الجمعة، 18 آب، 2023
عبر هجرات متعددة منذ الحرب العالمية الأولى
وصل آلاف الفلسطينيين إلى دول أميركا اللاتينية ونجحوا مع مرور السنين على تحقيق
حضور متميز، دون أن يغيب عنهم هم قضيتهم الوطنية رغم البعد الجغرافي.
ومع أوضاع الوطن وتطوراته الميدانية تنبض قلوب
الفلسطينيين وطنية وحرية، ويتفاعلون مع ما يجري عبر فعاليات ولقاءات وحراك مؤثر
نجح في إحداث تحولات في مواقف العديد من تلك الدول لجهة نصرة الحق الفلسطيني؛ رغم
التخاذل والتقوقع الذي غلف عمل السفارات والمؤسسات الرسمية للسلطة والمنظمة.
الواقع والتحديات
رئيس الجمعية الفلسطينية بالسلفادور، سمعان
صفدي خوري، وهو فلسطيني تعود جذوره إلى صفد، ومقيم في السلفادور منذ 43 عاما تحدث عن
واقع الفلسطينيين في أميركا اللاتينية والتحديات التي تواجههم.
وأشار خوري -الذي يرأس الهيئة العامة للمؤتمر
الشعبي لفلسطينيي الخارج- إلى أن الوجود الفلسطيني في دول أميركا اللاتينية يعود
إلى هجرات قديمة من القرن العشرين، كما أن هناك هجرة جديدة أغلبهم شباب من رام
الله وصلوا البلد واشتروا أراضي وحققوا حضورا مهما.
وعانى
الفلسطينيون -وفق خوري- في بداية الهجرة الفلسطينية إلى أمريكا اللاتينية، على
مدار سنوات طويلة من العنصرية ومن الديكتاتوريات إلى أن أثبتوا وجودهم عبر الجهد
والجد والعمل، فأضحى الفلسطيني واحدًا من أبناء البلد، وتقلّدَ العديد من المناصب
والمراكز العليا.
ووفق دراسة عن الفلسطينيين في أميركا اللاتينية
نشرتها بوابة اللاجئين الفلسطينيين في مارس 2022، تعود بداية هجرة الفلسطينيين إلى
أمريكا اللاتينية إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت متداخلة آنذاك مع
هجرة السوريين واللبنانيين، أي أنها كانت ضمن الهجرات القادمة من عموم بلاد الشام
باتجاه العالم الجديد، والتي لعبت فيها المصالح الاقتصادية والتطلعات نحو فرص
استثمارية دورا أساسيا، بجانب الظروف الاجتماعية والمعيشية السائدة في حينه.
وأشارت الدراسة إلى أن الموجات التالية من
الهجرة ارتبطت بالظروف السياسية والاقتصادية، وكان معظم المهاجرين من أبناء بيت
لحم، وبي جالا، وبيت ساحور، ومن بعض المناطق الأخرى.
ويؤكد خوري أنّ الجاليات الفلسطينية في أمريكا
اللاتينية تُواجه بعض التحديات، كما باقي القارات، وهي تختلف من دولة إلى أخرى،
مبينا أنّ الدول الموالية للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، دائمًا ما تحاول
الضغط على الجاليات الفلسطينية لدعم الرواية الصهيونية، إلى جانب وجود لوبي صهيوني
قوي يملك الكثير من الإمكانيات والتأثير.
وأشار إلى وجود انقسام بين الجاليات؛ بسبب
مواقف السلطة والسفارات التي تحابي من هو في ركبها، ومناقضتها لمن يحمل مواقف
مبدئية من تأييد المقاومة ومناهضة التطبيع والتنسيق الأمني.
ووفق خوري؛ هناك تحديات أخرى متعلقة بالبعد
الجغرافي بين فلسطين وجالياتها في دول أمريكا اللاتينية، والافتقاد إلى من ينطق
بالعربية.
وقال: عندما جاء الفلسطينيون لأميركا اللاتينية
واجهوا نوعا من الرفض والتجريم من البرجوازية وكانوا يعاملوننا كنوعيات بشرية ليست
بمستواهم فكان هناك خوف وتقوقع ولكن نجح الفلسطينيون في أن يفرضوا احتراما وحضورا
فأصبح لديهم أكبر مصانع النسيج وعملوا في النصاعة والتجارة والفن واليوم هناك عدد
كبير من الأطباء، وفي بعض هذه الدول هناك رؤساء من أصول فلسطينية.
