الإثنين،
12 حزيران، 2023
بين
الانتماء لفلسطين، والمواطنة الأوروبية، يتشكل مزيج من التحديات والمخاوف في
مواجهة فلسطيني أوروبا، حاملي هم قضيتهم الوطنية والعاملين من أجلها في ساحة
مؤثرة، ومحكومة لسياسات منحازة غالبا للاحتلال الصهيوني.
وعلى
مدار سنوات من الوجود والخبرة، طوّر الفلسطينيون في الساحة الأوروبية ديناميكيات
عمل، وانخرطوا في فعاليات وأنشطة وعلاقات مع المجتمع الأوروبي، عابرين حقل ألغام؛
ليحققوا حضورًا للسردية الفلسطينية، ويملؤوا فراغًا ظهر بعد تأسيس السلطة
الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بناء على اتفاق أوسلو.
أعداد
ونشاطات
يشير
أمين أبو راشد، رئيس مؤتمر فلسطينيي أوروبا، إلى أنه مع انحسار دور منظمة التحرير
في أوروبا، وتراجع دور الاتحادات والهيئات التابعة لها، أصبح هناك حاجة لنشاط
فلسطيني فاعل في هذه الساحة، خاصة مع ازدياد أعداد الفلسطينيين، ومن هنا جاء
انطلاق أول مؤتمرات فلسطيني أوروبا.
الانحسار
التدريبي لمنظمة التحرير جاء بعد توقيع اتفاقية أوسلو (1993)، وتشكل السلطة التي
ركزت على العمل في الضفة وغزة، لتتراجع مساحات العمل في أوروبا، رغم وجود سفارات
وممثليات لكنها غالبا بلا فعل حقيقي، وفق المراقبين.
وتزايدت
أعداد الفلسطينيين في أوروبا – وفق حديث أبو راشد على وقع الأزمات التي ألمت
بالعديد من الدول العربية لا سيما في سوريا ولبنان، وكذلك الاعتبارات السياسية في
بعض دول الخليج، حتى أصبحت الساحة الأوروبية من أكثر من الساحات للعنصر الفلسطيني
القريب من الوطن في الذاكرة والمسافة.
ويعود
الحضور الفلسطيني في أوروبا، لموجات هجرة بدأت بعد نكسة 1967، وأحداث أيلول الأسود
عام 1970، بالإضافة إلى الحرب الأهلية في لبنان (1975-1989) ومجزرة صبرا وشتيلا، ولاحقا
عقب توقيع اتفاقية أوسلو، ثم حدثت موجات هجرة حديثة نسبيا بسبب الحرب والأحداث في
سوريا وما ألم بالمخيمات هناك، وكذلك الأزمات الاقتصادية في لبنان، والوضع السياسي
في دول الخليج.
ويؤكد
أبو راشد أنه مع تراجع النشاط الفلسطيني في الساحات العربية بما في ذلك في دول
الخليج وسوريا أصبحت الساحة الأوروبية رقم 1 في التفاعل مع الساحة الفلسطينية.
ويرجع
ذلك -وفق أبو راشد- إلى العدد الكبير للفلسطينيين، ووجود جمعيات ومؤسسات فاعلة
وكذلك عقد مؤتمرات متخصصة، باتت تؤدي دورًا أساسيًّا في إسناد الحالة الفلسطينية.
ولا
يوجد إحصاء رسمي لأعداد الفلسطينيين في أوروبا، ففي حين قدر الجهاز المركزي
للإحصاء الفلسطيني عام 2019، عدد الفلسطينيين بأوروبا بنحو 293 ألفا و800 فلسطيني،
تشير تقديرات أخرى إلى أن العدد اليوم أكبر من ذلك ويتراوح بين 800 ألف إلى مليون
شخص، وفق رئيس مؤتمر فلسطينيي أوروبا.
مؤتمر
فلسطينيي أوروبا .. أيقونة للعمل الفلسطيني
ومثلت
انطلاقة أول مؤتمر فلسطينيي أوروبا عام 2003 أيقونة للعمل الفلسطيني في أوروبا،
ونواة دفاع عن حق الفلسطينيين في العودة، إلى جانب جملة من الأهداف الأخرى، وهو ما
وضع العمل الفلسطيني أمام جملة من التحديات.
