حياة ممزوجة بشظف العيش وانعدام الأمن في البلدة القديمة بالخليل
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام
رغم حالة الرعب التي يفرضها تواجد المستوطنين في قلب مدينة خليل الرحمن، وعلى وجه الخصوص البلدة القديمة وحاراتها الخاوية على عروشها، وأسواقها المغلقة بسبب ممارسات جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين، تعيش عائلات وأسر فلسطينية ظروفًا اجتماعية صعبة للغاية لا يستطيع أن يتصورها إنسان في زمن الحضارة والتطور التكنولوجي.
على بعد عشرات الأمتار من المسجد الإبراهيمي، وعبر أزقة ضيقة ومظلمة آيلة للسقوط تنزرع "حارة السواكنة" التاريخية التي يمتد عمرها إلى ستة آلاف عام.. هذه الحارة التي تحتضن منزل الحاجة عزيزة أبو صوفة (أم نادر) البالغة من العمر 61 عامًا، هذه الأم الفلسطينية الصابرة المحتسبة التي تكظم غيظها جراء التقصير المركب تجاه أسرتها التي تعاني مرارة الحرمان من القوت والدواء والأمن.
كبرياء رغم المأساة
لدى دخول مراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" لبيتها، تنفست الصعداء، وقالت الحمد لله أن هناك بقية باقية من هذه الأمة تسأل عنا.. (أم نادر) تحدثت لنا، بكل كبرياء،: "نحن لا نريد من الناس طحينًا ولا خبزًا ولا طعامًا ولا شرابًا، رغم قلته وشحه، ولكنا نريد دعمًا نفسيًّا ومعنويًّا لمأساتنا اليومية التي يغفل عنها أبناء شعبنا وبني جلدتنا، حيث نعيش حياة أشبه بحياة الإنسان الأول .. نحن أسرة مكونة من تسعة أفراد (ست بنات وثلاثة أبناء)، خمس من البنات عوانس ولا يعملن، واثنتان منهن معاقتان، والسادسة مطلقة وتجلس في بيت أمها، وأما الأبناء الثلاثة: فواحد -وهو الأكبر- معاق، والثاني عاطل عن العمل ومدمن مخدرات، والثالث معتقل في سجون الاحتلال.
وتضيف أم نادر قائلة: "نحن نعيش أزمة كبيرة في تحصيل قوتنا، فالأسعار مرتفعة ولا دخل لنا.. أبنائي وبناتي في إعاقة لا تمكنهم من العمل والحصول على قوتهم، في السابق كنا نتلقى الدعم الغذائي من الجمعيات الخيرية ولجان الصدقات التي كانت تقتحم أزقة وحارات البلدة القديمة وتقدم لنا الطرود الغذائية والأغطية والألبسة والطحين وغالبية مستلزماتنا –والتي باتت اليوم لا تصلنا بسبب الحواجز العسكرية التي تحول دون ذلك-، أما اليوم فنحن بلا معيل وخاصة بعد وفاة رب الأسرة الذي كان يعمل حمالاً فأصيب بالسرطان وتوفي قبل خمس سنوات".
وتابعت: "نتلقى بعض الدعم من لجنة زكاة وصدقات الخليل الذي لا يزيد عن 150 شيقل شهريًّا، فيما يقدم لنا بعض المحسنين مبلغًا شهريًّا يصل إلى مائتين شيقلاً شهريًّا، وهذه المبالغ البسيطة لا تغطي نفقات البيت من الخبز فقط، أين العالم؟، أين المسلمون من مأساتنا؟.. أبنائي وبناتي في إعاقة شديدة، وقد رفضت جمعيات كثيرة تهتم بالمعاقين إدخالهم في بيوتها الداخلية، بسبب عدم تمكني من دفع متطلبات هذه الجمعيات، البالغ 600 شيقلاً شهريًّا عن كل فرد، ولذلك ارتفعت مستويات الإعاقة لديهم، وخاصة بناتي اللواتي هن بحاجة إلى حبوب أعصاب، وعلاج طبيعي يومي وحفاظات من الحجم الكبير.. وهذه المتطلبات كلها بحاجة إلى مصاريف مرتفعة وهذه غير متوفرة".
