فلسطينيون يقيمون في مدارس وحاوياتٍ باردة ولا حديث
عن إعادة الإعمار

الإثنين، 23 شباط، 2015
يواجه سكان قطاع غزة الشتاء البارد والمنخفضات الجوية المتلاحقة، بأزمات
متفاقمة، رغم مرور 6 أشهر على نهاية الحرب الطاحنة، دون تحرك عملية إعادة الإعمار أو
رفع الحصار، لحل أزمة سكن ضخمة تعيشها عشرات آلاف الأسر التي لجأت إلى السكن بالإيجار
في أي مكان يصلح لستر الحال، وحتى هذا الحل لإسكان أصحاب البيوت المدمَّرة أصبح في
مهب الريح بعدما تراجعت الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)،
عن دفع بدل إيجار جراء عدم التزام المانحين بوعدهم المالية.
الجزء الثاني من مشردي الحرب
استقر في مدارس إيواء خصصتها "الأونروا" لإسكان مؤقت، في ظروف إنسانية غير
ملائمة، حيث تحولت الأقسام الدراسية إلى غرف سكن جماعية، مع توفير وجبات من المعلّبات.
ورغم هذا الواقع الصعب أمست إحدى مداس الإيواء في بلدة بيت حانون، الأيام الماضية،
على وقع كارثة، حيث أدت شرارة كهربائية إلى إحراق الطفل الرضيع "عز الدين الكفارنة"،
ونجاة ثلاثة من أشقائه، بسبب عدم وجود وسائل الأمان والسلامة في حوالي 16 مدرسة لا
تزال تضم بين جدرانها آلاف الأسر التي فقدت بيوتها ونفد الأمل لديهم من بدء مشروع جاد
لإعادة الإعمار.
الشكل الثالث الذي لجأ إليه
أصحاب البيوت المدمرة، هو الإقامة في "كرافان" أو حاويات حديدية تفتقد التدفئة،
حيث يصفها سكانها بأنها ثلاجات بسبب برودتها الشديدة مع غياب وسائل التدفئة، فضلا عن
المخاطر التي قد تحول هذه الكتل الحديدية إلى كرة لهب في حالة حدوث شرارة كهربائية،
فضلا عن وضع الحاويات في مناطق مفتوحة غير مهيأة، سرعان ما تغلق شوارعها الترابية جراء
تجمع مياه الأمطار وتحوّل سكانها إلى أسرى داخل الحاويات الصغيرة.
كل قطاع غزة لا يزال يحصد حنظل الحرب، التي تبدو في نظر الكثيرين أنها
لم تتوقف، وإنما أخذت أشكالاً أخرى منها حرب الحصار، وتأزيم الحياة اليومية بالعديد
من المشاكل، إذ يحصل كل سكان القطاع على 6 ساعات كهرباء مقابل انقطاع التيار الكهربائي
لمدة 12 كاملة، فضلا عن أزمة غاز الطهي حيث توفّر شركات التوزيع نصف قارورة للأسرة
جراء الإجراءات الصهيونية على المعابر، حيث تسمح سلطات الاحتلال بإدخال نصف الكميات
المطلوبة، ما يعني انعدام وسائل التدفئة حتى للأسر التي لم تتأثر بالحرب بشكل مباشر.
هذا الواقع الإنساني الكارثي،
في ظل عدم تسلم حكومة الوفاق مهامها وإدارة قطاع غزة، واستلام المعابر كحكومة شرعية
معترف بها دوليا، في انتظار حل مشكلة أكثر من عشرين ألف موظف عيّنتهم حركة حماس إبان
فترة حكمها للقطاع وتصرّ على اعتمادهم من قبل السلطة الفلسطينية ضمن هياكلها الرسمية،
الأمر الذي تعتبره "حماس" شرطاً لتسليم مفاتيح القطاع، في حين تراه حركة
"فتح" ومنظمة التحرير أسلوب تحايل للبقاء في الحكم بعد الخروج من الحكومة،
وإبقاء نفوذ حركة حماس في مفاصل الإدارة المحلية والوزارات.
أزمات قطاع غزة المأساوية لا
تجد لها أفقا مبشرا قريبا في ظل رفض المجتمع الدولي إعادة الإعمار في ظل مخاطر جدّية
يمكن أن تؤدي إلى تكرار الحرب على القطاع كما يهدد قادة الاحتلال، والإصرار على نزع
سلاح الفلسطينيين. موقف إسرائيلي تقابله مساعي حركة حماس وفصائل المقاومة لإعادة بناء
ترسانتها العسكرية، وترصد الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية تجارب صاروخية متزايدة صوب
البحر فضلا عن الإعلان المتكرر عن رصد أو السيطرة على سفن تهرّب سلاحا في طريقها إلى
قطاع غزة، والإعلان عن استشهاد عدد من المقاومين في "مهمات جهادية" أثناء
التدريبات العسكرية، أو حفر أنفاق عسكرية جديدة.
ولا يغيب عن صاحب القرار الإسرائيلي
عودة التقارب بين حركة حماس وإيران، ومساعي حماس لبناء خلايا عسكرية في الضفة الغربية،
بينما يعلّق المانحون قرار تمويل إعادة الإعمار بوجود ضمانات بعدم العودة إلى الحرب
مرة أخرى وضرورة دمج حركة حماس ضمن السلطة الفلسطينية وتسليم المعابر إلى حكومة الوفاق،
رسالة حملها مبعوث اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، توني بلير، خلال
زيارته الأخيرة إلى القطاع.
القيادي في حركة حماس مشير
المصري على غرار كل قادة حماس أكد لـ"الشروق اليومي" أن "استمرار الحصار
وتفاقم أزمات القطاع الإنسانية لن تقف أمامه المقاومة مكتوفة الأيدي"، مشددا على
أن "إبقاء حال القطاع مع اشتداد الحصار وعدم الشروع في الإعمار يعني أن غزة مقبلة
على انفجار كبير ويتحمل الاحتلال مسؤولية تداعيات ذلك".
وربما تلجأ الحركة إلى خيار التصعيد العسكري لإجبار الاحتلال على إعادة
فتح المفاوضات التي توقفت دون اتفاق يُلزم الأطراف بحقوق وواجبات، الأمر الذي قد يحتاج
جولة جديدة من الحرب في انتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية ومعرفة توجهات الحكومة
الإسرائيلية القادمة.
القيادي في "حركة الجهاد الإسلامي" خضر حبيب اعتبر أن حالة
انغلاق الخيارات وتفاقم معاناة الفلسطينيين في غزة قد تدفع الأمور إلى حرب رابعة أكثر
قسوة من سابقاتها خلال 8 سنوات.
وأضاف حبيب: "الوضع الأمني في قطاع غزة مقلقٌ وغير مُطمْئِن، بالإضافة
إلى وجود معاناة شديدة في قطاع غزة نتيجة الحصار المستمر وتوقف عجلة الإعمار"،
مضيفا: "الوضع في غزة يتجه نحو مواجهة قاسية وسوف تكون مكرهة على ذلك".
قدرُ غزة أن تبقى تحت سيف الإنهاك
والترويض، ويدفع قرابة مليوني فلسطيني الثمن من أمنه واستقراره ولحم أطفاله.
المصدر: الشروق