غزة تنسى جراحها في يوم التبادل: كل فلسطيني شارك في الفرح
الأربعاء، 19 تشرين الأول، 2011
نسيت غزة جراحها وحصارها ومعاناتها أمس وخرجت عن بكرة أبيها محتفلة بتحرير الأسرى. لبست ثوباً جديداً بعدما اكتست سنوات بالسواد والتضحيات الكبيرة، وأعلنت اتحادها في الفرح. لم يكن هناك فرق أمس في غزة بين حماس والجهاد وفتح والشعبية.. فالكل الفلسطيني شارك في الفرح، ورمى خلف ظهره خلافات أكثر من ست سنين.
عرس غزة بدأ باكراً قبل أن يبزغ فجر يوم الصفقة، كان الناس يملأون شوارعها، والعائلات تزين منازلها، وذوو الأسرى لم يناموا، فقد انتظروا كثيراً أن يأتي الفرج والفرح، «لم ولن ننام»، قالت زوجة الأسير محمد العبد الحسني الذي تحرر في الصفقة بعد 27 عاما في الأسر.
في ساحة الكتيبة الأكبر في مدينة غزة ظل الفرح حليف وجوه من انتظروا يوماً الفرج، ، برغم انتظار وصول الأسرى أكثر من عشر ساعات.
لم تكن غزة أمس غزة التي نعرفها. لم تكن كعادتها. كل شيء تغير فيها. لم يظهر أي حصار فيها، ولم ينزعج أهلها. عاشت غزة أمس ساعات من أجمل أيامها، وربما لن تنساها مهما جرى.
انطلقت سيارات المواطنين في مواكب عفوية. وبرغم الازدحام الشديد في طرق غزة، إلا أن ذلك لم ينقلب مشكلة على السائقين. كتائب القسام وحدها مع بعض وحدات أمنية هي من حمت غزة أمس عندما نشرت كل عناصرها في الشارع، وبينما رفعت الحكومة المقالة درجة التأهب إلى القصوى.
كسر ما كان يعتقد أنه محرم. لسنوات لم يحتفل عناصر فتح في الشارع نتيجة الانقسام السياسي، لكنهم رفعوا أمس رايات وأعلام حركتهم إلى جانب أعلام ورايات حماس في مشهد أعاد للأذهان الحراك الشعبي لإنهاء الانقسام.
تزينت منصة الاستقبال بصور كل قادة الفصائل الذين لم تشملهم الصفقة: جمال أبو الهيجا، وأحمد سعدات، وعبد الله البرغوثي وإبراهيم حامد... ووقعت كتائب القسام عليها بعهد يؤكد أن تحريرهم لن يطول. وإلى جانبها كانت صورة ضخمة لشيخ حماس ومؤسسها الشهيد أحمد ياسين، وكلمته الشهيرة قبل سنوات طويلة بعهد الإفراج عن الأسرى غصبا عن إسرائيل.
وفي شوارع غزة كانت الحركة مشلولة بعيد الظهر، وقد طال انتظار الناس وصول الأسرى المفرج عنهم، وقد أسعفهم وجود عشرات الباعة المتجولين الذي حضروا أنفسهم للمناسبة جيدا، ورووا عطش مئات الآلاف الذين امتلأت بهم ساحة غزة.
أما مساجد غزة فكانت على الدوام تبث أناشيد حماسية للأسرى، وتكبيرات موحدة، احتفالا بالصفقة التي عدها الغزّيون إنجازا لصبرهم سنوات أسر جلعاد شاليت.
وبدأت أولى فعاليات الاحتفال المركزي بالأسرى بصعودهم إلى منصة التكريم الشاهقة التي جهّزتها حماس على مدار الأيام الماضية للاحتفال بهم. وألقى الأسير القسامي المحرر يحيى السنوار كلمة طالب فيها الفصائل ببذل كل الجهود لتحرير الأسرى الفلسطينيين من دنس الاحتلال، ووصف الصفقة التي توصلت إليها حماس مع إسرائيل بالانجاز الضخم.
ووجه السنوار دعوة خاصة لكتائب القسام للعمل على تبييض السجون رغم أنف الاحتلال الإسرائيلي. كما توجه بالشكر للقيادة السياسية والعسكرية للمقاومة التي نجحت في الصفقة.
من جهته، قال القيادي في حركة فتح عبد الله أبو سمهدانة إن تحرير الأسرى دين في رقبة كل الفلسطينيين، مباركاً جهود مفاوضي المقاومة الذي خاضوا مفاوضات شاقة، وأجبروا الاحتلال على النزول عن شروطهم.
وقال أبو سمهدانة «أيها الأسرى... إن تحريركم دين في رقابنا جميعا، لأنكم أنتم أشعلتم المقاومة فتحريركم واجب ديني ووطني»، مؤكداً أنه لا يمكن الوصول لعملية سلام، في الوقت الذي يقبع فيه الأسرى في سجون الاحتلال.
واعتبر رئيس الحكومة الفلسطينية المقال إسماعيل هنية أن صفقة تبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي نقطة تحول استراتيجي في طبيعة الصراع. مضيفاً «هذا يوم من أيام الله، الله صانع هذا النصر، ولا بد اليوم أن نزداد تواضعا وشكرا لله، لا بد أن نزداد قربا من الله، ولا بد أن نكون أكثر يقينا بأن من يكن الله معه فلن تستطيع قوة في الأرض أن تهزمه، أو تكسر إرادته وعزيمته».
وتابع «حملنا مئات الشهداء في الحرب، بل آلاف الشهداء على مدار سنوات، وهم يبحثون عن جلعاد شاليت، ولكن مضت الحرب وانكسر العدو، وظل شاليت في أيدي المجاهدين، وها نحن اليوم نصنع الانتصار».
وأشار إلى أن هذه الصفقة التي أبرمتها حماس «مصدر عز وفخر لهذا الشعب»، وقال: «حين عقدنا الصفقة التزمنا بأن تضم من مختلف القوى والشخصيات الفلسطينية من مختلف تيارات الحركة الأسيرة، ولم ننطلق في المفاوضات من رؤية خاصة أو حزبية، لكننا انطلقنا من موقع القيم الأخلاقية ووضعنا الخلاف خلف ظهورنا من أجل هؤلاء الأبطال».
وشدد على أن المفاوض الفلسطيني رفض أن يوقع على الاتفاقية وأن يخلف من وراءه ألوانا من ألوان الطيف السياسي، «فأبناء فتح كأبناء حماس وأبناء حماس كأبناء الجهاد الإسلامي، بل امتدت الصفقة في المعيار الوطني الإنساني إلى الإفراج عن أخ مناضل محكوم بثلاثة مؤبدات، وهو مسيحي يعيش داخل القدس المحتلة».
وأكمل «الصفقة لم تكن خاصة بأسرى غزة رغم أن غزة دفعت الثمن كل الثمن، وهو رخيص من أجل الله، ورخيص من أجل كرامة هذا الشعب ومن أجل حرية هؤلاء الأبطال، بل شملت غزة والضفة والقدس وأراضي 48 وامتدت إلى الجولان السوري».
المصدر: جريدة السفير