مجمّع "سايبر سيتي"نموذج لواقع معاناة فلسطينيي سورية
الإثنين، 05 تشرين الثاني، 2012
على الرغم من المعاناة التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون في سورية، نتيجة الأحداث التي تجري على أرض الشام، والتي لم تستثنِ المخيمات الفلسطينية من القصف والقتل، وحتى عمليات الخطف، تظهر معاناة اللاجئين الفلسطينيين الآتين من الأراضي السورية بطرق مختلفة، وقد تعاملت معهم الحكومة الأردنية على اعتبار أنهم سجناء، فحُصروا في ما يسمى مجمع "السايبر سيتي"، الذي تمتلئ به الكثير من الحالات الإنسانية لأُناس تشردوا من بيوتهم. في مدينة الرمثا التي تبعد 85 كليومتراً عن العاصمة عمّان، أوجدت الحكومة الأردنية بناية سكنية واحدة تتألف من 6 طبقات وتحتوي على 140 غرفة، تفتقر إلى أهمّ حاجات المعيشة والحياة. وضمن حالات اللجوء إلى الحدود الأردنية ـ السورية، نزح العديد من السوريين إلى الأردن، وأُنشئ مخيم الزعتري للاجئين السوريين داخل مدينة المفرق، حيث ينقص المخيم الكثير من الخدمات والبنية التحتية. في بداية عملية النزوح من الأراضي السورية، عملت الحكومة الأردنية على إدخال السوريين إلى الأردن من دون أي قيود أو شروط. لكن بعد تزايد أعداد اللاجئين، عمدت الحكومة الأردنية إلى ما سمّته "ضبط نزوح اللاجئين" من خلال حصر الأعداد في مكان أعلنته مفوضية اللاجئين لاحقاً، وسمي "مخيم الزعتري". في الوقت ذاته، دفع ارتفاع أعداد الفلسطينيين القادمين من الأراضي السورية، إلى البحث عن مكان إقامة يساعد على ضبط دخول اللاجئين الفلسطينيين إلى الأردن. وتتحدث الحكومة الأردنية عن عبور نحو 150 لاجئاً فلسطينياً عبر السياج الحدودي بين سورية والأردن منذ بداية الاحتجاجات، بينما أعلنت وكالة الأونروا، أخيراً ارتفاع أعداد اللاجئين إلى أكثر من 1000 لاجئ مسجلين ضمن سجلات وكالة الغوث. إلا أن مصادر إغاثية تتحدث عن ارتفاع أعداد اللاجئين إلى 2500، غير المسجلين ضمن سجلات وكالة الغوث، ويحملون وثائق سورية. في الوقت ذاته يشتكي اللاجئون الفلسطينيون القادمون من الأراضي السورية من ظروف توصف بـ"غير إنسانية" داخل مجمع "سايبر سيتي" في الرمثا، الأمر الذي دفع الكثير من العائلات إلى الهرب خارج أسوار المجمع. ومجمّع "السايبر سيتي" مجمّع سكني، نُقل إليه الفلسطينيون النازحون من سرية، وكان مخصصاً للعمال من جنسيات أجنبية، ورمّمته جمعية الكتاب والسنّة التي تعنى برعاية اللاجئين السوريين بتكلفة 50 ألف دينار، ما يعادل 70 ألف دولار أميركي. ولا يزال العديد من العمال الوافدين يقطنون في مبانٍ محاذية لمجمع سايبر سيتي، ولا يزالون يعملون في المناطق الصناعية المؤهلة التي تديرها شركات أجنبية، ويقطنون في هذا المسكن الذي أُسِّس ليكون سكناً لعمال المصانع من الجنسيات الآسيوية. داخل مجمع السايبر سيتي، توجد العقارب والأفاعي والزواحف، ويشتكي اللاجئون من عدم صلاحية المكان للسكن، أو كما يقال لا يصلح للاستخدام البشري. وبحسب لاجئين خرجوا من "سايبر سيتي" وتحدثوا إلى "العودة"، لا تكمن مشكلة المجمّع في عدم تأهيل بنيته، بل في حالة العزل المستمر وعدم السماح لهم بالخروج