يقول
أبو راشد: هذا الحراك عمل على إرباك الاحتلال الذي أنفق ملايين الدولارات على
حملات لتلميع صورته فجاء هذا الحراك لينزع الشرعية عنه ويكشف وجهه الحقيقي للرأي
العام في أوروبا.
تفاعل
مع الحدث بفلسطين
ولمواجهة
هذه الحالة؛ لجأ الاحتلال إلى محاولة تشويه العاملين في الشأن الفلسطيني، وبدأ
يطلق اتهامات كاذبة بهدف عزل المجتمع الأوروبي عن هذه الشخصيات غير أن كل ذلك لم
ينجح واستمر العمل في التوسع، وفق أبو راشد.
وارتباطًا
بما يجري في فلسطين، كانت الساحة الأوروبية تشهد تفاعلا متصاعدًا من الفلسطينيين
يوازي ذلك تحريضًا إضافيا من اللوبي الصهيوني.
فخلال
هبة القدس (2021)، أحصت الجهات الفلسطينية في أوروبا 500 نشاط خلال 3 أسابيع
تناغمت مع ما يحدث في فلسطين.
ويؤكد
أبو راشد أن اللوبي الصهيوني فشل في وقف هذا العمل المؤسساتي، ونشاط الشخصيات
المنخرط في عمل قانوني وشراكات مع مؤسسات أوروبية، مبينًا أن ذلك أقلق الاحتلال
كثيرًا؛ لذلك استمر في تشويه العاملين وبذل جهدا لضمهم لقوائم الإرهاب.
وقال:
اليوم نحن نشعر أنا أنصار فلسطين في تزايد وأنصار إسرائيل في تراجع بأوروبا،
عازيًا ذلك إلى 3 أسباب؛ صمود أهلنا في الداخل، والإمعان الإسرائيلي في الاعتداء
ضد الفلسطينيين، وبروز دور المؤسسات والمؤتمرات الفلسطينية في أوروبا التي تحولت
إلى سفير حقيقي.
أبرز
التحديات
وما
بين عاطفة الانتماء لفلسطين، والتضامن معها خصوصًا خلال تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية،
وبين الالتزام بالمعايير الأوروبية لحرية التعبير، مع وجود لوبي صهيوني حاضر دوما
بالتحريض والتهديد، يبرز أحد التحديات التي تواجه العمل التضامني الفلسطيني في
أوروبا.
وفي
غير مرة، لجأ اللوبي الصهيوني لتسجيل هتافات لناشطين فلسطينيين، خلال تظاهرات،
واستخدامها ضدهم في إطار التحريض والترهيب، كما حصل في فيينا عام 2021 حين سجّل
صهاينة بعض الهتافات بدعوى أنها "معادية للسامية” وترجموها وقدموها للشرطة
مستفيدين من القانون في البلد.
ورغم
الالتزام بالقوانين، إلاّ أن مساحة الحرية أمام العمل الفلسطيني تختلف من دولة
لأخرى، فبعض الدول والشخصيات تأثرت بحملات التحريض ووضعت قيودًا أمام العمل من أجل
فلسطين، ولاحقت العاملين ومؤسساتهم بتهم متعلقة بالإرهاب وتمويله، وكثيرًا ما كان
يتحول ذلك إلى معارك قانونية تنتهي بإسقاط كل هذه الاتهامات.
نجاحات
تزيد التحديات
ويعزو
المهندس محمد حنون، – أحد أبرز أعضاء الجالية الفلسطينية في إيطاليا- بروز
التحديات والمخاوف أمام العمل الفلسطيني في أوروبا، لعدة أسباب: أولها، أن الحراك
الفلسطيني في القارة الأوروبية أصبح أكثر تأثيرًا من ذي قبل.
وعلى
سبيل المثال، يوضح حنون أن مؤتمر فلسطيني أوروبا في مالمو (عقد 27 مايو الماضي)
حضره 20 ألف شخص، إلى جانب مؤتمرات وفعاليات مماثلة تعقد على مستوى القارة يحضرها
عشرات الآلاف، فهو حراك على المستوى الشعبي متألق وناجح، إلى جانب تحرك سياسي يحقق
نجاحات متعددة.
