الثلاثاء، 15 كانون الثاني، 2013

في تأكيد لعدم اكتراث نظام بشار الأسد بالمجتمع الدولي مدعوماً بروسيا وإيران، نفذت طائراته ومدفعيته أمس مجازر في معضمية الشام ومنطقة العتيبة وحوش عرب في ريف دمشق ومنطقة الحيدرية في حلب، سقط فيها عشرات الأطفال بين شهيد وجريح، فيما كانت قوات النظام تحتشد حول مخيم اليرموك استعداداً لاقتحامه، وبالتالي ارتكاب مجازر جديدة فيه تطاول اللاجئين الفلسطينيين.

هذه الجرائم تزامنت مع تقريرين نشرتهما "لجنة الإنقاذ الدولية" ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" وبينتا فيهما أن نظام الأسد يرتكب جرائم حرب منظمة تطاول خصوصاً النساء والأطفال حيث سجلتا شهادات تؤكد قيام جنود الأسد وشبيحته بارتكاب مئات عمليات الاغتصاب، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد المناطق الآهلة.

هذه الجرائم المتمادية، دفعت بـ55 دولة إلى توقيع رسالة رفعتها سويسرا أمس إلى الأمم المتحدة تطالب فيها بإحالة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا الى محكمة الجنايات الدولية.

مجازر بحق الأطفال

وقال مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" رامي عبدالرحمن في اتصال هاتفي مع وكالة "فرانس برس" إن "ثمانية أطفال وخمس نساء قتلوا في غارة نفذتها طائرة حربية على مدينة المعضمية" في ريف دمشق، مشيراً إلى "وجود أشخاص تحت الأنقاض وجرحى في حالة خطرة". وأوضح أن أعمار الأطفال الذين سقطوا جراء الغارة تراوح بين ستة أشهر و14 سنة.

وأظهر شريط مصور بثه المرصد على موقع "يوتيوب" عدداً من الأشخاص ينتشلون جثة فتى غطاه الركام. ويظهر شريط آخر دماراً كبيراً في واجهات المباني.

كما عرض المرصد على "يوتيوب" شريطاً يظهر جثث ستة أطفال بعضهم ممدد على قطع من القماش والدم يغطي وجوههم، بينما تكسو الأغطية الآخرين.

ويُسمع شخص يقول "هؤلاء هم المستهدفون في حي من أحياء المدينة"، قبل أن يرفع غطاء ويقول "هذه هي الأشلاء. فليراقب العالم أجمع، هؤلاء هم الضحايا، هؤلاء هم من يقاتلهم بشار الأسد، هؤلاء من يقاتلهم طيران الميغ الحربي".

ويتابع "لا يوجد مكان ينزح إليه الأهالي من المدينة، والمدينة تتعرض للقصف بشكل عنيف في كافة الأحياء وكافة المباني. لا توجد أي منطقة آمنة في المدينة".

كما أفاد المرصد عن غارة أخرى شنها الطيران الحربي على منطقة العتيبة في ريف العاصمة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص بينهم طفل.

وأدى القصف على بلدة حوش عرب في المنطقة نفسها إلى مقتل أربعة أشخاص من عائلة واحدة، بينهم طفل يبلغ من العمر ست سنوات وشقيقه (18 عاماً) وابن عمهما (سبع سنوات)، بحسب المرصد.

وأفاد المرصد عن تعرض داريا لغارة جوية صباح أمس، متحدثاً عن قيام "قوات النظام بتفجير منازل واقعة بين مدينة داريا ومطار المزة العسكري في إطار حملتها المستمرة من أجل السيطرة" على داريا التي شهدت اشتباكات أمس.

وأحصى المرصد مقتل أكثر من 3500 طفل في الحرب التي بدأها نظام الأسد ضد السوريين منذ نحو 22 شهراً.

وتشهد مناطق واسعة في محيط دمشق منذ أشهر حملة عسكرية واسعة تنفذها قوات النظام للسيطرة على معاقل يتخذها المقاتلون المعارضون قاعدة خلفية لهجماتهم تجاه العاصمة. وحققت هذه القوات في الفترة الأخيرة تقدماً في المعضمية وداريا المجاورة لها، من دون التمكن من السيطرة عليهما في شكل كامل.

