القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

صيّادو غزة: مرفأ يئن.. وتطلّعات لصيد حرّ

صيّادو غزة: مرفأ يئن.. وتطلّعات لصيد حرّ

في أوّل رحلة للصيادين بعد اتفاق التهدئة، تمكّنوا من دخول البحر لمسافة ستّة أميال بحريّة، بحرّية كاملة، وعادوا برزقٍ وفير، حسّن من ظروفهم الاقتصاديّة المتردّية، وأنعش أسواق السمك في القطاع، من دون أن تعترضهم زوارق الاحتلال التي لطالما تربّصت بهم في عرض البحر، ولم يُسجّل أي اختراق للتهدئة.

وشهدت "حسبة السمك" القريبة من ميناء غزّة، حضوراً مُنقطع النظير لأنواع جديدة من الأسماك التي لم يعتد الفلسطينيون على رؤيتها سابقاً، وهي جميعها أسماك من أنواع مُتعددة لا تتواجد إلا بعد مسافة ثلاثة أميال في عرض البحر.

في المقابل، لم يتمكّن عشرات الصيّادين الذين دُمّرت مراكبهم دخول البحر وممارسة مهنتهم، وانشغلوا في محاولة إصلاح بعض المراكب التي تعرضت لأضرار طفيفة ومتوسطة، ومعاودة الإبحار بها.

وبرغم الشقاء والخسارة الكبيرة التي تكبّدها الصيادون في غزّة، إلا أن الأمل ما زال يحدوهم في أن تعوضهم جهة ما عن تلك الخسائر الفادحة التي ألمّت بهم، كي يتمكّنوا من ممارسة عملهم مرة أخرى، لاسيما أن ما يزيد عن 3500 فلسطيني في غزّة يعتمدون على مهنة الصيد، ولا يُمارسون أي مهنة غيرها.

لم تدم فرحة الصيّاد أشرف أبو ريالة بإعلان وقف إطلاق النار في غزّة طويلاً، فما أن ذهب لتفقّد قاربه في مرفأ الصيادين في غرب غزّة؛ حتى عثر عليه مُحترقاً، ومُهشّماً بشكلٍ كامل، بعد إصابته المباشرة بإحدى القذائف التي أطلقتها الزوارق الحربية الإسرائيلية المُتمركزة في عرض البحر على سفن الصيّادين في مرفأ غزّة، إبان الحرب التي استمرّت خمسين يوماً.

وبدا أبو ريالة حزيناً أمام الخراب الذي حلّ بقاربه الوحيد في المرفأ، وتلاشت أحلامه وآماله في الإبحار والصيد الوفير أدراج الرياح، لاسيما بعدما سمحت بحريّة الاحتلال ممارسة الصيّادين الفلسطينيين عملهم ضمن نطاق ستّة أميال بحريّة بموجب اتفاق التهدئة الأخير.

يقول الصيّاد أبو ريّالة في حديث إلى "السفير": "جئت مُستبشراً لتفقّد مصدر رزقي الوحيد، والإبحار برفقة الصيّادين لممارسة عملنا بعدما مُنعنا خمسين يوماً، فلم أعرف مركبي جرّاء الدمار الكبير الذي أصابه.. لقد تحوّل إلى كومة من الركام، لا تستطيع أن تستفيد منه أبداً، ولا يُمكن إصلاحه بعدما طالت النيران جزءاً كبيراً منه".

ويُشير إلى أن مركبه الذي تدمّر عن بكرة أبيه، كان كفيلاً بالإنفاق على أسرته المكوّنة من تسعة أفراد، ثلاثة منهم كانوا يساعدون والدهم في الصيد، لافتاً إلى أنه وأبناءه لا يعرفون مهنة أخرى غير الصيد، ولم يعد أمامهم سبيل آخر للرزق، وإعالة أسرته الكبيرة.

ولم يسلم ميناء غزّة خلال الحرب من دائرة الاستهداف الإسرائيلية، إذ أمطرت الزوارق الحربيّة المتمركزة في عرض البحر بعشرات القذائف سفن ومراكب الصيّادين التي كانت ترسو في المرفأ، ودمّرت عدداً منها بشكل كلي، وجزئي، بالإضافة إلى استهداف غرف ومخازن الصيادين في المكان نفسه، والتي يُخزّن فيها الصيادون أدوات صيدهم ومستلزماتهم الخاصة، ما أدى إلى تدميرها واشتعال النار فيها، وتكبيد الصيادين خسارة مالية فادحة.

