محاولات إسرائيلية لتجنب الوحل الغزي: الأقل توتراً سينتصر
الثلاثاء، 20 تشرين الثاني، 2012
بدأت الصحافة الإسرائيلية تتلمس مقدار التوتر الذي يسود أجواء القيادة الإسرائيلية بشأن وجهة الأمور في الحرب الدائرة مع غزة. ودلل أكثر من غيره على هذا التوتر الموقف الذي أعرب عنه كبير معلقي صحيفة «إسرائيل بيتنا» المقربة جداً من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، دان مرجليت. كذلك كانت عناوين الصحف الرئيسية التي أشارت إلى قدر واضح من الارتباك. فقد تحدثت «يديعوت أحرنوت» عن «معضلة الحرب البرية»، في حين لفتت «معاريف» إلى تردد المستوى السياسي وخوفه من الورطة دولياً إذا أقدم على خطوة برية في القطاع.
وكتب يوسي يهوشع في «يديعوت» تحت عنوان «المعضلة البرية»، «يبدو أنه لا توجد عند الجانب الإسرائيلي رغبة حقيقية في الخروج إلى حملة برية. لكن إذا ما انطلقت الدبابات، المجنزرات والآليات الثقيلة في نهاية المطاف نحو غزة، فسيكون ذلك أمرا لا مفر منه»، مشيراً إلى أن «الدخول البري لن يكون تكرارا لحرب الرصاص المسكوب، إذ ان حركتي حماس والجهاد الإسلامي استخلصتا الدروس: زادتا كمية الصواريخ، تعلمتا كيف تستخدمان بشكل أفضل الوسائل التي تستلماها من إيران، وبالأساس غيرتا الانتشار في مواجهة الجيش الإسرائيلي».
وأوضح أنه «قبل نحو أربع سنوات بدأت الحملة بتليين مكثف للأهداف قام به سلاح الجو، بالتداخل مع نار بطاريات المدفعية. وفقط بعد الضربة من الجو دخلت القوات البرية لتطهير مناطق إطلاق الصواريخ، التي كانت في معظمها في الأرض المفتوحة. أما اليوم فالقصة مختلفة تماما، وبالتالي فإن القوات التي سيتعين عليها الدخول ستكون ملزمة بالدخول أعمق بكثير، والخطر على حياتاه سيكون أعلى بأضعاف. هذه المرة لن ينتهي الأمر بعشرة قتلى».
ولفت يهوشع إلى أن «لحالة الطقس دوراً في القرار. فالشتاء يقترب، ولا أحد في الجيش الإسرائيلي يرغب في أن يغرق، حرفياً، في الوحل الغزي»، مضيفاً ان «تعميق الضربة لحماس ليس هدفاً عسكرياً بل غاية سياسية، وعليه فمن الواضح الآن أنهم إذا كانوا يريدون الخروج إلى حملة برية فيجب أن يأخذوا بالحسبان أنها ينبغي أن تكون مغايرة، أي مختلفة، مركبة وخطيرة أكثر من تلك التي يتحدثون عنها الآن». ويشرح أن «مثل هذه الحملة، التي تتضمن بتر القطاع والسيطرة على معبر رفح، للكثير من الوقت، تحتاج الى طول النفس والإسناد الجماهيري. وبالتأكيد ليست هذه حملة يتم الانطلاق إليها عشية الانتخابات».
ومقابل ذلك، فان مؤيدي الحملة، وفقاً ليهوشع، يرون أنها محتومة، «إذا كان الهدف هو بالفعل تحقيق الردع، حتى وان كان موقتاً، مع حماس». واعتبر أن المؤيدين يرون أن عملية برية، تصل إلى أماكن لا تصل إليها الطائرات، ويمكنها بالتالي ضرب البنى التحتية، الأشخاص ومخزونات السلاح، على شاكلة «السور الواقي». وبالإضافة إلى ذلك، فإن احتلال الأرض يكوي وعي العدو ويمكن له أن يؤشر إلى سوريا و«حزب الله» بأن الجيش الإسرائيلي قوي وأن المجتمع الإسرائيلي مستعد لأن يبعث بجنوده.
