الثلاثاء، 12 تموز، 2022
يمرُّ عيد الأضحى هذا العام على مُخيّمات
اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزّة واللاجئ الفلسطيني في هذه المُخيّمات ليس بأفضل
حال، ربمّا كان هذا هو الوضع القائم كذلك خلال
الأعوام السابقة، لكنّ الجديد هذا العام هو موجة الغلاء الفاحش التي طالت أسعار المواد
التموينيّة الأساسيّة ولعلّ أبرزها زيت القلي "السيرج" والطحين وارتفاع سعر
ربطة الخبز الجاهز التي تُباع في المخابز، وكل هذا إلى جانب الأوضاع الاقتصاديّة شبه
المنهارة في القطاع المحاصر منذ قرابة 16 عاماً.
دفعت هذه الأوضاع الاقتصاديّة اللاجئين
الفلسطينيين في القطاع لتغيير بعض عاداتهم وطقوسهم التي كانوا يمارسونها في الماضي،
سواء من ناحية شراء الأضحية لمن يستطيع وتوزيع حصصها على الفقراء والمعوزين داخل المُخيّمات،
أو من ناحية شراء بعض المشتريات المطلوبة كملابس الأطفال والحلويات، أو حتى توزيع العيديّة
على الأطفال والأقارب.
صور الأسواق الممتلئة خادعة
مهند الراعي، لاجئ فلسطيني في مُخيّم النصيرات
وسط قطاع غزّة يبيع ملابس أطفال على بسطة في المُخيّم، يوضّح لبوابة اللاجئين الفلسطينيين،
أنّ الأوضاع هذا العام أكثر سوءاً على اللاجئين في المُخيّم، خاصّة بعد موجة الغلاء
التي طالت كل شيء فبدّلت وغيّرت في أولويات الناس، "وبكل صراحة من يُشاهد الأسواق
يغرّه شكلها وهي ممتلئة بالنساء والرجال وكأن الحركة الشرائيّة في أحسن أحوالها، إلّا
أنّ هذه الصورة كاذبة وغير حقيقيّة إطلاقاً لأنّ غالبية من يأتون إلى السوق لا يشترون
وغالبيتهم يسأل عن الأسعار وفعلياً لا يشتري".
يُؤكَّد الراعي أنّ كل موسم عيد يأتي على
اللاجئين في المُخيّمات وخاصّة الباعة في الأسواق يكون أسوأ من ذي قبل، ويقول: هذا
ليس حديثي فقط، بل حديث غالبيّة أصحاب البسطات في أسواق المُخيّمات، إذ كنّا في المواسم
السابقة نبيع بشكلٍ جيّد في الأيّام العشرة التي تسبق العيد، أمّا اليوم فلم نبع سوى
ليومٍ واحد لضعف الحركة الشرائيّة، وحتى على صعيد الأضحية كان هناك العديد من المقتدرين
مادياً يذبحون الأضاحي ويوزعون علينا خلال عيد الأضحى، لا سيما وأنّ هناك فقراء لا
يأكلون اللحم إلا في بعض المواسم والأعياد، واليوم بفعل الوضع "السوداوي"
جاءني فقط "صرّة لحمة" واحدة من أهل الخير، مع العلم أنّه اليوم الأوّل في
عيد الأضحى الماضي جاءني أربع حُصَصْ أي 4 كيلو جرام في اليوم الأوّل فقط، ومنذ الصباح
استشعرت هذه الحالة عندما عدت من صلاة العيد ولم أر الدماء في شوارع المُخيّم (دماء
الأضاحي التي تنتشر في الشوارع والأزقة طوال أيّام عيد الأضحى).
وبشأن العيديّة وصلة الأرحام، يقول الراعي:
إنّ لديه ستّة من الأخوات، ذهب لزيارتهن هذا العيد ولكن لم يعيدهن بفعل الأوضاع الاقتصاديّة
الصعبة.
وكالة "الأونروا" التي توزّع
مساعدات غذائيّة على اللاجئين بمعدّل أربع دوراتٍ في العام الواحد، أصبحت مساعدتها
لا تسد الحد الأدنى من احتياجات اللاجئين خاصّة بعد أن أصبحت "الكابونة"
الغذائيّة موحّدة.
في هذا الإطار يوضح اللاجئ الفلسطيني في
مُخيّم الشاطئ غرب مدينة غزّة منير أبو شهلا، أنّ "كابونة" وكالة الغوث أصبحت
هامة أكثر من أي وقتٍ مضى في ظل جنون الأسعار، ولكن هذه المساعدة قليلة جداً ولا تكفي
لشيء خاصّة بعد عملية توحيدها.