ويؤكد الصيّاد مصلح السوافيري، أن المدفعيّة الإسرائيلية استهدفت بشكل مُتعمّد ميناء غزّة خلال الحرب، لاسيما بعد تسلل مقاومين من غزّة عبر البحر، ومنه إلى قاعدة "زكيم" العسكرية الواقعة في مدينة عسقلان المحتلّة إلى الشمال من قطاع غزة، والاشتباك مع جنود الاحتلال، قبل أن يُستشهدوا.

ويلفت السوافيري في معرض حديثه إلى "السفير"، إلى أن الاحتلال يسعى إلى تدمير ميناء غزّة، وإلحاق أكبر الخسائر المادية والاقتصادية في حقوق الصيادين ومراكبهم، في محاولة للقضاء على الثروة السمكيّة في غزّة، وإلحاق خسائر اقتصادية كبيرة بقطاع الصيد، لمنعه من النهوض ثانية.

كما يستهجن الصيادون – في أحاديث مُنفصلة مع "السفير" - استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمراكبهم ومخازنهم التي يضعون فيها شباك الصيد، والمولّدات الكهربائية اللازمة للعمل، وإلحاق الضرر بغالبية ممتلكاتهم، نتيجة الحريق الهائل الذي اندلع في المرفأ وقت قصفه من قبل الاحتلال.

عبد الخالق السلطان أحد هؤلاء الصيادين الذين دُمّرت مراكبهم، يقول إنه حتى اليوم لم يُسدد الأقساط المالية المُستحقة عليه كافة جرّاء شرائه المركب الذي كان يعمل عليه قبل الحرب بالتقسيط.

ويُضيف بأسىً، مُتحدثاً إلى "السفير"، "دُمّر مركبي وما زال عليه أقساط تبلغ ألفي دولار أميركي، لا أعلم ماذا أفعل الآن، هل عليّ أن أُسدّد هذا المبلغ الكبير؟ أم أشتري قارباً آخر بالتقسيط أيضاً وأتكبّد مبالغ كبيرة لا أقوى عليها!". وأشار إلى أن "مهنة الصيد لا تدرّ دخلاً كبيراً، وما نُحصّله في اليوم الواحد بالكاد يكفي للإنفاق على عائلاتنا، وشراء وقود للمراكب".

في السياق ذاته، أكّد رئیس نقابة الصیادین في غزة محمد الهسي أن ثمانية مراكب للصيّادين دمّرت بشكلٍ كلّي، فيما تضررت 30 أخرى بصورة جزئيّة، بالإضافة إلى تعرّض 34 من غرف الصيّادين ومخازنهم للتدمير الكلي، فيما دمّرت 50 أخرى جزئياً.

ولفت الهسي إلى أن 90 في المئة من الصيادين في غزّة تضررت حياتهم نتيجة ضرر مهنتهم، بسبب استهداف الصيادين. وقدّر إجمالي خسائر قطاع الصيادين في غزّة بأكثر من ستة ملايين دولار.

ويأمل الصيّادون أن تثبت التهدئة المُعلنة بين المقاومة والاحتلال لأيامٍ طويلة، خاصة بعد تجربتهم المريرة مع خروقات الاحتلال لاتفاقيات التهدئة السابقة، خاصة في ما يتعلق بالصيد البحري، فهم لا يأمنون مكر الاحتلال، ويتطلعون في الوقت نفسه لتوسيع مساحة الصيد المسموحة لهم إلى 12 ميلاً في الأيّام المقبلة، كما ينص الاتفاق؛ ليتمكّنوا من اصطياد الأسماك الكبيرة، التي حُرم منها سكّان غزّة لسنوات طويلة، والتي من المتوقّع أن تُنعش قطاع الصيد، وتُحييه من جديد.

وبحسب إحصائيات سابقة، فمنذ العام 2000، استشهد زهاء 11 صياداً فلسطينياً أثناء ممارسة عملهم، نتيجة إطلاق النار عليهم من قبل الزوارق الإسرائيليّة، فيما تعتقل البحريّة الإسرائيلية مئات الصيّادين بين الحين والآخر، وتعاود إطلاق سراحهم في ما بعد، هذا فضلاً عن إلحاق الضرر بعشرات المراكب، وأدوات الصيادين.

ويعتمد الصيّادون في غزّة مراكب صغيرة الحجم في الصيد، ولا يتمكّنون من الإبحار بسفن كبيرة، لأن ميناء غزّة غير مُؤهل لاستيعاب هذه السفن، وتمنع إسرائيل حتّى اللحظة أي تطوير أو تأهيل للميناء، وهذا ما تُفاوض عليه القيادة الفلسطينية في اتفاق التهدئة الحالي.

المصدر: السفير