلسطينية».

إلا ان مركز «بديل» يرى أن عيوبا جوهرية تعتري هذه الحملة الإسرائيلية وبأنها ذات دوافع سياسية، وتعبّر تعبيرا فاضحا عن تجاهل إسرائيلي لحقوق اللاجئين الفلسطينيين. ومن هذا المنطلق يقدم مركز «بديل» تحليلاً خاصاً قائماً على منهج الحقوق ومستمدا منها، وذلك على النحو التالي: جبر الضرر حق للجميع الحقوق المقررة للاجئين، هي حقوق عالمية، لا تفضيل ولا تمييز فيها لمجموعة معينة من اللاجئين على مجموعة أخرى. إن لجميع اللاجئين الحق بالتمتع بجميع تلك الحقوق، ومن بينها حق العودة الطوعية إلى ديارهم، واستعادة الممتلكات والتعويض المالي عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم. وعليه، فإن «بديل» ينطلق في تحليله أساسا من مبدأ ان ثبوت وقوع الضرر يقضي بالضرورة وجوب جبره، وهذا مبدأ عام ينطبق على الجميع وفي جميع الحالات وبلا استثناء أو تفضيل. دعاوى المطالبات القانونية تُقدم في مواجهة الدول ذات الصلة يجب رفع و/أو تقديم الدعاوى الحقوقية من قبل اللاجئين، أو نيابة عنهم في مواجهة الدولة (الدول) التي ثبت أن الإجراءات/الأعمال التي قامت بها تسببت بخلق حالات اللجوء. وفي ما يتعلق بموضوعنا، فإن على العرب - اليهود المطالبين باعتبارهم لاجئين اضطروا لمغادرة ديارهم الأصلية بادعاء فرارهم من الظلم والاضطهاد في الأربعينيات والسبعينيات من القرن الماضي، توجيه مطالباتهم إلى تلك الدول العربية، وليس السعي لربط ذلك بمفاوضات الوضع النهائي بين الإسرائيليين و«منظمة التحرير الفلسطينية». فإذا ما ثبت أن الدول العربية هي التي تسببت في حالات اللجوء، فلا بد حينها من إخضاع الدولة المسؤولة فقط للمساءلة والمحاسبة عن أفعالها، أي لا يجوز الادعاء بذلك في مواجهة أي طرف آخر. إن رغبة إسرائيل في زج الدول العربية في مأساة اللاجئين الفلسطينيين تعتبر بمثابة استخدام قضية اللاجئين كشكل من أشكال رأس المال السياسي، وذلك في محاولة سافرة منها لتحقيق أهداف استراتيجية أوسع. إن هذا النهج يضر كثيرا بحقوق اللاجئين ـ موضوع البحث - أفرادا وجماعات على حد سواء، كما يهدد الآليات الدولية المقررة لمعالجة قضايا اللجوء حول العالم. يجب عدم ربط مصير مجموعة من اللاجئين بمصير مجموعة أخرى الحملة الإسرائيلية الحالية تسعى إلى جعل حماية اللاجئين الفلسطينيين والإيفاء بحقوقهم رهنا بإيفاء العرب - اليهود حقوقهم. وكما ذكر آنفاً، فإن حقوق اللاجئين هي حقوق ذات طبيعة عالمية، وان الحقوق المستحقة لمجموعة ما تماثل تلك المستحقة للمجموعات الأخرى، وأنه لمن الضروري والملحّ أن تصان جميع الحقوق لكل اللاجئين وأن توضع موضع التنفيذ.ومع ذلك، فإن حقوق كل مجموعة تكون موجودة وثابتة ثباتا مستقلا، أي غير مرهونة بمـنح مجـموعة أخرى حقوقها. فعـلى سبيل المثـال، لا يجوز حرمان مجموعة معينة من حقها في جبر ما لحق بها من أضرار باشتراط جبر ضرر مجموعة/المجموعات أخرى؛ فالاشتراط هنا غير جائز مبدئيا وقانونيا. وكما نوقش أعلاه، فإن كل مجموعة لاجئين لها الحق في متابعة حقوقها في مواجهة الدولة (الدول) التي تسببت باللجوء، وليس ربط ذلك بمصير مجموعة منفصلة أخرى لا علاقة لها بها. إن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي قضية اللجوء الأطول عمراً في العالم اليوم، وينبغي ألا تطول محنتهم أكثر وألا تزداد تعقيداً على تعقيد عبر اشتراط اعتراف الدول المعنية (العربية هنا) بحقوق العرب - اليهود كشرط مسبق للاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين. الاعتراف العالمي بجميع حقوق اللاجئين على الرغم من أن وجوب عدم ربط مصـير مجموعات اللاجئين المختلفة ارتباطاً شرطيا في ما يتصل بنيل حقوقهم، إلا انه ينبغي على جميع حملات الدفاع عن حقوق اللاجئين الاعتراف بحقوق جميع اللاجـئين بموجب القوانين والـشرائع والأعراف الدولية. وعلى هذا النحو، كان يجب على إسرائيل - إذا كانت أصلا مع مبدأ الدفـاع عن الحقوق - وتزامناً مع إطلاقها الحملة الجـديدة، ليـس فقط المطالبة بالاعتراف بحقوق اللاجئين العرب - اليهود، ولكن أيضاً بجميع حقوق اللاجئين لجميع مجموعات اللاجئين الأخرى، بمن فيهم الفلسطينيون. إن عدم إقرارها بحقوق اللاجئين الفلسطينيين يؤكد أن إسرائيل تسعى إلى رفع مكانة اللاجئين اليهود فوق مكانة مجموعات اللاجئين الأخرى. ومن غير شك، فإن ذلك يناقض مبدأ عدم التمييز، الذي ينطبق على جميع الناس بمن فيهم اللاجئون، والذي يحظر بموجبه تفضيل أو تقليل حقوق مجموعة لاجئين على الأخرى، بل على العكس من ذلك، فإن مبدأ عدم التمييز يقضي بأن الجميع متساوون، ولا سيما عندما يتعلق الموضوع بالقانون والحقوق. أهمية النهج القائم على الحقوق