وفي دمشق، قال المرصد إن قوات النظام نفذت "حملة مداهمات وتفتيش في حي ركن الدين (شمال)" بعد تفجير أمس أدى إلى مقتل رجل وإصابة ثلاثة آخرين.

وتواصلت الاشتباكات العنيفة الليلة قبل الماضية بين "اللجان الشعبية" التابعة لمجموعة أحمد جبريل ومجموعات من الثوار عند مدخل مخيم اليرموك الشمالي للاجئين الفلسطينين بدمشق.

وذكر سكان محليون، لمراسل "وكالة أنباء الشرق الأوسط" في دمشق، أن جيش النظام طلب من السكان المدنيين في محيط مخيم اليرموك إخلاء منازلهم تمهيداً لاقتحام المنطقة.

وقال السكان إن وحدات من القوات التابعة لجيش الأسد تتمركز على مداخل ومخارج المخيم، استعداداً للقيام بعمل أمني في أي وقت.

وأضاف السكان أن عدداً من المدنيين سقطوا بين قتيل ومصاب في منطقة سوق لوبية وشارع الثلاثين في المخيم حيث احتدمت الاشتباكات وسقطت بعض قذائف الهاون.

وفي حلب (شمال)، قتل أربعة أطفال، أكبرهم في التاسعة، جراء قصف تعرض له حي الحيدرية (شمال شرق)، بحسب المرصد، الذي أفاد أيضاً بمقتل طفلين آخرين جراء القصف بالطيران على بلدة مسكنة في ريف حلب، وطفل إثر سقوط قذيفة هاون على مدينة القصير في ريف حمص (وسط)، وطفل برصاص قناص في بلدة بنّش في محافظة إدلب (شمال غرب)، وطفلين جراء القصف بالطيران الحربي على بلدة اللطامنة في ريف حماة (وسط).

وقال المرصد إن مقاتلين من كتائب عدة "سيطروا على منطقة الدويرينة في ريف حلب" بعد اشتباكات وقعت أمس، وإنهم "يحاصرون قوات النظام داخل مشفى ابن خلدون للأمراض العقلية والعصبية".

وقال المرصد إن الاشتباكات تجددت في محيط اللواء 80 المكلف حماية مطار حلب الدولي المقفل منذ مطلع كانون الثاني الجاري بسبب استهدافه من قبل الثوار.

وفي محافظة إدلب (شمال غرب)، قصف الطيران الحربي مطار تفتناز العسكري الذي سيطر عليها الثوار الجمعة، "ما أسفر عن تدمير جزء من مباني المطار وبعض الطائرات الحوامة غير الصالحة للاستعمال"، بحسب المرصد.

وشملت غارات الطيران أمس مناطق في محافظتي حمص (وسط) ودير الزور (شرق).

تقارير دولية

ومتابعة لما يجري في سوريا، قالت لجنة الإنقاذ الدولية (IRC)، إن الإغتصاب هو السبب الأساسي وراء فرار العائلات من سوريا إلى الدول المجاورة، لافتة إلى أن المنطقة تشهد كارثة إنسانية كبيرة، ووصفت مستويات المساعدة الدولية بغير الكافية.

وقالت اللجنة وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة، في تقرير لها، نشرته أمس، تحت عنوان "سوريا: أزمة إقليمية"، "إن الشرق الأوسط يواجه مجدداً مأساة نزوح بشرية. وتحدث التقرير عن "مستويات مروّعة من العنف الجنسي"، لافتاً إلى أن "الاغتصاب هو صفة ملحوظة ومقلقة للحرب الأهلية السورية"، وقال إنه "بالاعتماد على تقييمات في لبنان والأردن، حدّد اللاجئون السوريون الاغتصاب كسبب أساسي لهروب عائلاتهم من سوريا".

وقال التقرير إن "الكثير من النساء والفتيات تعرضن للاعتداء، في أكثر الأحيان من قبل رجال مسلحين، في أماكن عامة أو في بيوتهن"، موضحاً أن "القليل من هؤلاء النسوة يتحدث عن حوادث الاغتصاب خوفاً من العار أو من الثأر والانتقام من قبل المعتدين".