وأشار إلى وجود تأثير لأعضاء الجالية في بعض
هذه الدول، مبينا أن التأثير حسب الدولة وحسب نظام الحكم.
وقال: لدينا قضية عادلة إنسانية ندافع عنها وأي
دولة مقتنعة بحقوقنا نحن معها ونحن دائما مع من يدعم القضية.
إحصائية
ومع مرور الوقت تزايدت أعداد الفلسطينيين في
أميركا اللاتينية، التي باتت تضم ثاني أكبر تجمع لعدد الفلسطينيين في خارج فلسطين.
ووفق التعداد الذي أجراه ونشر نتائجه الجهاز
المركزي للإحصاء الفلسطيني في العام 2019 حول أعداد الفلسطينيين في العالم وبلغ 15.3
مليون نسمة، فإن عدد الفلسطينيين القاطنين في بلدان أمريكا اللاتينية يبلغ 821 ألف
و800 نسمة، وضمن هذا المجموع فإن الكتلة البشرية الفلسطينية الأكبر خارج الوطن
العربي والثانية خارج فلسطين بعد الأردن، هي تلك الموجودة في تشيلي ويقدر عددها
بنصف مليون نسمة.
تنوع وحضور
ويؤكد خوري أن الفلسطينيين يعيشون بديمقراطية
في دول أمريكا اللاتينية ويتقاسمون فيها جميع الواجبات والحقوق كجزء من أبناء
البلد، محافظين في الوقت نفسه على انتمائهم لفلسطين التي تنبض قلوبهم وعقولهم
بحبها، ويتفاعلون مع ما يجري فيها.
ويشير إلى تنوع الوجود فلسطيني في أميركا
اللاتينية من دولة إلى أخرى وأنهم لا يزالون يحافظون على العادات والتقاليد
وأقاموا المؤسسات التي بات لها حضور كبير ومميز في البلد.
وقال: في السلفادور لدينا نادي عربي تيمنا
بقوميتنا، كما أسست الجمعية الفلسطينية السلفادورية وهي تنظم نشاطات ثقافية
واجتماعية وحملات غذائية، وتحرص على إحياء التراث الفلسطيني عبر الأكلات العربية
والأغاني والهوية الفلسطينية العربية عموما.
ورغم اختلاف الوقت والزمان والتباعد الجغرافي،
يحافظ الفلسطينيون على هويتهم وتقاليدهم، وفق خوري، الذي أشار إلى وجود معالم تحمل
اسم فلسطين ورموزها، مثل ميدان ياسر عرفات، وميدان فلسطين، مضيفا: بكل فخر أقيموا
بواسطة المؤسسة الفلسطينية.
وأشار إلى أن الجالية أصدرت العديد من الكتب
ومجلة أصول التي استمرت من 2009 حتى 2020 وتوقفت بسبب الجائحة.
متحف فلسطيني
وكشف أنه يجري في السلفادور بناء أول متحف
فلسطيني في أميركا اللاتينية، حاثا الجميع على المساهمة في هذا الحدث عبر المساعدة
في توفير بعض الآثار والملابس التراثية التي تبقي الأجيال مرتبطة بقضيتها ووطنها
ويعطي لأهل البلد صورة عن الوطن في محطاته المختلفة.
وقال: يأتي المتحف رغبة منا في الاهتمام
المستمر بتراثنا ونقله للأجيال القادمة خاصة مع البعد الجغرافي واختلاف اللغة.
ويبدي خوري فخره بما حققه أبناء الجاليات
الفلسطينية الذين تمكّنوا من الوصول إلى جميع المراكز، والمهن والأعمال، فهناك
السياسي والطبيب المتميز والفنان والتاجر والصانع والمثقف.
ولفت إلى أنّ الرئيس الحالي لجمهورية السلفادور
إضافة إلى رئيسين سابقين هم من أصول فلسطينية، فضلا عن وجود الكثير من أبناء
الجاليات الفلسطينية في البرلمانات والوزارات في دول أمريكا اللاتينية.