من المجمّع الذي يوصف بأنه "منفى". وتعاني الحالات التي تعيش داخل "سايبر سيتي" أمراضاً مزمنة نتيجة وجود الكثير من كبار السن والأطفال، الذين يحتاجون إلى رعاية واهتمام طبي، إلا أن تلك الخدمات التي تُعَدّ من الحقوق التي يجب توافرها للاجئين غائبة تماماً، ولا يوجد أي اهتمام من وكالة الغوث، ولا حتى المؤسسات الفلسطينية التي تعنى بشؤون اللاجئين، في الاستفسار عن حالتهم المعيشية الصعبة التي أصبحت أقرب إلى الموت البطيء. ويشتكي المجمّع أيضاً من عدم توافر أي مؤسسة صحية أو طبية تساعد على توفير العلاج لكبار السن والأطفال الذين لدغتهم العقارب والأفاعي. وتقول الحاجة أم خالد التي أقامت خارج أسوار "سايبر سيتي" إنها هرّبت أولادها وزوجها على اعتبار أنها تحمل الجنسية السورية. ويرى حقوقيون أنّ الحكومة الأردنية تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين القادمين من الأراضي السورية بما يخالف القانون الدولي الذي ينص على معاملة الفلسطينيين من حملة الوثائق معاملة مواطني الدولة الصادرة عنها الوثيقة. ومع اقتراب حلول فصل الشتاء الذي يمتاز في الأردن بانخفاض كبير في درجات الحرارة، وتحديداً في الأماكن الصحراوية، ومنها موقع مجمّع "سايبر سيتي"، تأتي معاناة اللاجئين الفلسطينيين من حملة الوثائق، في عدم توفير الدفء والهرب من برد الشتاء القارس. في مجمّع "سايبر سيتي" العديد من حملة الوثائق، وآخرون من أبناء قطاع غزة الذين طالبوا أخيراً بنقلهم إلى قطاع غزة للخروج من المأساة التي يعيشون فيها. المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لم تتمكن من توفير أي خدمة للاجئين الفلسطينيين في مجمع "سايبر سيتي" إلا عيادة طبية صغيرة للأطفال. وداخل سايبر سيتي تتوافر مطابخ لتوزيع وجبات الطعام، وغرف الصرف الصحي مشتركة لجميع من يقطن في كل طبقة من الطبقات الخمس، فضلاً عن مطبخ مشترك لكل طبقة. ويصل عدد غرف الطبقة إلى عشرين، يقطن في كل واحدة منها عائلة لا يزيد عدد أفرادها على أربعة. في الوقت ذاته، تفرض بلدية مدينة الرمثا طوقاً أمنياً على المجمّع خوفاً من حالات الهرب التي تزايدت أخيراً، بينما تمنع قوات الأمن اللاجئين من الابتعاد عن سكنهم، الأمر الذي يُعَدّ شكلاً من أشكال التضييق عليهم. رئيس الوزراء الأردني، فايز الطراونة، أكد في كلمة ألقاها أمام أعضاء مجلس النواب المنحل أن الأردن يفرّق ما بين الموقف السياسي والموقف الإنساني، "ونحن لا نشكل أي موقف سياسي عندما نحتضن اللاجئين، لكن لا نريد أن يشكل ذلك عبئاً أمنياً على البلد". وأضاف الطراونة أن هناك إشكاليات قانونية دولية للفلسطينيين القادمين من سورية ضمن ولاية الأونروا، حيث إن الأردن جهّز موقعاً لهم لا يشكل عبئاً سكانياً أو بيئياً مع حفظ كرامتهم. وتحدث الطراونة عن زيارة المفوض العام في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لبحث أزمة اللاجئين إلى الأردن، ورأى أنّ على الأردن مسؤولية تنظيم وجود اللاجئين. وفي السياق ذاته، ترددت تصريحات حكومية عبر وزير الخارجية ناصر جودة بأن "الخدمات الإغاثية للاجئين الفلسطينيين متوافرة، إلا أن قضية