القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

طاهر المصري يتحدث في "سياسي يتذكر".. عن نكبة فلسطين واللاجئين

طاهر المصري يتحدث في "سياسي يتذكر".. عن نكبة فلسطين واللاجئين

عمان- محمد خير الرواشدة: قال رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري في حوار مع جريدة الغد في حلقات "سياسي يتذكر": "ولدت في نابلس العام 1942، كأكبر الأبناء والبنات لوالدي نشأت، رحمه الله. ما ميز السنة التي ولدت فيها بأنها كانت استمرارا لمسلسل تداعيات هجرة اليهود إلى فلسطين. فقد كشفت الأيام المتتالية عن تفاصيل حالة عدم الاستقرار، التي ستعيشها نابلس وفلسطين والمنطقة. لكن ما عرفته لاحقا هو أن مطلع أربعينيات القرن الماضي كان يشي بنهاية ذات العقد، الذي تسبب بنكبة الشعب الفلسطيني، والتي ما نزال نعيش آثارها حتى يومنا هذا".

وقال المصري: "كنت طفلا، عندما حصلت نكبة فلسطين 1948، لم يتجاوز الخمسة أعوام. وأتذكر أعداد اللاجئين الكبيرة، ممن تدفقوا من مدن وقرى فلسطين إلى الضفة الغربية؛ كانت أعدادا كبيرة جدا، وملأت هذه الأعداد المدارس والمساجد. لم أكن أعرف، وأنا في ذلك العمر، ما الذي يحصل. لكن كنت أتابع كيف أن هذا العدد الكبير ملأ الدنيا، وكيف كان اللاجئون يعيشون في ظروف صعبة. اقل ما يمكن قوله فيها، هي أنها ظروف تشريد ولجوء صعبة، ولم يكن لاحد من اللاجئين ان يحتاط لتلك النكبة، وأن يأخذ معه ما يعينه على هذه الهجرة القسرية".

وأضاف: "بعد عام، أو خلال 15 أيار (مايو) من العام 1948 بدأ اللاجئون يسكنون مخيمات بعيدة عن المدينة القديمة، واختاروا لأنفسهم نمط حياة، يتماشى مع الظرف الجديد لهم، والذي كانوا يتوقعون أنه لن يطول. لذلك لم تكن هناك مظاهر استقرار في تلك المخيمات".

وحول سبب اختيار اللاجئين لأنفسهم نمط حياة مختلفا، قال المصري: "هذا عائد لطبيعة الاختلاف الثقافي بين أهل الساحل وأهل الجبل، وهو اختلاف سببه اشتباك أهل الساحل بالثقافات المتعددة، فهم معبر بحري، وبالتالي نمط حركة النقل يأتي بكل العالم إليهم، ومن هنا، قد يكون لهم رأي آخر في نمط معيشتهم في مدنهم، أما أهل الجبل، فهم محافظون ومتمسكون أكثر بالعادات والتقاليد، الموروثة عن الآباء والأجداد".

وأضاف: "ثم إن هناك سببا آخر، لعله يعود لطبيعة الظرف، فقد كان هؤلاء اللاجئون يعيشون حياة مستقرة ومزدهرة في مدنهم وقراهم، وفجأة وجدوا أنفسهم مشردين، بدون مأوى، وفي ظروف اقتصادية غاية في الصعوبة. التشرد حرمهم من الحياة المستقرة، واضطرهم لأن يخطوا لأنفسهم نمطا جديدا من الحياة، لأن تراثهم وأملاكهم بات وراءهم، وصراع البقاء، الذي يعيشونه، ومواجهة التحديات؛ كل هذه العوامل هي التي حددت لهم طريق الحياة".

"إلى جانب كل ذلك، فهم اختبروا الصراع الصهيوني مبكرا، ويفصلنا عنهم (في الضفة الغربية) نحو 45 كلم، فهم تعرفوا على مظاهر الاحتلال قبلنا، عبر وجود "الكبانيات" التي يسكنها يهود، لذلك يمكن القول بأنهم تقدموا عنا مدنيا، أو أن هناك تفاوتا لصالحهم، أو قد أراه لصالحهم".

وقال المصري: "أنا درست في كلية النجاح من الصف الثاني، وحتى إنهاء مرحلة الثانوية العامة. كان للمعلمين أثر مباشر في تحفيز وعينا السياسي، لكن الأثر الأكبر لتكوين شخصياتنا، كان طبيعة الأحداث منذ النكبة وحتى لحظة سفري للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية مطلع ستينيات القرن الماضي".

وأضاف: "كان للمد القومي في الخمسينيات، وبروز نجم الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وطبيعة الأحداث التي تدور على أرض فلسطين ذلك العقد، وحركة الانقلابات العسكرية الدائرة في العالم العربي، أثر في صياغة شخصياتنا. كما تأثرنا بمواقف المعلمين، أمثال الاستاذ محمد العمد، وشاكر ابو حجلة، وقصي هاشم، والشيخ أسعد شرف. فضلا عن أنني من عائلة سياسية، انخرطت بالعمل العام مبكرا، وكان لوالدي وأعمامي نشاطات مختلفة على هذا الصعيد. لعل بقائي بالقرب من كل هذه الأحداث، أثر في وعيي المبكر كثيرا، بل كنت أحيانا اتعاطى مع هذه الهموم بانفعال بالغ وتأثر شديد".

وقال: "لقد صاغت تلك الأحداث وجداني وطبعت شخصيتي بهوية فلسطينية عربية قومية. فلم أكن أقل انفعالا تجاه أي قضية عربية من انفعالي تجاه أي تطور يجري على أرض فلسطين.

استقينا التربية السياسية والوطنية من تلك الفترة، التي كانت مُشبعة بالهموم والحروب، وحالات عدم الاستقرار. كما أن المد القومي كان يأسر، بلغته ومواقفه وشعاراته، قلوب الشباب اليافع".

وختم المصري: "لقد خفت من ضعف قدرتي، وقتها، على التوفيق بين كل هذه الهموم، بذات التركيز والقدرة على المتابعة، لكني سعيت لأمزج بين أن أعيش هم من اقتُلع من أرضه؛ وأعيش جبروت الصامد على أرضه، وهو أمر لم يكن سهلا عليّ أبدا، بل وتسبب لي بحالة نفسية مركبة، نتيجة التعايش مع تلك الظروف في مقتبل العمر، ففي ذلك السن تحديدا يتشرب الإنسان المعرفة، وتستقر في قلبه، وقد كانت المعرفة والعلم في تلك المرحلة كلها هم فلسطين وهموم العرب".

الغد، عمّان، 20/4/2014