وأشار إلى تمسكهم بالتقويم الفلسطيني للأحداث
والوقائع، سواء النكبات أو الانتصارات، وأنهم ينظمون المهرجانات المختلفة في دول
تواجدهم، والتي تُبرز عاداتنا، وتراثنا الفلسطيني ومأكولاتنا الوطنية، وهو سلاح
أثبت جدواه ونجاعته في زيادة تضامن أهل البلاد الأصليين.
تحولات
ويستعرض عبد الحميد صيام، المحاضر في مركز
دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي جملة تحولات مر بها الفلسطينيون
في أميركا اللاتينية مشيرًا إلى أن تشيلي جذبت أكثر المهاجرين الفلسطينيين، الذين
بدؤوا حياتهم باعة متجولين، ثم انتهى الأمر بهم ليصبحوا من كبار الصناعيين وأصحاب
البنوك وخطوط التجارة الدولية.
وأشار صيام في مقال له أن علاقة المهاجرين
الفلسطينيين بالوطن الأم فلسطين تراجعت بعد وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني،
حيث لم تعد العودة حينها إلى فلسطين سهلة.
وقال: بدأ الفلسطينيون ينظمون أنفسهم، خاصة
الجيل الثاني والثالث الذين فقدوا القدرة على التحدث بالعربية، لكنهم ظلوا يتابعون
أخبار الوطن، وأصدروا صحفا محلية تعنى بشؤون البلاد مثل جريدة «إصلاح» في تشيلي
باللغة الإسبانية بين عامي 1930 و1942 وأنشئت النوادي الرياضية والروابط الوطنية،
بل أنشئت رابطة تجمع بين فلسطينيي تشيلي وكولمبيا والأرجنتين والسلفادور وهندوراس.
ويشير إلى أنه في أعقاب هزيمة 1967 وصعود حركات
المقاومة في حينه، بدأ الشعب الفلسطيني في المهاجر يعود من الغياب والضياع ووجد في
المنظمة الخيمة الجامعة لأطيافه وفصائله وأحزابه ونقاباته واتحاداته كافة.
وقال: تأثرت الجاليات الفلسطينية في أمريكا
اللاتينية بمجازر صبرا وشاتيلا عام 1982، حيث عززت الوحدة بينها وعقدوا لأول مرة
مؤتمرا في ساوباولو بالبرازيل عام 1984 وانتخبوا 11 شخصا لتمثيل فلسطينيي أمريكا
اللاتينية في المجلس الوطني الفلسطيني.
الانتفاضة تعزز الانتماء
كما تعزز انتماء الفلسطينيين في أمريكا
اللاتينية للقضية الفلسطينية أكثر -وفق صيام- بعد الانتفاضة الأولى عام 1987، التي
شعر الفلسطينيون في الخارج بأنهم ينتمون إليها، وأنهم جزء من الانتفاضة.
ووفق صيام؛ لعبت الجاليات الفلسطينية في أمريكا
اللاتينية دورا أساسيا في الضغط على الحكومات المحلية للاعتراف بدولة فلسطين وفتح
سفارات، أو ممثليات لها في معظم هذه الدول، كما انخرط الكثيرون منهم في السياسة
المحلية وأصبح منهم الرؤساء والوزراء والسفراء. كما أصبحت الجاليات الآن من أكبر
مناصري برنامج المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات المعروف بـ(BDS).
الخلاف مع السلطة
ومع عودة حضور الفلسطينيين في أميركا اللاتينية
وتأثيرهم في المشهد العام في تلك البلدان جاء انخراط حركة فتح في مشروع التسوية
وتأسيس السلطة الفلسطينية التي أعقبها تفريغ منظمة التحرير من مضمونها الذي تأسست
من أجله.
ويوضح خوري في حديثه كيف تراجع دور الهياكل
التابعة للمنظمة بما في ذلك السفارات والاتحاد الفيدرالي الفلسطيني الذي أنشأته
دائرة المغتربين التي تم ضمها لاحقا لوزارة الخارجية في السلطة، مشيرًا إلى أن هذا
الاتحاد بقي من عام 1982 حتى الآن جسد ميت كباقي دوائر منظمة التحرير.
