«نظرة مزدوجة» لفلسطينيي الـ48
السبت، 04 حزيران، 2011
فراس خطيب - الأخبار
لم يكن خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما علامةً على أزمة مرتقبة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فرغم التعارض بين أوباما وبنيامين نتنياهو، يسعى الأميركيون إلى إفشال الاستحقاق الأممي بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدود الرابع من حزيران في أيلول المقبل.
حيفا | في هذه الآونة، يحظى الفلسطينيون، ربما أكثر من أي وقت مضى، بتأييد دولي، ما خلق إرباكاً أميركياً إسرائيلياً. لكنَّ هذا الارتباك لا يجعل خطوة الاعتراف بالدولة في الأمم المتحدة تحظى بالتأييد الجارف، فهي قابلة للجدل، ومرهونة بتساؤلات عالقة، في صلبها أسئلة: ماذا سيجلب الاعتراف للفلسطينيين؟ وهل الارتباك الإسرائيلي كافياً لجعلها مقبولة ومفيدة؟ ماذا عن قضايا عالقة مثل اللاجئين والقدس المحتلة ومصير الأقلية الفلسطينية التي تعيش داخل الخط الأخضر؟ هذه التساؤلات لن تلوح على ما يبدو في أفق مبنى الأمم المتحدة في أيلول، لكنّها عالقة في صلب القضية الفلسطينية.
فلسطينيّو الـ48 الذين يزيد عددهم على 1.2 مليون فلسطيني يعيشون حالة خاصة. هم جزء من الشعب الفلسطيني، إلا أنَّ المؤسسة الإسرائيلية تحاول جاهدةً عزلهم عن هذه الهوية، وتتعاطى معهم بكل ما أوتيت من تمييز وإحباط لأي مسيرة تجمعهم مع الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وهدم هويتهم الجماعية في الداخل وهضم حقوقهم. هؤلاء الذين استُثنيوا في أوسلو 1993، يرون في قرار الاعتراف (إذا حصل) الأممي بفلسطين، مستقبلاً بـ«نظرة مزدوجة». بين الخطوة الإيجابية والتساؤل عن «ماذا بعد؟» أي ماذا عن مصيرهم، هل هم متجهون نحو «استثناء آخر»؟
رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمّع الوطني الديموقراطي جمال زحالقة رأى، في حديث مع «الأخبار»، أنّ قراراً من هذا النوع «سيكون قليل الفائدة أو حتى عديم الفائدة، إذا لم يكن جزءاً من تحرك نضالي فلسطيني جديد»، مبيّناً أنهَّ لا يعتقد بأنَّ العالم «سيتعامل بالجدية المطلوبة مع هذا الموضوع، ما دامت الأمور هادئة من دون تحرك شعبي»، متخوّفاً من «رسالة تقول للشعب الفلسطيني اجلسوا في بيوتكم، ونحن نناضل في الأمم المتحدة».
ويلخّص زحالقة بـ«أن على استحقاق أيلول أن يكون تتويجاً للنضال الفلسطيني وليس بديلاً منه»، منوّهاً بـ«أن ما سيُطرح في الأمم المتحدة هو فقط الاعتراف بحدود الرابع من حزيران، وهذا بطبيعة الحال لا يشمل مركبات مهمّة في القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها قضية اللاجئين ومكانة فلسطينيي الـ48 وموقعهم».
بينما يرى محلل الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت، في حديث إلى «الأخبار»، أن القرار في حال اتخاذه سيحمل في طيّاته بُعداً معنوياً مهماً، في الوقت الحالي، «نظراً إلى أنه سيكون إشارة البداية لاعتراف الأسرة الدولية بحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولة مستقلة خاصة به، على الرغم من أن هذا الإعلان قد لا يطبّق عملياً، بسبب حاجته إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، والذي تشير الدلائل كلها إلى أن الفيتو الأميركي سيكون له بالمرصاد».
لكنّ شلحت يلفت، كفلسطيني في الداخل، إلى أنَّ أكثر ما يهمّه «هو ألا يُقايض هذا الإعلان بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، كما تطالب حكومتها وأحزابها الصهيونية كافة، لأن اعترافاً كهذا سيسدّ الطريق أمام حصول الفلسطينيين في الداخل على أي حقوق قومية مستحقة سياسياً وتاريخياً وأخلاقياً، بحكم كونهم أصحاب البلد الأصليين الذين سُرق وطنهم وهُمّشت مواطنتهم ولا تزال»، مشدداً على ضرورة ألا يكون إعلان الدولة «مرحلة نهاية المطالب، أو بمنزلة وضع حدّ للصراع الذي لن ينتهي من دون معالجة أسبابه الحقيقية جذرياً».
وقال الكاتب الصحافي وديع عواودة لـ«الأخبار» إنّ «القرار الأممي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، فور إعلانها، ليس مؤكداً، وهو رهن الفيتو الأميركي، وهناك إشارات قوية إلى أن الرئيس الأميركي يتجه نحو إحباط القرار، بسبب ضغوط صهيونية عشية الانتخابات الأميركية»، مشدداً على أنَّ القرار «إذا اتُّخذ، فلن يعيد للفلسطينيين حقوقهم، لكنه يبقى دفعة معنوية لهم، ويسهم في تعميق عزلة إسرائيل دولياً، ويذكّر شعوب العالم بكونها دولة مارقة تحتل دولة أخرى، مع ما يترتّب على ذلك من تبعات قانونية وسياسية». ولا يرى عواودة تأثيراً مهماً للقرار على فلسطينيي الـ48، بينما يشير إلى أن «التأثير الكبير، السلبي، متوقع حينما تقوم الدولة على الأرض، عندها ستصبح إسرائيل أكثر يهودية وتشدّداً وقمعاً لكل المواطنين العرب فيها».
ويرى الكاتب الصحافي هشام نفاع، كفلسطيني في الداخل، قرار الاعتراف من جهتين؛ الأولى في ارتباك مؤسسة إسرائيل الحاكمة ومدى التحذيرات التي يطلقها سياسيّوها وعسكريّوها من خطورة الخطوة الفلسطينية. ويتطلع أيضاً إلى الآتي ما بعد تحقّق خطوة كهذه. ويقول إن «الارتباك الإسرائيلي الذي لا يتمكن عتاة الصهيونية من إخفائه، يدلّ على أهمية هذه الخطوة في اتجاه صدّ مشروع الهيمنة التوسّعي»، مضيفاً أنه «في الوقت نفسه، يطرح الوضع الآتي الذي لا يزال بمثابة طيّ المجهول أسئلة عن مستقبل هذا الجزء الفلسطيني الذي بقي في وطنه ضمن حدود الـ48. ما هو مصيرنا؟ ما هو مستقبلنا؟ هذه أسئلة تعبّر عن اصطدام بين الواقع والحلم بتحرّر فلسطيني جامع». ويضيف أن «الفلسطيني هنا (في الداخل) سيفرح لكل انحسار في مساحة الاحتلال العسكري الاستيطاني الاحتلالي في مناطق الـ67، لكنّ سؤاله الوجودي عن مستقبله لن يتغيّر في ظلّ مؤسسة دولة باتت ترفع العرقيّة اليهودية شعاراً أساسياً».