"فلسطين: شرعية
الامل" كتاب لمقرر حقوق الانسان السابق فولك
واشنطن- القدس دوت كوم-سعيد عريقات-
قال البرفسور ريتشارد فولك، أستاذ القانون الدولي المعروف في جامعة برينستون، الذي
عمل لمدة ستة أعوام (من 2008 وحتى 2014) كمقرر لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان
في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن "الحتمية التاريخية تؤكد أن الفلسطينيين
سينتصرون على الاحتلال الإسرائيلي، ففي كل مرة، وعبر التاريخ، حاولت القوى
الكولونيالية الاستيطانية القضاء على السكان الأصليين المقاومين بالوسائل المتعددة
كما هو الحال مع الفلسطينيين، لكن هذه القوى الكولينيالية فشلت ونجح السكان
الأصليون بسبب قدرتهم وطاقتهم على استيعاب الألم وأعباء الاحتلال في إطار
المقاومة".
واستشهد فولك بالحرب الأميركية
الفيتنامية التي ربحت فيها الولايات المتحدة كل المعارك تقريباً، وخسرت الحرب
"كون المواطنين الأصليين هم أبناء تلك الأرض، ويستحيل اقتلاعهم منها، وهو
المصير الذي ينتظر الصهيونية الكولونيالية".
واستبعد فولك قبول إسرائيل بحل
الدولتين على أساس حدود عام 1967 معتبراً "إن إسرائيل تحتاج لاتخاذ خطوتين
كبيرتين في هذا الاتجاه، وهما الإفراج عن المناضل الفلسطيني الأسير مروان برغوثي،
الذي يستطيع أن يخلق قاسماً مشتركاً عند الفلسطينيين (فتح وحماس) والقبول بالانسحاب
من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وفك الاستيطان، وهو ما لن تقبل به وفق
الموازين الدولية الحالية".
وقال فولك الذي كان يتحدث في الندوة
التي نظمها "مركز فلسطين للأبحاث" وهو مركز الفكر العربي الوحيد في
العاصمة الأميركية، للتحدث عن كتابه الجديد "فلسطين: شرعية الأمل"
الخميس: "إن عملي كمقرر لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي
الفلسطينية المحتلة بين مارس 2008-مارس 2014 للأراضي الفلسطينية المحتلة، جعلني
حاد الإحساس تجاه نضال الفلسطينيين من أجل الحقوق الإنسانية، وهم يواجهون محنة
الاحتلال بشكل يومي، كما قادني عملي للانخراط والتعامل مع العديد من الفلسطينيين
على مستويات عدة والذين أثبتوا أنهم فوق عاديين وقادرين على مواجهة المصاعب وعيش
حياتهم بروح حماسية ملهمة".
واوضح ان هذا المزيج من الانخراط مع
الفلسطينيين والإعجاب بهم وهم يناضلون في وجه "التشويه القذر المبرمج، هو ما
دفعني للاستمرار في القيام بمهمتي".
ويتناول كتاب "شرعية
الأمل" الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي، مراحل تطور النضال الفلسطيني منذ قيام
دولة إسرائيل وحتى اليوم وإلى إي مسار يتجه هذا النضال وما هي نتائجه المتوقعة.
وقسم البروفسور فولك تطور حركات
المقاومة الفلسطينية التي واكبها منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 إلى
أربعة أجزاء توضح بتماسك فكري وذهني كيف تابع "تطور نضال الفلسطينيين وسعيهم
وراء تحقيق أحلامهم في حق تقرير المصير والعدالة في الوقت الذي أوصدت فيه الأبواب
الأخرى في وجوههم، وكيف تفهم (الفلسطينيون) أن لا القانون الدولي، ولا الدبلوماسية
العالمية ولا الأمم المتحدة ولا العالم العربي ولا قدراتهم الذاتية العسكرية،
كفيلة بإنهاء الاحتلال" ولذلك، فإن (فولك) يستخدم تعبير "شرعية
النضال" في وصفه "للإستراتيجية الفلسطينية الكبرى في المقاومة من أجل
الحرية والتحرر، التي تقوم بالأساس على البعد والعمق الأخلاقي لعدالة القضية
الفلسطينية كما على القانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان" دون
اللجوء إلى العنف.
ويعتقد فولك أن المرحلة الأولى، كانت
مرحلة محاولة الدول العربية المجاورة لفلسطين، أولاً التصدي ومواجهة الجهود
الدبلوماسية المكثفة من أجل تقسيم فلسطين، وخلق إسرائيل في الأمم المتحدة، وعندما
فشلوا، لجاءوا لخيار الحرب وهو ما فشلوا به أيضا في وجه الآلة العسكرية الصهيونية
الحديثة والدعم الدولي، وهو ما أدى بهم (هذه الدول) للسعي لتكريس البعد القومي كجزء
من حركة مواجهة أوسع ضد الاستعمار وهو ما تجسد في مصر (الرئيس المصري السابق) جمال
عبد الناصر.
