"مش طالع".. شعار حمله فلسطينيان
مبعدان عن القدس المحتلة

الأربعاء، 06 كانون الثاني، 2016
سامر أبو عيشة وحجازي أبو صبيح، شابين
مقدسيين تحدّيان ما يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على مدينة القدس وأهلها، وهما الآن
يمضيان في اعتصامهما في مقرّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المدينة، رفضاً
لقرار إبعادهما عن مسقط رأسيهما، وكل منهما يقول للمحتل "في أرضي.. ومش
طالع".
وبحسب تقرير نشره موقع "العربي
الجديد" الثلاثاء 5-1-2016، فإنه في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حيّ
الشيخ جراح في القدس المحتلة، لا تهدأ حركة المتضامنين الوافدين إلى الخيمة التي
نصبها الناشطان المقدسيان سامر أبو عيشة وحجازي أبو صبيح، بعد صدور أمر عن قائد
الجبهة الداخلية في إسرائيل بإبعادهما عن مدينة القدس وتفريقهما عن عائلتيهما إلى
خارج ما أسماه حدود القدس الكبرى. وتزعم إسرائيل أن القدس الكبرى تمتد "من
مشارف رام الله في الشمال حتى (مستوطنة) غوش عتصيون في الجنوب، ومن منطقة الأغوار
مع الحدود الأردنية شرقاً حتى أبو غوش في الغرب".
اللافت في الأمر العسكري الذي تضمّن
عبارة "بحسب اعتقادي"، أن الإبعاد لم يحدد إلى الضفة الغربية أو قطاع
غزة أو خارج البلاد، بل ذكر خارج حدود المدينة المقدسة فقط. هذا يعني أن في إمكان
أبو عيشة وأبو صبيح، وكلاهما متزوج ولديه أطفال، أن يبعدا نفسيهما إلى مدينة أو
بلدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، لأن وجودهما في "قلب إسرائيل"
لا يشكل خطراً على "أمن دولة الاحتلال"، لكن بقاءهما في مسقط رأسيهما في
القدس القديمة يشكل خطراً كامناً وكبيراً. وهو ما استغربه الناشطان ومحاميهما علاء
محاجنة. كيف يكون وجود المبعدين في قلب دولة الاحتلال أكثر أماناً على هذا
الاحتلال؟
من خيمتهما، يقول أبو عيشة إن "هذا
الإجراء عبثي، إذ يخشى الاحتلال شباب القدس الذين أثبتوا له وللعالم كله قدرتهم
على التأقلم مع كل ما يتعرضون له من قمع. لذا بدأ حملة جديدة من القمع وإصدار
قرارات عسكرية تؤكد السيطرة على القدس بالقوة العسكرية، التي تجعل قائداً كبيراً
في جيش الاحتلال يستهل إجراءه بالقول: بحسب اعتقادي".
ويتذكّر أبو عيشة تعرّضه لأسوأ أنواع
التحقيق الذي جمع محققين من جهاز الأمن العام الإسرائيلي "شاباك"
والشرطة الإسرائيلية، تناوبوا على استجوابه 44 يوماً، فيما تراوحت جلسات التحقيق
في الأسبوعين الأولين ما بين 13 و18 ساعة. وكانت سلطات الاحتلال قد وجّهت إليه
تهمة بالمشاركة في مؤتمر للشباب في لبنان "الدولة العدوة"، فيما يؤكد
أبو عيشة على أن من حقه كشاب عربي فلسطيني المشاركة في مؤتمرات تعقد في أي بلد
عربي ليعبّر عن رأيه ويستمع إلى قضايا الشباب العربي.
الأثر الأكبر للقرار كان على حياة أبو
عيشة الطبيعية اليومية، لا سيّما علاقته بزوجته وأولاده وأهله. وكانت زوجته خلال
اعتقاله، قد تأقلمت مع الوضع. وبعد إطلاق سراحه ووضعه في الحبس المنزلي، تأقلمت
العائلة مع نظام حياة مغاير استمرّ نحو شهرين. واليوم، هي مضطرة إلى التعايش مع
واقع مختلف. وأبو عيشة المهدد بالإبعاد في كل لحظة، لينفصل نهائياً عن بيته وزوجته
وأولاده، يقول: "نحن أصحاب قضية عادلة، سنظل نعضّ على الجراح. لست نادماً
وسنواصل المسيرة". تجدر الإشارة إلى أن أمامه معارك أخرى يخوضها مع الاحتلال،
إذ ثمّة خمس قضايا مرفوعة ضدّه.