ومن
الناجحات اللافتة في أوروبا، انتشار ثقافة المقاطعة للاحتلال وبضائع مستوطناته،
وامتدت للشركات التي تزوده بالأسلحة والمعدات، وهي ثمرة جهد كبير بدأ بدعوات
فلسطينية عام 2005، وأصبح يلقى تجاوبا من جامعات وبلديات والعديد من الجهات في
أوروبا.
تراجع
السردية الإسرائيلية
ويرى
حنون أنه على المستوى الإعلامي أصبحت السردية الإسرائيلية في تراجع كبير، وعلى
المستوى الإغاثي والإنساني بات للقارة الأوروبي حضور كبير في إسناد الفلسطينيين
سواء في فلسطين أو سوريا أو لبنان.
ويذهب
إلى أن التحديات مرتبطة بالنتائج؛ فكلما زاد الأثر تزداد التحديات، ويزداد الضغط
من اللوبي الصهيوني ومن اللوبيات التي تخدم الكيان الصهيوني بهدف الضغط على هذه
الجهات لتخفيف التحرك.
التحدي
القانوني
وتمثل
الأبعاد القانونية، واحدة من أهم التحديات التي تواجه العمل الفلسطيني، نظرًا
للألغام التي نجح اللوبي الصهيوني في وضعها داخل قوانين الدول الأوروبية لمحاولة
محاصرة تمدد هذا العمل.
ويشير
حنون إلى أنه في السبعينيات كان الحديث عن الصهيونية حديث الساعة في أوروبا، أما
اليوم فأصبح الحديث عن الحركة الصهيونية في بعض الدول جريمة، وكل من يتهم الحركة
الصهيونية معرض للملاحقة، وبعض من يتحدث عن الأبارتهيد يتعرض للمحاكمة مثل ما حدث
في ألمانيا وفرنسا ضد حركة المقاطعة للاحتلال.
ومع
ذلك، يشير حنون إلى وجود نضج حاليا لدى الشخصيات الفلسطينية في الخطاب والحوار
والوسائل واللغة وأبجديات الحديث مع السياسيين؛ وهو ما أدى لاقتراب العديد من
السياسيين منهم للاستماع عن نشاطاتهم والمشاركة فيها.
التحريض
والتشويه
وتمثل
حملات التحريض والتهديد من اللوبي الصهيوني وأنصاره، ضد المنخرطين في العمل
الفلسطيني، وحتى مع مناصريهم الأوروبيين العامل الأبرز والمتكرر في الساحة
الأوروبية.
يقول
حنون: لا يوجد مؤتمر لفلسطين وإلا شنت عليه وسائل الإعلام الصهيوني حملات تحريض
قبل وأثناء وبعد، مبينًا أن ذلك يعني أن كل من يقترب من العمل للقضية الفلسطينية
عليه أن يتحمل تبعات وحملات وضغوط.
وبيّن
أن بعض الأحزاب والشخصيات والبرلمانيين لا يستطيعون تحمل تبعات هذا التحريض،
وبعضهم يضطر للتراجع، ومع ذلك ونظرًا لالتزامنا بعمل قانوني ومهني ومستند لخطاب
إنساني وحقوقي فإن مؤيدي ومناصري شعبنا في أوروبا في ازدياد.
وقال:
نحن نتحدث من قلب القارة الأوروبية، نستخدم لغة الآخرين، لغة المظلومية، لغة
المنطق والحوار والعقلانية، هناك تراجع عن لغة الخطاب القديمة، ولا نقبل للمشاركين
في مؤتمراتنا مهاجمة اليهود مثلا فمشكلتنا نحن كشعب فلسطيني ليست مع اليهود بل مع
الاحتلال الصهيوني لأرضنا.
وأضاف:
نتحدث عن عدوان الاحتلال الإسرائيلي، ونتحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني بسبب
السياسة الكولونيالية الإسرائيلية، مشددا على أن هذه اللغة صمام أمان لكل من يتحرك
بهذه المصطلحات.
تعزيز
السردية الفلسطينية
ويشير
عدنان أبو شقرة، الصحافي والناشط السياسي السويدي من أصل فلسطيني إلى التطور
الحاصل في الوجود الفلسطيني في أوروبا، مبينًا أن الساحة كانت خاضعة لسيطرة اللوبي
الصهيوني ومجموعات مناصرة فلسطين محدودة.