متابعتهم هي من مسؤولية وكالة الغوث في مناطقها، وليست من مسؤولية الحكومة اﻷردنية، وأنه لا مشكلة في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين في اﻷردن، وأن كل الخدمات يجري توفيرها لهم كغيرهم من اللاجئين من الحالات الإنسانية". وتقدر وزارة الخارجية أعداد اللاجئين الفلسطينيين من سورية بأقل من 500 لاجئ. وأكد اللاجئون الفلسطينيون القادمون من الأراضي السورية والمقيمون في مجمع "سايبر سيتي" عدم تقدمهم بطلب للجوء، مؤكدين أنّ ما طالبوا به هو الحصول على هوية فلسطينية وجواز سفر برقم وطني. وقالوا إنهم في حال عدم حصولهم على مطلبهم، فلا مفر من اللجوء إلى المنظمات الدولية ذات الصلة للحصول على هوية ووطن. البيان جاء رداً على تصريحات للسفير الفلسطيني في الأردن عطا الله خيري، تحدث فيها عن تشكيل لجنة للتواصل مع اللاجئين في "سايبر سيتي" للعمل على متابعة قضيتهم. البيان الثاني الصادر عن اللاجئين بعنوان "خرجنا عن الصمت 2" انتقد دور السفارة والسفير في متابعة القضية، مشيرين إلى أن التصريحات التي تطلقها السفارة تدل على عدم علم ومعرفة بواقعهم داخل المخيم. وكان سفير السلطة الفلسطينية في عمّان عطا الله خيري قد أكد سابقاً أن السفارة تواصل الترتيبات لنقل لاجئين فلسطينيين قادمين من سورية، من الأردن إلى قطاع غزة بناءً على طلبهم. وفي غضون ذلك أرسل عدد من اللاجئين الفلسطينيين رسالة إلى الجهات الإغاثية حملت الرسالة عنوان: "خرجنا عن الصمت"، وتضمنت هجوماً قاسياً على السلطة الفلسطينية وسفارتها في الأردن.
وقالت الرسالة: "بعد ما يزيد على عام من الوعود الجوفاء ومسلسل الكذب المتواصل واتهامنا بأننا لاجئون اقتصاديون نطالب بطرد غذائي أو معونة مادية من قبل السلطة الفلسطينية ممثلة بسفارتها في الأردن، واستخدامنا من قبل البعض لمشروع انتخابي هنا أو هناك ومن "مخيم سايبر سيتي" للاجئين السوريين في الرمثا، نحن الفلسطينيين ـ بشكل جماعي ـ نطالب السلطة الفلسطينية برفع يدها عن اللاجئين الفلسطينيين
وجاء في الرسالة أيضاً أن اللاجئين سيلجأون إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وللمنظمات الدولية ذات الصلة للنظر في وضعهم ووضع حد لمأساتهم ومعاناتهم المتفاقمة يوماً بعد يوم. في الوقت ذاته، يرى نشطاء أن معاناة اللاجئين السوريين المتدفقين إلى الأردن "متواصلة"، في وقت لا تزال فيه السلطات الأردنية تفرض إقامة جبرية على مئات من الفلسطينيين من حملة الوثائق السورية ﻷسباب "سياسية". ودعا لاجئون من حملة الوثائق السورية إلى معاملتهم كغيرهم من اللاجئين، إلا أن السلطات الأردنية رأت أن ملف الفلسطينيين هو من شأن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في اﻷردن وسورية.
أخيراً، بحسب مراقبين، تذكّر قضية اللاجئين الفلسطينيين القادمين من الأراضي السورية بتعامل الحكومة الأردنية مع اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من العراق إبّان الغزو الأميركي للعراق، حيث بقي نحو 300 منهم في الصحراء الفاصلة بين الحدود الأردنية والعراقية لسنوات، ثمّ نُقلوا إلى البرازيل.
المصدر: مجلة العودة العدد الـ62