القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 22 كانون الثاني 2025

عملية رفح استهدفت مصر ومليون فلسطيني

عملية رفح استهدفت مصر ومليون فلسطيني
 

كتب المحرر المسؤول/ وسام عفيفة

يبدو أن عمر الاخبار الجيدة قصير في غزة, فبعد عودة رئيس الوزراء اسماعيل هنية من لقاء الرئيس المصري محمد مرسي نهاية الشهر الماضي شاعت اجواء من التفاؤل بحدوث اختراق للحصار المفروض على قطاع غزة منذ 6 سنوات, يتلخص في تسهيلات جديدة على معبر رفح, منطقة تجارية حرة, وتحسين في القدرة الانتاجية للكهرباء ام الازمات في القطاع.

لكن سرعان ما انقلبت الصورة امام هنية ومرسي, فالأول وجد نفسه يعود للمربع الاول للحصار, بل ويدافع عن حكومته امام محاولات توريط غزة في المسئولية عن جريمة قتل الجنود المصريين في عملية الماسورة التي راح ضحيتها 16 جنديا مصريا الاثنين الماضي.

اما مرسي فانتقل الى مربع التهديد بالانتقام والرد على مرتكبي الجريمة مهما كانت هويتهم, بدلا من التفرغ لمشروع النهضة الذي اعتمد عليه برنامجه الانتخابي ووصل به الى قصر الرئاسة.

في هذه الاثناء كانت الاخبار السارة تتوارد الى قادة دولة الاحتلال.. نجاح الجيش واجهزة الاستخبارات (الاسرائيلية) في احباط الشق الاخر من العملية دون خسائر, تورط مصر وقيادتها الجديدة في دوامة عنف في سيناء تؤكد التحريض (الاسرائيلي) ضد هذه المنطقة, والمقاومة في غزة تواجه معضلة نتيجة علاقاتها المتشابكة مع "السيناوية" ومصادر استجلاب السلاح لمواجهة الاحتلال في حين يقوم اخرون باستغلاله لقتل الجنود المصريين.

قد تؤدي الحادثة الى تراجع دور مرسي لصالح العسكر واجهزة الامن فيما يتعلق بالملف الفلسطيني والغزي تحديدا

وأمام هذه المعطيات تبدو تداعيات واثار عملية "الماسورة" على غزة مرتبطة بسيناريوهين:

السيناريو الاول: وهو الاسوأ في ظل محاولات توريط غزة بشكل مباشر خصوصا اذا ثبت وجود أي عنصر من غزة بين قتلى المهاجمين او معتقلين, او بطريقة غير مباشرة من خلال ربط البيئة الامنية في سيناء بالواقع المفروض على غزة وهو ما تسعى دولة الاحتلال وامريكا لتحقيقه وهنا يمكن الاستدلال برؤية الخبيرين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى روبرت ساتلوف و إريك تراغر الذين يعتبران أن هذه هي اللحظة المناسبة للحوار الخاص والقوي مع مرسي لإبلاغه بأن القائد المسؤول -الذي يريد تأييداً دولياً لدعم اقتصاده المترنح- لا يمكنه أن يلعب ألعاباً طفولية تلبي أسوأ غرائز الرأي العام المصري.

ويضيفا: في الواقع إن أي جهد جاد لمنع تسلل الإرهابيين إلى سيناء يتطلب تنسيقاً مع (إسرائيل)، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل بيئة تشوّه الرأي العام، حتى وإن لم يتم الإعلان عن ذلك التنسيق.

ووفق الخبيرين ينبغي على صناع السياسة الأمريكيين أن يؤكدوا للجيش المصري مجدداً أن واشنطن ترى حفظ الأمن في سيناء كجانب أساسي من السلام المصري (الإسرائيلي)، وأن استمرار الدعم العسكري الهائل يعتمد على بذل جهود صادقة لتعيين الأفراد المناسبين وتخصيص الموارد للقيام بهذه المهمة.

من ناحية أخرى، اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن ما حصل يهدّد العلاقات المتنامية بين مصر وحركة «حماس»، في وقت رأت أن المتضرر الأكبر كان قطاع غزة الذي دخل في الحصار مرة أخرى بعد إغلاق المعبر التجاري الوحيد لديه مع مصر، وهو ما سلطت الضوء عليه صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» معتبرة أن هجوم سيناء عزل غزة عن العالم الخارجي، وأعاد إلى أهل القطاع ذكريات مريرة عن الحصار (الإسرائيلي) الذي حرمهم من أبسط احتياجاتهم الأساسية. ونقلت الصحيفة عن غزاويين عاديين شكواهم من إقفال المعابر، وخوفهم من عدم فتحها مرة أخرى، كما استبعادهم لإمكانية ضلوع «حماس» في الاعتداء.