وشدد يهوشع على أن للجيش الإسرائيلي أهدافا متواضعة جدا في حملة «عمود السحاب»، استوفاها جميعها منذ الآن، لكن ضغوطاً من القيادة السياسية قد تدفع به إلى الداخل. لكن «بالرغم من الهجمات من سلاح الجو فان الانجاز المعنوي هو لحماس التي لا تزال تقف على قدميها وتطلق أكثر من مئة صاروخ في اليوم».
وخلص يهوشع إلى أنه سيكون للزاوية القانونية وزن كبير في جملة الاعتبارات. ويكاد لا يكون هناك قائد كتيبة لم يقدم شهادة أمام النيابة العسكرية بعد «الرصاص المسكوب»، ويتعين على الجيش الإسرائيلي أن يجد طريقة عمل لا تنتهي به في المحكمة الدولية في لاهاي، وأن يقرر ما هو التهديد الأكبر، «غولدستون 2» أم حماس.
وفي «معاريف»، أوضح شالوم يروشالمي أن الجيش الإسرائيلي جاهز على حدود القطاع للدخول البري لكن الوزراء يتحفظون. ويُفضل معظمهم مواصلة منح الوقت للمفاوضات السياسية. لكن بينما لا تزال إمكانية الدخول البري قائمة، حيث تلقت القيادة التنفيذية توجيهات لاستكمال الاستعدادات لها، فإن القيادة السياسية في المقابل تخشى التورط والمواجهة السياسية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وحتى لو شنت دخولاً برياً، فإنه في الغالب سيكون محدودا وليس مكثفا مثلما كان في حملة «الرصاص المسكوب».
ورأى يروشالمي أن الوزير الوحيد الذي يؤيد حالياً الدخول البري هو وزير المالية يوفال شتاينتس. أما الوزراء الآخرون فينتظرون التطورات السياسية وإمكانية تحقيق تهدئة ووقف للنار من دون الحاجة إلى إدخال جنود الجيش الإسرائيلي إلى قطاع غزة.
وفي «هآرتس»، أشار المعلق العسكري عاموس هارئيل إلى أن الوضع على الحدود يظهر التشخيصات التالية: «فقدان التفوق النسبي، حيث حظيت المرحلة الأولى من العملية بنجاح لأن إسرائيل استغلت فيها مزاياها في مكافحة الإرهاب، أي التكنولوجيا المتطورة والتفوق الجوي المطلق والسيطرة الاستخبارية، لكن الآن أصبحت المرحلة الجوية قريبة من الاستنفاد. وقد تمت مهاجمة جزء كبير من الأهداف المهمة ويُبذل الآن جهد لصيد خلايا إطلاق من الجو».
وإلى جانب نجاحات نقطية، فإن هذه عملية تجري في منطقة شديدة الاكتظاظ وفي ضغط زمني كبير، وكلما طالت هذه المرحلة أصبحت اختلالات مؤسفة مثل استهداف المدنيين، ولا يمكن تجنبها تقريباً، وبالنتيجة تتضاءل بدورها الشرعية الدولية لاستمرار العملية.
وأضاف معلق «هآرتس» ان الاحتكاك على الأرض سيجعل دخول القوات البرية شديد السوء. والحاجة إلى حمايتها من الأخطار الكثيرة في القطاع ستقتضي استعمالا عنيفاً جداً للنيران يزيد بصورة مطّردة عدد القتلى المدنيين في الجانب الفلسطيني والضغط على إسرائيل لإنهاء العملية.