وقال
أبو شقرة جاء الوجود الفلسطيني الذي ازداد بفعل وصول أعداد كبيرة نتيجة الأوضاع
السياسية والحروب في البلاد العربية؛ ليعزز السردية الفلسطينية ويخلق حالة
فلسطينية جديدة.
وأشار
إلى أنه رغم عدم وجود جسم متكامل يتحدث عن فلسطينيي أوروبا، إلاّ أن هذا المجموع
الفلسطيني بدأ يكون فاعلا عند كل تصعيد أو عدوان أو حدث كبير، وهناك حضور لهذا
الوجود ومواكبة ومساعدات وقوافل.
ووفق
أبو شقرة؛ بدأ العمل يأخذ منحنيات جديدة وانخراطا في المجالات السياسية والإعلامية
والاقتصادية وبدأنا نلحظ أساتذة جامعات وشخصيات سياسية وإعلامية مرموقة يحملون
الهم الفلسطيني في أوروبا.
مؤتمر
فلسطينيي أوروبا
اللوبي
الصهيوني لم يعد لوحده، واليوم المجموع الأوروبي (الشعوب) الأكثر تعاطفا مع القضية
الفلسطينية، وفق الإعلامي أبو شقرة، مشيرًا إلى تأثير مؤتمرات مثل مؤتمر فلسطينيي
أوروبا في ضرب السردية الإسرائيلية التي كانت تقول الكبار يموتون والصغار ينسون،
ولكن الآن الصغار هم الأكثر اندفاعا.
مطلب
الجسم الممثل
ومن
التحديات التي تواجه فلسطينيي أوروبا، كيف يستطيعون تشكيل جسم موحد، وأن يكون لهم
تمثيل فلسطيني، هناك نصف مليون فلسطيني (وفق تقديره) هؤلاء ليسوا نكرات، وفق أبو
شقرة.
وقال:
نحن البداية لأي تجربة ديمقراطية فلسطينية، هذا ليس له علاقة بالحديث عن بديل
لمنظمة التحرير التي دفعنا آلاف الشهداء فيها وإنما المقصود تشكيلها على أساس سليم
ومعبر عن شعبنا ومكوناته وأماكن وجوده.
مواجهة
التحديات
ويتفق
الضالعون بالعمل الفلسطيني في أوروبا، أن مواجهة التحديات يكون باستمرار العمل
والانفتاح على المجتمع الأوروبي والالتزام بالمصطلحات والقوانين.
وفي
هذا الإطار يشير رئيس مؤتمر فلسطيني أوروبا، إلى اتخاذ المسار القانوني والقضائي،
لمواجهة حملات التضليل والتشويه، وعقد مؤتمرات صحفية توضيحية وعدم الرضوخ لحملات
الترهيب، بالتوازي مع فتح مسارات عمل وعلاقات مع العديد من الأحزاب والجهات في
أوروبا.
وقال:
اليوم لدينا تطلع إلى الجيل الثاني والثالث من الفلسطينيين في أوروبا، حيث هناك 13
لغة، وهناك انتماء لفلسطين ووصول لمواقع دبلوماسية ومهمة وبات هؤلاء يتحولون إلى
سفراء لنصرة قضيتهم.
أما
الإعلامي أبو شقرة، فيؤكد أهمية الوعي بالمصطلحات الصحيحة، والالتزام بالمعايير
القانونية، وتجنب الوقوع في فخ معاداة السامية، عبر بعض المفردات، والتمييز بين
الصهيوني واليهودي، مبينا أن القضية لها علاقة بالبعد السياسي.
وأكد
الحاجة للخروج من نمط التفكير التقليدي في مجتمعنا العربي إلى نمط التفكير
الأوروبي مثلا هناك مسلمات أوروبية، لماذا يأتي فلسطيني يتحدث عنها مشيرًا على
سبيل المثال إلى المحرقة.
ودعا
إلى التركيز على أنسنة الخطاب الفلسطيني والحديث عن تفاصيل إنسانية فالأسير
والشهيد ليس مجرد رقم ولكن هناك حكاية خلف كل معاناة، وحث الشباب الفلسطيني أن
يتوجهوا لدراسة العلوم الإنساني القانون والإعلام، مستذكرًا قول الشهيد غسان
كنفاني: إذا كان المدافع عن القضية فاشلا لا يجب تغيير القضية إنما تغيير المدافع.