وقال: كان هناك انقسام في الجالية، طلبنا أن
تكون الإدارة لكل دولة حق مماثل للأخرى في تمثيل هذه الجالية، ولكن دائما كان هناك
رفض وتعيينات لمن تريده دائرة المغتربين ويحمل وجهة نظر السلطة.
توقف نشاط المنظمة
ويؤكد خافير أبو عيد -ناشط جماهيري في أمريكا
اللاتينية، ومتطوع في مركز بديل- توقف نشاط منظمة التحرير الفلسطينية بعد توقيع
اتفاقيات أوسلو؛ وأصبح هناك انقسام واضح بين المركز والشتات، إضافة إلى تهميش
العمل السياسي في الخارج.
وقال أبو عيد في مقالة له: بالنسبة للجاليات
الفلسطينية في أمريكا اللاتينية؛ مثلت اتفاقيات أوسلو نهاية 30 عاما من الفعل
السياسي والاجتماعي والثقافي من العمل في، وإلى جانب، منظمة التحرير الفلسطينية.
ووفق أبو عيد؛ فمع تغير الاتجاهات السياسية،
وضعف منظمة التحرير الفلسطينية، وغياب أي نوع من الإستراتيجية أو السياسة الواضحة
بشان الشتات الفلسطيني؛ سواء من رام الله أو من تونس؛ أدركت الجاليات الفلسطينية
في أمريكا اللاتينية واجبها القاضي بضرورة النهوض، وإن ببطء، وأن تعيد تنظيم
نفسها؛ بما في ذلك تنشيط المجموعات الشبابية والثقافية.
اتحاد فلسطيني
وأمام هذا الواقع، والحاجة إلى وجود جسم
فلسطيني فاعل، ولد عام الاتحاد الفلسطيني لأميركا اللاتينية رغم أنف السلطة، وفق
خوري، الذي قال: بكل أسف وخجل اتهمتنا السلطة بالخيانة وصنفتنا خارج القضية.
واستدرك: أقولها بصراحة نحن خارج إرادة السلطة،
لنا إيمان بفلسطين وإيمان بالمقاومة الفلسطينية، والطريق إلى التحرير ليس
بالمحادثات التي أدت إلى خسارة فلسطين كليا كما يحدث حاليا.
وأشار إلى أنه كان يرأس الاتحاد في دورته
السابقة، وجددت الإدارة بآلية ديمقراطية في مارس/آذار 2023 وحاليا رئيس الاتحاد
ريكاردو محرز من كولومبيا، وجهاد يوسف من فنزويلا نائبا للرئيس.
وقال: نعمل ما نستطيع بالتعاون مع الدول
المنتمية لهذا الاتحاد، هناك قرابة 11 دولة من أميركا اللاتينية لها مؤسسات تحت
راية الاتحاد، وهناك 22 مؤسسة فلسطينية منضمة للاتحاد الفلسطيني، وبالطبع من
المغضوب عليهم من السفراء والسلطة بالإضافة لتواجد عدد كبير من المثقفين والفنانين
والشخصيات والقامات الوطنية.
الرد على سيموتريتش من كولمبيا
ويشير صيام إلى أن عقد مؤتمر الاتحاد الفلسطيني
لأمريكا اللاتينية بمدينة برانْـكيـّا في شمال كولمبيا، تزامن مع تصريحات الصهيوني
الفاشي بتسلئيل سيموتريتش، بإنكار وجود الشعب الفلسطيني.
وقال: كم وجدت الرد بليغا على هذا المعتوه
عندما شاهدت أبناء الجيل الثالث والرابع والخامس من أبناء فلسطين في مهاجر أمريكا
اللاتينية، يقدمون الدبكات الفلسطينية ويحملون الأعلام الفلسطينية كأنهم من سكان
مخيم الدهيشة أو جنين أو بيت لحم.
وأضاف: أن يأتي أبناء الجيل الرابع والخامس
ويؤكدون انتماءهم لفلسطين، فهذا، لعمري، بشارة نصر آت لا ريب فيه، يوم نرى تفكيك
هذا الكيان العنصري البغيض، الذي أصبح خارج المنظومات الإنسانية جميعها، ولا يتصرف
كالبشر في عالم اليوم ووصلت نسبة المعارضة لمسلكياته غير الإنسانية مستويات غير
مسبوقة؟