القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

وثيقة تدحض الرواية الإسرائيلية عن نزوح الفلسطينيين خلال حرب 1948

وثيقة تدحض الرواية الإسرائيلية عن نزوح الفلسطينيين خلال حرب 1948

الناصرة - أسعد تلحمي: كشفت صحيفة هآرتس أمس، عن مستند أبدت استغرابها لعدم قيام المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بإخفائه، يتضمن مداولات حكومة بن غوريون عام 1961 في شأن "الرواية الإسرائيلية" لأحداث نكبة العام 1948.

وأشار الكاتب في الصحيفة شاي حزقاني في بداية استعراضه مضمون ذلك المستند إلى حقيقة أنه بعد الصدى الكبير الذي أحدثه "المؤرخون الجدد"، تقرر إغلاق الأرشيف الذي يتطرق إلى "ترحيل الفلسطينيين أثناء الحرب (1948) وإلى المذابح التي نفذت بحقهم وجرائم الاغتصاب التي ارتكبها جنود إسرائيليون وسائر الأحداث التي ترى فيها المؤسسة الحاكمة محرجة، وتم تصنيفها كلها سرية للغاية". وتابعت أن المستند الذي "أفلت" من أعين المؤسسة هو ذلك الذي يحمل عنوان "الهروب عام 1948"، وتم وضعه أوائل ستينات القرن الماضي "في محاولة لتعزيز الرواية الإسرائيلية لأحداث عام 1948 وتغليفها بغلاف أكاديمي". وأشارت إلى أن بن غوريون طلب من "أبرز المؤرخين والمستشرقين من موظفي الدولة توفير أدلة تثبت أن الفلسطينيين هربوا في ذلك العام ولم يتم ترحيلهم". وطبقاً للمستند، فإن بن غوريون أراد استباق "رواية فلسطينية" عن الأحداث، متوقعاً أن تكون هذه القضية في صلب المعركة الديبلوماسية التي تنتظر "إسرائيل" في الحلبة الدولية.

كما رأى أنه في حال نجحت الحركة الوطنية الفلسطينية في إقناع العالم بأنه حصلت عملية تهجير لنحو 700 ألف فلسطيني، فإن المجتمع الدولي سيرى في مطالبتهم بالعودة إلى وطنهم عادلة، "بينما إذا تركوا أو هربوا طوعاً، أو أقنعهم زعماء العرب بالمغادرة ليعودوا لاحقاً بعد الانتصار على إسرائيل، فإن العالم سينظر بشكل مغاير إلى مطلب العودة". ووفق الكاتب، فإن المستندات التي تم الكشف عنها في الماضي واعتمدها المؤرخون الإسرائيليون الجدد، وإن لم يتم الكشف عن مستندات أخرى كثيرة، أشارت إلى أنه تم تهجير أهالي 120 قرية فلسطينية على الأقل (من مجموع 530 تم هدمها لاحقاً) على يد القوات العسكرية اليهودية، بينما هرب سكان نصف عدد القرى منها ليبتعدوا عن المعارك لكن لم يُسمح لهم بالعودة، وفقط في بعض القرى استجاب السكان لنداءات من زعامات عربية بالمغادرة للعودة لاحقاً بعد انتهاء الحرب والانتصار على "إسرائيل". وتابع الكاتب أن هذه الأرقام كانت وراء مخاوف بن غوريون. وزادت أن بن غوريون عقد اجتماعاً طارئاً في مكتبه بحضور كبار وزرائه لبحث سبل تخفيف الضغوط الدولية حينها، معتقداً أنه يمكن حل المشكلة من خلال "إعلام جيد وصحيح" يقنع العالم بأن الفلسطينيين هربوا ولم يرحَّلوا.

وأشارت الصحيفة إلى أن حاضرين لم يقتنعوا بحديث بن غوريون، وكانوا على قناعة بناء للتفاصيل التي في حوزتهم أن حديثه "أقل ما يقال فيه إنه ليس دقيقاً". وقدمت مثالاً على ذلك بأن وزير الزراعة في حينه الجنرال موشيه ديان كان شخصياً وراء إصدار الأوامر بترحيل بدو النقب، "لكنه لم يكن ممكناً أن يدحض أقوال رئيس حكومته".

وتقرر في الاجتماع التوجه إلى مركز أبحاث أكاديمي ليقوم بمهمة إعداد "الرواية الإسرائيلية" بداعي أن تقريره سيلقى احترام قرائه في العالم كونه صادراً عن مركز أكاديمي. لكن العنوان الذي حدده بن غوريون للمركز، وهو "جمع معلومات عن نزوح العرب"، أعطى عملياً مؤشراً واضحاً إلى المركز للاستنتاجات التي يريدها بن غوريون، إذ لم يُطلب إعداد بحث عن "أحداث عام 1948" إنما قرر مسبقاً أن ما حصل هو نزوح وليس تهجيراً، وما على الباحثين سوى تقديم إثباتات لذلك. وفعلاً كانت هذه خلاصة استنتاجات الباحثين، لكن يتبين اليوم من المستند أن الباحثين كانوا "موظفي دولة"، وأنهم تلقوا المستندات مباشرة من أجهزة المخابرات التي كانت صاحبة القرار في الكشف أو عدمه عن هذا المستند أو ذاك، أي أنه تم تلقينهم وإمدادهم بالمواد التي "تثبت" الرواية كما أرادها بن غوريون.

ويقرّ أحد المشاركين في البحث المذكور، أنه "لم يُسمح له ولأترابه بمعاينة مجموعة من المستندات، خصوصاً التي تضمنت بروتوكولات جلسات الحكومة أثناء الحرب التي تناولت ضمن موضوعات أخرى نزوح الفلسطينيين وأحياناً طردهم على يد الجيش الإسرائيلي".

واليوم، يعترف هذا الباحث بأن استنتاجات مركز الأبحاث لم تكن موضوعية تماماً، ويشير مثلاً إلى مسألة مهمة لم تتضمنها استنتاجات البحث قبل 52 سنة، وهي أنه "لم يتم إثبات الادعاء بأن زعماء عرباً ناشدوا الفلسطينيين بالرحيل ليعودوا لاحقاً بعد هزم إسرائيل". ويشير الكاتب في "هآرتس" إلى أن معظم المؤرخين الذين تعمقوا في بحث الموضوع، أظهروا إثباتات بأن بن غوريون كان على علم وبشكل مباشر بعمليات ترحيل فلسطينيين، بل صادق عليها. ويضيف أن الباحثين الذين كلفوا من جانب بن غوريون وضع البحث، لم يقدموا صورة كاملة عن مساهمة "إسرائيل" في خلق قضية اللاجئين.

الحياة، لندن، 18/5/2013