أما أبو صبيح، فلم يكن قرار الإبعاد هذا
الأوّل من نوعه بحقّه. صدرت في السابق قرارات عسكرية تقضي بإبعاده عن الأقصى
مرتين. وفي كل مرة، كان يزوَّد بخارطة تحدد له مساحة تحركه. كان من الصعب عليه
الابتعاد عن الأقصى، ويقول: "مع ذلك تحملته، لأنه كنت لا أزال مقيماً في البلدة
القديمة، حيث بإمكاني رؤية المسجد من بعيد حتى لو لم أدخله". لكن القرار
الجديد ينتزعه من القدس كلها، وهذا ما يعدّه "كارثة كبرى". يضيف:
"أنا رب أسرة ولدي ثلاثة أطفال. أين سأذهب بهم؟ هل يضطرون إلى الابتعاد عن
القدس أيضاً؟".
وفي حديث مع أبو صبيح من مكان اعتصامه،
تلقى اتصالاً هاتفياً أفاده باقتحام قوات الاحتلال سلسلة محال تجارية يملكها والده
وأشقاؤه في البلدة القديمة. وقد اعتقل اثنان من أشقائه.
إلى ذلك، تحاول عائلة أبو عيشة مساندته،
فيقيم والده الفنان المقدسي الساخر حسام أبو عيشة معه في الخيمة ويسهر إلى جانبه
وجانب رفيقه أبو صبيح. هو يعدّ لهما ولزائريهما الشاي وشراب الزعتر الأخضر، فيما
يعبّر عن شعوره بالفخر لموقف نجله، ويدعمه في كل خطوة. يخبر أن "أكثر من
عشرين ألفاً اتصلوا بسامر وأخبروه أن بيوتهم مفتوحة له. لكن بيت ابني في القدس ومن
حقه البقاء مع أطفاله ومع زوجته فيه". يضيف: "هو اليوم في مقرّ الصليب
الأحمر، تفضلوا واعتقلوه إذا وجدت أي تهمة بحقه، بحسب اعتقاد القائد العسكري
الإسرائيلي".
في السياق نفسه، عقّب المحامي علاء
محاجنة على قرار الإبعاد بالقول إن "التعامل مع القضية هنا هو تعامل عسكري
وأمني، وليس كموضوع إداري إسرائيلي. تعرّف القدس بأنها منطقة إسرائيلية، وفي جوهر
الموضوع يُنظر إلى المسألة كموضوع احتلال. هي متاهة داخلية لإسرائيل ذاتها، فهي
تدعي بأن القدس موحدة وعاصمة لها، من ثم تتعامل مع السكان المقدسيين على أساس
عسكري كما تتعامل مع الضفة الغربية تماماً".
وحول قانونية القرار، يقول محاجنة:
"يجب مراعاة المنطقة التي نحن فيها، وفهم الوضعية القانونية لشرقي القدس بحسب
القانون والمواثيق والقرارات الدولية. شرقي القدس منطقة محتلة بخلاف ما تدعيه
إسرائيل وبخلاف القانون الأساس بأن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وهي قوانين إسرائيلية
فقط".
وبحسب ما يؤكد محاجنة، فإن
"الإجراء السياسي غير الأمني بحق الناشطين، يتعارض مع القانون الدولي الساري
في مناطق شرقي القدس، وبذلك فهو باطل. وهو باطل أيضاً بحسب جميع المسوغات
الإسرائيلية ذاتها". ويرى أن "إسرائيل تريد من قرارها قمع أي عمل مقاوم
حتى ولو كان سياسياً وسلمياً شعبياً في القدس. وحين تعجز عن تحقيق ذلك، تلجأ إلى
تطبيق القوانين العسكرية". ويوضح أن "التجربة مع القضاء الإسرائيلي
والطعن لديه في بعض القرارات الإسرائيلية انتهيا إلى وقوف هذا القضاء إلى جانب
المؤسسة الأمنية والعسكرية". ويتخوف من "لجوء إسرائيل إلى مزيد من
السياسات الرامية إلى تفريغ القدس من سكانها الأصليين، والاستمرار في شروع التهويد
الخاص بها".
المصدر: فلسطين أون لاين