كما اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قوات النظام باستخدام نوع جديد من القنابل العنقودية يتميز بالعشوائية وعدم التمييز، في هجومين شنتهما في شمال غرب البلاد ووسطها، بحسب ما جاء في بيان أصدرته المنظمة أمس.

وقال مدير قسم الأسلحة وحقوق الإنسان في المنظمة ستيف غوس "تقوم سوريا بتصعيد وتوسيع استخدامها للذخائر العنقودية رغم الإدانة الدولية لاستخدامها هذا السلاح المحظور، وهي تلجأ الآن إلى نوع من الذخائر العنقودية يشتهر بالعشوائية وعدم التمييز ويمثل تهديداً خطيراً للتجمعات السكنية المدنية"، بحسب البيان.

ملف سوريا

فرنسا أعربت أمس عن أملها في أن يتم إحالة ملف الجرائم في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو في مؤتمره الصحافي اليومي أمس إنه و"بمبادرة من سويسرا وجهت اليوم (أمس) رسالة موقعة من 55 دولة في العالم من بينها فرنسا إلى مجلس الأمن الدولي لمطالبته بإحالة الملف السوري إلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية".

كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن تأييده للمبادرة السويسرية. وقال مايكل مان المتحدث باسم الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إن "هناك 26 دولة أوروبية قد أعلنت انضمامها للمبادرة السويسرية، وهو ما يُعد إشارة واضحة تحث فيها مجلس الأمن الدولي على التعامل على نحو أكثر فاعلية مع الصراع الدائر في سوريا بوصفه الهيئة الوحيدة المخولة بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية". وأكد "ضرورة إحالة جميع المتورطين في ارتكاب جرائم وانتهاكات ضد الإنسانية وتقديمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية سواء من الحكومة أو من المعارضة".

تركيا

في غضون ذلك، سقطت قذيفة أطلقت من سوريا ليل الأحد ـ الإثنين في حقل في جنوب شرق تركيا من دون التسبب بإصابات، على ما أفادت شبكات التلفزيون التركية.

ونقلت "أن تي في" و"سي أن أن" التركيتين أن القذيفة سقطت في حقل من أشجار الزيتون في بلدة اكجابكلار في محافظة كيليس فخلفت حفرة كبيرة وألحقت أضراراً بعدد من الأشجار.

إلى ذلك قال حلف شمال الأطلسي أمس إن القوات المسلحة السورية أطلقت صاروخاً قصير المدى الأحد، ما يرفع عدد الصواريخ التي أطلقتها الشهر المنصرم إلى 20 صاروخاً.

ولم تحدد المتحدثة باسم الحلف أوانا لوجيسكو للصحافيين نوعية الصواريخ لكن أوصافها تناسب صواريخ "سكود" الموجودة في مخازن الأسلحة السورية.

ووصف مسؤولون أميركيون إطلاق سوريا لصواريخ قصيرة المدى بأنه تصعيد في الانتفاضة التي مضى عليها 21 شهراً وذلك عندما جرى رصد استخدامها للمرة الأولى في منتصف كانون الأول الماضي.

وقالت لونجيسكو "شاهدنا على مدى الأيام الثلاثين الماضية إطلاق قوات النظام أكثر من 20 صاروخاً قصير المدى". وأضافت أن الصواريخ التي أُطلقت فيما يبدو على أهداف للمعارضة سقطت في الأراضي السورية وأغلبها في شمال سوريا. لكنها قالت إن بعض الصواريخ سقطت "قريباً جداً" من الحدود التركية.

لونجيسكو أوضحت أن صواريخ باتريوت التي نشرت في تركيا لمواجهة إطلاق صواريخ من سوريا ستصبح جاهزة للعمل في مطلع شباط المقبل وربما قبل ذلك. وقالت إن العمل جارٍ لإيصال المعدات وتركيزها في جنوب تركيا منذ بداية السنة وسيستمر بضعة أسابيع.

ووفرت ثلاث دول أعضاء في الحلف الأطلسي هي الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا بطاريات الباتريوت الست التي يلزم نشر مئات من الرجال لتشغيلها.