على الصعيد المصري قد تؤدي الحادثة الى تراجع دور الرئيس مرسي لصالح العسكر واجهزة الامن فيما يتعلق بالملف الفلسطيني والغزي تحديدا، الامر الذي يعيد انتاج سياسات قديمة كانت تمارس في عهد النظام السباق من خلال توظيف نظرية الامن القومي المصري.

السيناريو الثاني: وعلى قاعدة "رب ضارة نافعة" فان الحادثة القاسية تعد اول واصعب اختبار يواجه الرئيس المصري المنتخب حديثا, وقد تنقلب محاولات لف الحبل حول رقبته من قبل خصومه لخنقه مبكرا, بحيث يثبت قدرته على المواجهة وتقديم الوجه الحازم والحاسم بعدما قدم الوجه الطيب, وذلك من خلال اتباع سياسة جديدة لا تحصر الحل للازمة الامنية في سيناء في المعالجة العسكرية فقط, وهي مناسبة لإجراء تغييرات مهمة سواء في التعاطي بإيجابية مع الملف السيناوي المهمل منذ التحرير, واعادة النظر في بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد بطريقة تسمح للقوات المصرية بالعمل دون قيود.

الحكومة الفلسطينية عرضت تشكيل لجنة امنية مشتركة لتجنيب غزة الاتهامات بتهاونها بملف الامن في سيناء

وفي هذا السياق ستنعكس هذه السياسة بشكل ايجابي على غزة باعتبار انها امتداد طبيعي للامن القومي المصري وسيناء على وجه الخصوص وانه يجب انهاء الحصار لتفكيك عناصر التوتير في المنطقة, والاستفادة من غزة في اطار مشروع تنمية سيناء عبر مشاريع اقتصادية مثل منطقة التجارة الحرة وتفعيل دور ميناء السويس ومطار العريش, الامر الذي سيحجم الانفاق بشكل كبير ويشيع اجواء اكثر امنا.

كما ان الحادثة قد ترفع مستوى التعاون الامني بين الاجهزة الامنية المصرية والفلسطينية في غزة لمواجهة المخاطر الامنية التي تواجه الجانبين خصوصا وان غزة ايضا خاضت مواجهة مع العناصر المنحرفة فكريا وصلت حد الصدام المسلح كما حدث في واقعة مسجد ابن تيمية في رفح في اغسطس 2009 او لدى مطاردة قتلة المتضامن الايطالي فيتوريو أريغوني في ابريل 2011.

وقدمت الحكومة في غزة خلال اتصالات رئيس الوزراء عرضا في هذا الصدد يتضمن تشكيل لجنة امنية مشتركة ما يمكن ان يضع العلاقة الامنية بين الجانبين في اطار رسمي يجنب غزة الاتهامات بتهاونها بملف الامن في سيناء.

يذكر ان لدى جهاز المخابرات والجيش المصري تجربة ايجابية في هذا الاطار حيث سيطرت الاجهزة الامنية في غزة على الحدود بين القطاع ومصر خلال الايام الاولى لثورة يناير في ظل انهيار المنظومة الشرطية المصرية في تلك الفترة.

كما جرى في اكثر من مناسبة التنسيق بين الجانبين لضبط الحركة عبر الانفاق لدى وقوع حوادث في الجانب المصري.

على اية حال تداعيات العملية في رفح تفرض على الحكومة والاجهزة الامنية في غزة استخلاص العبر والعظات ايضا واعادة تقييم الرؤية الامنية مع بعض العناصر والمجموعات التي قد تسيئ للشعب الفلسطيني وصورة المقاومة, وتبدأ برسم خارطة امنية جديدة لا تقتصر على قطاع غزة, لأنه حتى وان ثبت عدم تورط عناصر فلسطينية في حادثة الماسورة فإننا يجب ان نكون مستعدين لأي تطورات في الجانب الاخر, الذي بات من الاهمية للمصلحة الفلسطينية وان أي اخفاق امني في غزة سندفع ثمنه اكثر من مرة.