تراجع في توزيع الأضاحي على الفقراء
ويُشير أبو شهلا إلى أنّ عيد الأضحى من
المفترض أن يكون للأضاحي وزيارة الأرحام، لكنّه في هذا العيد لم يصله أي "حصّة"
أضحية مقارنة مع عيد الأضحى السابق، يقول: وضع المُخيّمات في غزّة لا يخفى على أحد،
فقر وبطالة وحرمان من أبسط حقوق الحياة، في الماضي كان بعض الميسورين مادياً يذبحون
الأضاحي في المُخيّم وكنّا نعيش أجواء عيد الأضحى بمعنى الكلمة، لكن اليوم يشعر الإنسان
أنّ العيد كأي يومٍ آخر، أنا لم يأتني "لحمة" مثل العيد الماضي الذي جاءني
فيه 10 كيلو جرام من لحوم الأضاحي، هذا كله بسبب الوضع الاقتصادي السيء.
أبو شهلا لديه خمسة أطفال منهم من البنات
أربعة، يلفت إلى أنّه لم يشتري لهن أي ملابس جديدة هذا العيد بل ارتدين ملابس العيد
الماضي لأنه لا يقوى على توفير ثمن ملابس جديدة على حد تعبيره، "حتى خواتي رحت
عليهن وما عيدتهن، الواحد بيشعر بنوع من العجز ولكن هن فاهمات انو الوضع صعب على الجميع
وبيقدرن الظروف".
ينشغل غالبيّة السكّان قبيل عيد الأضحى
بالتجهيز لهذا العيد من خلال شراء الضيافة للزائرين، يُتابع أبو شهلا: لمّا كان الوضع
المادي منيح كنّا نشتري حلويات ومكسرات وكعك ومعمول من أجل الضيوف، ولكن في هذا العيد
اشتريت "فستق عادي" غير جاهز للأكل وطلبت من زوجتي تحميصه وتجهيزه في البيت
حتى يسد الحاجة ونستقبل الزائرين بما توفّر لدينا.
الانقسام الفلسطيني أساس كل شيء
وبالانتقال من مخيم الشاطئ إلى مخيم البريج
للاجئين الفلسطينيين، يقول المختار أبو سلامة النباهين لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:
إنّ هناك انخفاضاً كبيراً في الإقبال على الأسواق من قِبل اللاجئين في المُخيّم لا
سيما مع حالة التأخير في رواتب الموظفين في غزة والضفة أو حتى في صرف مخصصات الشؤون
الاجتماعيّة التي يعتمد عليها الفقراء بشكلٍ أساسي، وبكل صراحة وضع الأسواق مبكٍ ومحزن
ولا يمكن أن نضع اللوم على طرفٍ ونترك آخر، لأنّ المسؤوليّة ملقاة على الجميع والكل
مقصّر في خدمة ومساعدة اللاجئين الفلسطينيين.
ويرى النباهين أنّ المشكلة بالأساس هي مشكلة
فلسطينيّة داخليّة، بمعنى أنّ الانقسام الفلسطيني ألقى بظلاله على كل شيء، وهذا يُضاف
إلى جانب تقصير وكالة "الأونروا" التي تنفّذ وتطبّق تقليصات بشكلٍ يومي من
خدماتها التي هي بالأساس حق للاجئين وليس منةً منها، "وهذه الوكالة دون ضغطٍ حقيقيٍ
من جهةٍ مسؤولة كدائرةِ شؤون اللاجئين الفلسطينيين التابعة لمنظمة التحرير مثلاً، فلن
يتغيّر شيء بالنسبة للاجئ الفلسطيني بل ستُصبح أوضاعنا في المُخيّمات أكثر سوءاً لأنّ
الهدف على ما يبدو هو تجويع اللاجئ ودفعه للبحث عن كسرة الخبز من أجل تحويل قضيته السياسيّة
الأساسيّة إلى قضيةٍ إنسانيةٍ بحتة حتى ينشغل عن المطالبة في حقّه بالعودة إلى وطنه،
وهذا ما كنّا نحذّر منه دائماً في كل اعتصاماتنا السابقة أمام مقرات وكالة الأونروا".
يُشار إلى أنّه وفي ظل حالة اليأس الناجمة
عن تدهور الأوضاع الاقتصاديّة بشكلٍ مستمر في قطاع غزّة، إلّا أنّ الأمل باقٍ في نفوس
اللاجئين، فمثلاً ازدادت في السنوات الأخيرة مشاريع الأضاحي الخيريّة من خلال تبرّعاتٍ
يقدّمها بعض اللاجئين ميسوري الحال ورجال الأعمال الفلسطينيين في الخارج، إذ يُرسلون
مبلغاً من المال لأقاربهم أو لجهةٍ مؤتمنةٍ في قطاع غزّة من أجل ذبح الأضاحي وتوزيع
لحومها على الفقراء والمعوزين في القطاع المحاصر.
المصدر: أحمد حسين- بوابة اللاجئين