وصواريخ باتريوت قادرة على أن تدمر في الجو الصواريخ البالستية والصواريخ العابرة إضافة إلى الطائرات، بحسب مجموعة "لوكهيد مارتن" التي تصنعها.

وطلبت تركيا نشر الصواريخ بعد سقوط قذائف أطلقت من الجانب السوري في أراضيها. وقتل خمسة أتراك جراء القصف في قرية قريبة من الحدود في تشرين الأول.

أوروبا والأسد

وفي بروكسل، جدّد الاتحاد الأوروبي أمس، مطالبته الأسد بالتنحّي، داعياً الائتلاف السوري المعارض إلى التعاون مع المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي.

ودعا رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبي، بعد لقائه الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، إلى "وقف المجزرة في سوريا حيث قالت الأمم المتحدة إن أكثر من 60 ألف شخص قتلوا. هذا مرعب وغير مقبول. وأجدد موقف الاتحاد الأوروبي بأن على الرئيس الأسد التنحّي في الوقت الذي تُبذل فيه جهود لتسهيل انتقال ديموقراطي وشامل".

وجدّد رومبوي أيضاً دعم الاتحاد لمهمة الإبراهيمي في العثور على حل سياسي للأزمة. ودعا "الائتلاف السوري لقوى المعارضة والثورة" الذي سبق للاتحاد أن اعترف به ممثلاً شرعياً للشعب السوري، إلى التعاون مع الإبراهيمي وفريقه.

حملة إسدية على الابراهيمي

في المقابل، واصل إعلام نظام بشار الأسد انتقاده الابراهيمي، واصفاً إياه بـ"السائح المعمر" الذي "تصفر يداه من أي إنجاز" بعد مرور أشهر على تكليفه حل الأزمة السورية.

وكتبت صحيفة "الثورة" أمس "لا يشبه الاخضر الإبراهيمي في مهمته كمبعوث أممي للأزمة في سوريا سوى سائح معمر حظي برحلة ترفيهية حول عواصم العالم". وأضافت "أما أن يكون الإبراهيمي قد حمل مهمته على محمل الجد والضمير فهذا ما بات اليوم موضع تساؤل وتندر.. خصوصاً أن يدي المبعوث تصفران من أي إنجاز بعد جرد لما يقارب العام من عمر مهمته إن لم تتلطخا بمحاولات إفشال الحلول السياسية المساهمة في الخروج من الأزمة في سوريا".

وانتقدت زميلتها "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم كذلك الإبراهيمي الذي لم يشر إلى "قرار الشعب السوري المستقل، لكنه يحدد في الوقت ذاته لهذا الشعب، من يشارك ومن لا يشارك في الحل".

وأشارت الصحيفة إلى الزيارات التي قام بها المبعوث المشترك إلى سوريا والتي "لم نسمع خلالها أنه أجرى استطلاعاً ما للرأي (...) أو زار محافظات أخرى ليطلع على آراء شرائح مختلفة من الشعب".

السعودية

في الرياض أكد مجلس الوزراء السعودي في جلسة ترأسها ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أهمية تضافر الجهود لإغاثة النازحين واللاجئين السوريين ورفع المعاناة عنهم خصوصاً بعد موجة الثلوج والبرد التي تتعرض لها المنطقة، مقدراً "ما وجه به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من تقديم مساعدات إغاثية طارئة بمبلغ عشرة ملايين دولار وبشكل عاجل للنازحين السوريين في الأردن، إضافة ودعماً لما تقوم به الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء في سوريا ولما أعلنت عنه المملكة في مؤتمر مراكش عن تقديم مئة مليون دولار مساعدات للشعب السوري".

وقال وزير الثقافة والإعلام السعودي عبدالعزيز خوجة، في بيان عقب الجلسة الأسبوعية إن "المجلس أكد أهمية الدفع بالجهود الدولية لتحقيق تطلعات الشعب السوري بما يضمن حقن دمائه والحفاظ على أمن واستقرار ووحدة الأراضي السورية واستقلالها وسيادتها".

المصدر: (أ ف ب، رويترز، يو بي أي، أ ش أ، بنا)