رعب وخوف
لكن الأكثر مرارة في هذا المشهد التراجيدي، أن هذه الأسرة تقضي الكثير من الليالي في أجواء من الخوف والرعب إضافة إلى الجوع، وخاصة في أيام احتفالات المستوطنين الذين يرقصون فرحًا وطربًا على أنات وآهات هذه الأسرة المعذبة، كيف ذلك؟، تقول أم نادر: "ليلة احتفالات المستوطنين بعيد التوراة توجه الآلاف منهم إلى المسجد الإبراهيمي قادمين من مستوطنة "كريات أربع" والأحياء الاستيطانية في قلب المدينة "بيت رومانو" و"مدرسة الدبويا" الاستيطانية، ومستوطنو "حي الرميدة"، وهم يصرخون ويغنون ويهتفون، لا بل يضربون كل من يجدونه من الفلسطينيين في شوارع وأزقة البلدة القديمة، ويقومون برجم الحجارة والزجاجات الفارغة، وزجاجات المولتوف الحارقة على المنازل.. في هذه الليلة المشؤومة، سقطت إحدى الزجاجات الحارقة على مطبخنا الخارجي المتواضع فأحرقته وأحرقت ما فيه.. وأمام هذه الحادثة ارتفعت أصوات أبنائي وبناتي المعاقين بالصراخ والعويل، بل قاموا بالتبول على أنفسهم جراء الرعب والخوف".
واختتمت أم نادر، حديثها واستغاثتها بالقول: "نحن بحاجة إلى دعم معنوي ونفسي لاستمرار صمودنا في بيوتنا رغم الفقر والبطالة والرعب، وأخص بالذكر ضرورة عودة مئات العائلات لبيوتهم التي هجروها داخل البلدة القديمة، إضافة إلى فتح مئات الحوانيت التي أغلقت جراء ممارسات المستوطنين والجيش الصهيوني.. إن سلطات الاحتلال الصهيوني تعقد مسار الحياة في داخل البلدة القديمة من الخليل؛ حيث البوابات الإلكترونية، والحواجز العسكرية، ومنع إدخال سيارات الإسعاف للمرضى، لا بل منع سيارات المواد الغذائية والخضار والفواكه من الدخول، كل ذلك حتى تفرغ المدينة من سكانها، وتقتل حركة الحياة فيها".
الاستيطان يتجذر
واعتبر الخبير في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش، أن سياسات حكومات الاحتلال المتعاقبة، كانت دومًا تشكل سندًا لمشاريع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية عامة، وفي الخليل على وجه الخصوص، مشيرًا إلى أن هذه الحكومات وفي مقدمتها حكومات حزب العمل كانت السابقة في تطويق مدينة الخليل بالاستيطان، إضافة إلى تجذير الاستيطان في قلب المدينة وتوفير الحماية الآمنة له.
وأضاف حنتش أن حكومة الاحتلال الصهيوني، جندت أربعة آلاف جندي صهيوني لحماية أربعمائة مستوطن يعيشون في التجمعات الاستيطانية داخل مدينة الخليل وحاراتها وأزقتها، إضافة إلى إقامة أكثر من 60 موقعًا وبرجًا وحاجزًا عسكريًّا في المدينة .. هذه الأجواء العسكرية والأمنية المربكة، أدّت إلى شلل الحياة الاقتصادية والتجارية، بل إنهائها كليًّا، مما زاد من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في صفوف الاسر الفلسطينية داخل البلدة القديمة من الخليل، إضافة إلى انتشار سوء التغذية في صفوف الأطفال والأسر الفقيرة.. كل ذلك جنبًا إلى جنب مع ارتفاع نسب حالات الأمراض النفسية وخاصة في صفوف الأطفال جراء عنف المستوطنين وجرائمهم الدموية.