القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 25 كانون الأول 2024

«دولة» فلسطين أم أسلحة العم سام: أيهما ستختار الرياض هذه المرة؟

«دولة» فلسطين أم أسلحة العم سام: أيهما ستختار الرياض هذه المرة؟

الإثنين، 26 أيلول، 2011

مرّة أخرى.. السعوديّة في موقع المواجهة مع أميركا.. فما وقع بينهما من شقاق عند سقوط الرئيس المصري حسني مبارك جرّاء دعم واشنطن للديموقراطية في الشارع العربي، «البدعة» التي تعارضها الرياض، تعمّق أكثر مع إعلان الأخيرة عن انضمامها إلى قائمة الدول الداعمة لقرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضاربة عرض الحائط بالموقف الأميركي.

في الحقيقة، ليست المواجهة الحاليّة بين الرياض وواشنطن مستجدة. فهي لم تبدأ بالتأكيد مع استحقاق 23 أيلول الأخير إنما تعود إلى أكثر من عقد، شهد محطات عدة كان أبرزها أزمة الإرهاب وأزمات أخرى طالت ملفات الطاقة والحرب على العراق وغيرها. من هنا تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الضغوط المتكررة ستقود باتجاه تحول جوهري في العلاقة بين المملكة والضامن الرئيسي لسياستها الخارجية منذ أكثر من سبعة عقود سبقت؟ وأكثر من ذلك، إذا أخذنا بالاعتبار أن المسألة ذات أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة لواشنطن نظراً لدور المملكة كأكبر منتج للنفط في العالم (12,5 مليون برميل يومياً) ومرتبتها الرابعة لجهة حيازات النقد الأجنبي (540 مليار دولار) يصبح السؤال الأهم ماذا يمكن أن تكون تبعات أي تغيير قد يطال هذه العلاقة؟ وكيف سيتصرف أوباما إزاء تبدّل استراتيجي مماثل؟ لطالما واجهت كل من واشنطن والرياض صعوبة في توصيف طبيعة العلاقة التي تجمعهما. لعقود طويلة، تمّ تصنيفها ضمن خانة «النفط مقابل الأمن»، ما يعني ضمان تدفق النفط السعودي وبأسعار مقبولة مقابل أن تضمن واشنطن أمن المملكة ضد أعدائها، سواء العراق أو إيران أو القاعدة.

في بداية السبعينيات، اصطلح البلدان على تسمية ما يجمعهما بـ«العلاقة الخاصة»، حتى عندما رفضت السعودية بحزم أن تنضم إلى لائحة الدول «الحليفة خارج الناتو»، مثل الأردن ومصر وباكستان، أو التوقيع على اتفاقيات دفاعية. ولكن بعد 11 أيلول، لم يعد أحد يتكلّم عن «علاقة خاصة»، واستغرق الأمر 4 سنوات لتبني مصطلح «الحوار الاستراتيجي»، وهو المصطلح نفسه الذي تستخدمه واشنطن لتوصيف علاقتها بالصين والهند وإسرائيل وباكستان وروسيا.

الشرخ في العلاقة الثنائية بلغ أوجه في آذار الماضي مع اندلاع موجة الاحتجاجات في البحرين، عندما أرسلت السعودية قوات درع الجزيرة دعماً للنظام، متحدية «إرادة» واشنطن التي دفعت باتجاه المزيد من الإصلاح.

... ستة أشهر مرت ولا تزال مشكلة البحرين عالقة، إلا أن القضية الفلسطينية عادت اليوم لتصبح مركز الخلاف الرئيسي بين الطرفين، علماً أنها لطالما شكلت موضع خلاف، يحتدم بشكل دوري، منذ عام 1979 عندما تمّ توقيع معاهدة السلام بين فلسطين وإسرائيل وتُرك مصير الفلسطينيين على الأراضي المحتلة من دون حلّ.

في هذا الصدد، تجدر استعادة الرسالة الغاضبة التي بعث بها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قبل هجمات 11 أيلول، يحذره فيها من أن السعودية ستعمد إلى تجميد علاقاتها مع واشنطن «بطريقتها الخاصة»، ما لم تسرع الأخيرة إلى تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. سارع بوش حينها إلى تهدئة الملك، إلا أن حقيقة وجود 15 سعودياً من بين منفذي اعتداء 11 أيلول أدى تلقائياً إلى ما يشبه تجميد العلاقات، إنما بطريقة أخرى.

على الأثر، عمد الملك عبد الله إلى البحث عن شركاء محتملين، سياسياً وعسكرياً، يمكن أن يستبدل بهم واشنطن، فانخرط في زيارات سريعة لقادة الصين والهند وباكستان وتركيا. لكن لم يستغرقه الأمر طويلاً كي يدرك أن لا أحد مؤهل لإنقاذ المملكة من الأخطار المحدقة بها، كما فعلت أميركا عندما وصلت القوات العراقية إبان غزو الكويت إلى حدودها. وفي حين تحتل القضية الفلسطينية حيّزاً كبيراً في ما يمكن أن يهدّد بتغيير جذري في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، يصبح بالغ الأهمية لدى الطرفين إيجاد تصور سريع للتداعيات الممكنة لهذا الشرخ في العلاقة الثنائية من دفع إيجابي لإيران باتجاه تطوير برنامجها النووي.

عندما وصل باراك أوباما إلى سدّة الرئاسة، ترك لدى الملك عبد الله توقعات عالية بشأن سياسة جديدة ستنتهجها واشنطن في التعامل مع العالم العربي، الإسلامي تحديداً، من جهة وفيما يتعلق بالدفع باتجاه السلام الاسرائيلي الفلسطيني من جهة أخرى. إلا أن اوبــاما، سرعان ما فشل في مواجهة نتنياهو عند أول اختبار بشأن تجميد المستوطنات.

ومع تلويح أميركا مؤخراً بنيتها استخدام الفيتو في مجلس الامن ضد «الدولة» الفلسطينية، بعث الملك السعودي بعدد من المؤشرات التي تنم عن غضبه، كان أبرزها التباطؤ في إتمام الخطة السعودية لشراء أسلحة أميركية بقيمة 60 مليار دولار، علماً ان هذه الصفقة تعتبر بمثابة حجر الزاوية للعلاقة العسكرية المقترحة بين البلدين في الفترة المقبلة، فضلاً عن أنها تأتي ضمن «حزمة الحوافز» المقرّرة لانتشال الاقتصاد الأميركي من أزمته.

يُذكر ان السفير السعودي السابق لدى واشنطن الامير تركي الفيصل حذر، في مقال في صحيفة «نيويورك تايمز»، من ان استخدام اميركا لحق النقض في مجلس الامن سيكون «كارثياً» على مستقبل العلاقات الاميركية السعودية.

ولكن كما دائماً عندما تكون العلاقة الثنائية بين البلدين أمام اختبار مفصلي، يطرح السؤال حول ما إذا كان يستحق استخدام أميركا للفيتو تخريب علاقات التعاون العسكرية والأمنية بين البلدين.. هو سؤال، رغم غضب القادة السعوديين حالياً، يجد ما يبرّره عندما يتذكرون مرة تلو الأخرى أنه عندما يتعلّق الأمر بمواجهة التهديد الإيراني هناك «لعبة واحدة في الساحة».. اسمها أسلحة العم سام.

المصدر: جريدة السفير اللبنانية