واعتبر فولك أن هذه المرحلة استمرت
حتى حرب 1967 (وفي جزء كبير منها حتى حرب 1973) التي "غيرت من مواقف
الأميركيين اليهود وموقف الولايات المتحدة، حيث بانت إسرائيل فجأة وكأنها لم تعد
عبئاً على الولايات المتحدة التي تعتبر النفط أول مصالحها، بل أصبحت ذات فائدة
إستراتجية في المفهوم الأمريكي".
أما المرحلة الثانية بحسب فولك،
فتتناول "مرحلة بروز حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة، التي ارتأت أن تحذو
حذو الثورات المسلحة في العالم مثل فيتنام، ولكنها واجهت الوصف بالإرهاب والآلة
العسكرية الإسرائيلية بالغة القوة دون أن يكون لها سند حقيقي" كما واجهت
الاقتلاع والنزوح أولاً من الأردن ثم من لبنان، وتشتت في أماكن عدة، وتعرضت
القيادات الفلسطينية للملاحقة والاغتيال في آماكن عدة، خاصة وأن إسرائيل تمكنت من
وصم منظمة التحرير الفلسطينية بأنها "إرهابية" بمساعدة الولايات المتحدة
على وجه التحديد.
وتشمل هذه المرحلة "الانتفاضة
الأولى (1988) التي أثبتت أن بمقدور الشعب القابع تحت الاحتلال أن يتحرك دون أن
يكون له دولة، دون أن يأتمر لأحد، حيث وصل الاحتلال وضعاً لا يطاق من التعنت
وانتهاك الحقوق وسلب الأراضي" كما تتناول بيان الاستقلال الذي أعلنه المجلس
الوطني الفلسطيني في نوفمبر 1988، حيث قبلت منظمة التحرير لأول مرة بالاعتراف
بإسرائيل، والقبول بقيام دولة فلسطينية صغيرة على 22% من فلسطين التاريخية، وهي الخطوة
التي اعتبرها فولك "قفزة كبيرة لم تعيرها إسرائيل ولا الولايات المتحدة
الاهتمام اللائق، بل أمعنت إسرائيل في تعنتها وقمعها للفلسطينيين، مما أجهز على
هذه المبادرة، وأظهر عجز وفشل القيادة الفلسطينية".
أما المرحلة الثالثة، فقد تجلت في
اتفاق أوسلو عام 1993 حيث حاول الفلسطينيون تحقيق أهدافهم "في تقرير المصير
وإنهاء الاحتلال" من خلال الاتفاق ومن خلال الوصاية الأميركية "وهو ما
عبر عن حالة الوهن والسذاجة التي ألمت بالقيادة الفلسطينية، وسمحت للاحتلال
الإسرائيلي بالسيطرة على مصادر المياه، وتوسيع الاستيطان كما لم يتخيله أحد، ومكنت
إسرائيل من بناء جدار الفصل العنصري دون سؤال، وأوصلت الوضع الفلسطيني لحالة
الانفجار الذي جاء على شكل الانتفاضة الثانية" والذي أدى بدوره "إلى
تبادل الرسائل بين الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس وزراء إسرائيل (آنذاك) شارون
والتي وثقت لأول مرة ضرورة الإبقاء على الكتل الاستيطانية في القدس والضفة
الغربية، بتبادل مساو للفلسطينيين ربما في صحراء النقب".
ودان فولك الأسلوب الأميركي في
التعامل مع الفلسطينيين الذي "يرى في المفاوضات وسائل متجددة للمقايضة
المستمرة، في محاولته فرض سلام يلائم إسرائيل ولا يقوم على أساس الحقوق الشرعية
والقانون الدولي".
ويعتقد فولك أن المرحلة الرابعة، وهي
المرحلة التي تتبلور حالياً، والتي وصفها فولك بالمرحلة الحاسمة هي "مرحلة
المجتمع المدني" وتكريس المقاطعة وملاحقة الجرائم الإسرائيلية "كون أن
المجتمع المدني يستطيع تحقيق الكثير من حماية القانون الدولي وتعزيز حركة التضامن
العالمية مع الفلسطينيين التي تتسع وتنمو يومياً".
وفي معرض رده على سؤال القدس دوت
كوم، عن جدوى الانضمام "لبرتوكول روما" أو المحكمة الجنائية الدولية،
قال فولك: "لا بد من أن تستمر هذه الجهود حتى ولو كنا نعرف تماماً أنها قد لا
تتوج بالنجاح، أو ستواجه بالنقض الأميركي، كنوها تعمل على تعرية إسرائيل وجرائمها
ضد الإنسانية، وهو ما يعزز التضامن مع النضال الفلسطيني".
و قال فولك انه استخدم مصطلح
"شرعية الامل" واختاره بعد تفكير "بدلاً من استخدام كلمة القانوني،
من أجل ضم الزخم الأخلاقي لعدالة القضية الفلسطينية، خاصة وأن هناك في القانون
الدولي ما قد يتغاضى عن أبعاد أخلاقية لهذا النضال".