وكتب يروشلمي أنه بالرغم من مظاهر التأييد الأميركية والأوروبية لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلا أن التقديرات في تل أبيب تشير إلى أن دخولاً برياً سيغير اللعبة، وسيجر وراءه معارضة وضغوطاً سياسية لوقف الخطوة. وبالتوازي مع حملة «عمود السحاب» تجري أيضاً حملة انتخابات دخلت في حالة نوم في أعقاب الوضع الأمني. لكن ساعة العد التنازلي نحو 22 كانون الثاني، وهو يوم الانتخابات، لم تتوقف. ويوم الأحد المقبل، 25 تشرين الثاني، يفترض أن تجرى الانتخابات التمهيدية في حزب رئيس الوزراء الليكود. لكن الآن بات إجراء هذه الانتخابات موضع شك، بسبب حظر التجمهر خشية الإصابة بصواريخ حماس. غير أن عملية برية ستستوجب تأجيل إجراء الانتخابات التمهيدية بل وربما إجراء الانتخابات العامة أيضاً.
وفضلا عن ذلك، وبرغم نسب التأييد الواسعة في إسرائيل للحرب على غزة، إلا أن هذا التأييد يقتصر على الحرب الجوية. فأقل من ثلث الجمهور الإسرائيلي، وفقاً لاستطلاع رأي نشرته «هآرتس»، يؤيد الهجوم البري.
ويظهر الاستطلاع ارتفاع شعبية نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك اللذين نالا 55 في المئة و52 في المئة على التوالي. لكن كان هذا، وأكثر، حال رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت ووزير الدفاع الأسبق عمير بيرتس عندما شنا حرب لبنان الثانية (2006). والكل يعرف أنهما نالا تأييدا بنسبة 85 في المئة قبل أن تتردى شعبيتهما إلى ما يقرب الصفر جراء فشل تلك الحرب.
وتشير نتائج الاستطلاع إلى أنه يحسن بنتنياهو وباراك الشروع في إنهاء الحملة قبل أن تتعقد الأمور أكثر وتبدأ في المراوحة ثم العرج والنزف. وحينها ستتراجع الحماسة الشعبية كلما اقترب السيناريو المتشائم من التحقق.
وتلاحظ «هآرتس» أن تأييد 30 في المئة فقط من الإسرائيليين للحرب البرية لا يتناسب مع مقدار المهانة التي يشعر بها الإسرائيليون جراء تساقط الصواريخ على غلاف غزة، والمدن الأخرى وخصوصاً تل أبيب، وتدفعهم إلى إطلاق صرخات القتال والدماء في عيونهم، فالإسرائيلي المتوسط يفهم جيداً الثمن الباهظ الذي يمكن أن يدفعه من أرواح جنوده جراء الحرب البرية.
وربما لهذه الأسباب لم يكن غريباً أن يعتبر دان مرجليت ما يجري «حرب أعصاب» لن يحقق النصر فيها إلا من كانت أعصابه أقوى.
وبعدما يعدد مرجليت الاعتبارات الكثيرة مع وضد العملية البرية والتعقيدات الدولية والانتخابية يكتب أن «كل واحد يعلم بأن اللحظة الحالية ستأتي. فالواقع الآن يختلف عما كان في مرحلة البدء. وهذه حرب أعصاب بين القيادات»، مضيفاً انه «من جهة مصر التي يوشك رئيسها محمد مرسي أن يشخص إلى الولايات المتحدة وهو في ضغط لإنهاء جولة المعارك الحالية في غزة، فضلاً عن أن سلطته على (رئيس الحكومة المقالة في غزة) إسماعيل هنية وعلى إدارة حماس في القطاع ليست كاملة؛ ومن جهة أخرى قيادة إسرائيلية تشعر هي أيضاً بأن الزمن ينفد إما لأنها لا تستطيع الإبقاء على قوات الاحتياط بلا عمل وإما لأن كل يوم سيزيد الضغط للتخلي حتى عن الأهداف الأساسية لـ«عمود السحاب» بمساعدة جهات في الداخل والخارج».
وخلص إلى أن «من يكون أقل توتراً عصبياً سينتصر».
المصدر: السفير