يؤمن مركز «بديل» بأن النهج الوحيد الذي يمكن أن يقود إلى تحقيق حلول عادلة ومنصفة ودائمة لمجموعات اللاجئين في جميع أنحاء العالم هو نهج واحد، يجب أن يرتكز على حماية وضمان حقوق اللاجئين موضوع النقاش. الإقرار بنهج كهذا وتنفيذه يضمن عدم استخدام المصالح السياسية والاقتصادية لحرمان الأفراد من قدرتهم على العيش حياة آمنة، خالية من الخوف والمعاناة.

الحملة الإسرائيلية الحالية، التي أطلقت بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة وتزامناً مع المساعي الفلسطينية المبذولة لنيل اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، لم تتبن النهج القائم على الحقوق، بل على العكس من ذلك، جاءت مستندة إلى دوافع سياسية لا تهدف إلى الدفاع عن حقوق العرب - اليهود في جوهرها، بل تسعى إلى الانتقاص أو الحد من حقوق اللاجئين الفلسطينيين وتخليص دولة إسرائيل من التزاماتها تجاههم بموجب القانون الدولي.

وبالفعل، فقد أفصح عن ذلك ممثل عن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بصراحة بتأكيده أن الربط بين قضية اللاجئين الفلسطينيين وقضية اللاجئين العرب - اليهود «سيخدم إسرائيل في مفاوضات الوضع النهائي» وسيـساعد على «الحـد من» مطالب الفلسطينيين. إن هذا النهج القائم على حسابات الربح والخسارة من دون اعتبار للحقوق وللإنسان صمم خصيصا للتنصل من الالتزامات الأخلاقية والقانونية الواجـبة من أجل معـالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين، بل يهزأ بمحن اللاجئين في جميع أنحاء العالم من خلال فرض منطق المقايضة السياسية بدلا من الإقرار بالحقوق والالتزامات.

لا يجوز لإسرائيل التنصّل من التزاماتها

بغض النظر عما إذا كانت الدول العربية من خلال أعمال سابقة، قد تسببت في خلق قضـية لاجئين يهود من أصول عربية، فإنه من الثابت أن إسرائيل تسببت ـ وما زالت تتسبب - في خلق المزيـد والمزيد من اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين حتى أصبح عددهم يزيد عن 7,4 ملايين شخص. وبما أن إسرائيل لا يجوز لها استخدام او التـذرع بأخـطاء دول أخرى - بافتراض وقوعها - لنفي ما ارتكبته وترتكبه هي نفسها من تهجـير، فإنه ينبـغي لجـميع اللاجئين والمهجرين الحصول على حقوقهم المشروعة عبر التوصل إلى حلٍ عادلٍ ودائم لقضاياهم. إن الالتزامات التي تدين بها إسرائيل لهؤلاء اللاجئين الفلسطيـنيين نـشأت نتيـجة أعمالها وسياساتها، وهي التزامات واجبة في إطار القانون الدولي ولا يمكن التنصل منها أو إضعافها بأية وسيلة ولا تسقط لا بالتقادم ولا بحسابات بالمقايضة.

المصدر: جريدة السفير اللبنانية