سايبر ستي...السجن
والمأساة
أخلدت الأم طفلتها
ذات الربيع الاول للنوم ورمقت الآخر الذي لم ير النور بعد بنظرات أخيرة وهمست بصوت
شاحب وأداة الموت كانت حاضرة " أنا آسفة ما باليد حيلة لم أعد أستطع التحمل "
قطعت أوصال يدها بسكين المعسكر تثاقلت أنفاس الأم الحامل وتسارع الدم من شرايين يدها
لكن...
محاولة الانتحار
الثانية لابنة مخيم الرمل للاجئين الفلسطينيين تختصر قصة سايبر ستي ، هذا المجمع الصناعي
بالأمس تحول اليوم الى معتقل فهو محاط بسياج طويلة ومعزز بحراسة أمنية مشددة بل ويخضع
لإشراف عدة أجهزة أمنية أردنية.
السكن الذي هو في
الأصل مقر لإقامة عمال آسيويين كانوا يعملون في مصانع المدينة الصناعية في مدينة اربد
قبل أن يتم إغلاقه منذ سنوات نتيجة الإضرابات المتتالية للعمال احتجاجا على سوء مستوى
السكن، وتم فتح هذا المكان بتبرع من صاحبه لإيواء اللاجئين الفلسطينيين القادمين من
سوريا.
يتوزع اللاجئون فيه
على 142 وحدة سكنية في خمسة طوابق ،فيما يتم استقبال الزوار في قطعة أرض تبعد 50 مترا
وهي المسافة التي يسمح بها للاجئ الابتعاد عن سكنه.
يضم السكن نحو 40
عائلة فلسطينية مهجرة من سوريا أي ما يقارب 227 فلسطيني ، والاعداد غير ثابتة وهم على
فئات :
الفئة الأولى : أردنيون
من أصل فلسطيني وبعضهم يحمل أرقاماً وطنية وآخرين سحبت أرقامهم الوطنية
الفئة الثانية :
فلسطينيون من غزة يحملون وثائق سفر مصرية
الفئة الثالثة :
فلسطينيون يحملون وثائق سورية.
الفئة الرابعة :
فلسطينيون لا يحملون أي أوراق ثبوتية.
التضييق على اللاجئين
وخصوصا الفلسطينيين من حملة الوثائق السورية دفع بعضهم للانتحار " هربا من ضنك
العيش" كما
يقول احد اللاجئين الذي وصف معاملة السلطات الاردنية " بالمهينة". مضيفا
" إننا نعامل كمشبوهين منذ لحظة وصولنا للأراضي الاردنية على الرغم من ان البعض
يحمل جوازا اردنيا، الا ان مشكلتنا الوحيدة هي اننا فلسطينيون".
يصف اللاجئ -الذي
رفض ذكر اسمه الوضع ويقول : "يعاني ساكنو هذا المكان من ظروف معيشية سيئة ،الأسرة
لها غرفة واحدة متوسط افرادها خمسة وجميع غرف الطابق لها مطبخ وحمام واحد يستخدمه جميع
الأفراد.
ويضيف: "أننا
في سايبر ستي ممنوعون من زيارة أقاربنا وممنوع علينا الخروج نهائياً وكأننا في معتقل
غوانتنامو"
ويتحفظ اللاجئون
عن البوح بأسمائهم الحقيقية عند الحديث للإعلام عبر الهاتف او عن طريق وسطاء بسبب خشيتهم
من التوبيخ او حتى التضييق عليهم.
وتروي احدى اللاجئات
: أن ضابطا في المخابرات العامة الأردنية حضر الى السكن قبيل زيارة وزير الداخلية برفقة
وفد من المفوضية السامية للاجئين، مستفسرا منها عن " هوية الشخص الذي قام بتسريب
معلومات للإعلام حول معاناة اللاجئين الفلسطينيين من حملة الوثائق الفلسطينية".
تقول اللاجئة ان
الاجهزة الأمنية احتجزت العائلات الفلسطينية في احد الطوابق اثناء زيارة وزير الداخلية
غالب الزعبي والوفد المرافق حيث اقتصرت الزيارة على الطابق الرابع الذي تقطنه عائلات
سورية فقط، بينما تم تحذير العائلات الفلسطينية من الخروج.
الظروف الصعبة دفعت
العديد من قاطني المخيم الى الهروب وسجلت عدة حالات منها :
عائلة مكونة من أم
و4 بنات و3 أولاد تحت السن القانوني، وهم من اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يقطنون
مدينة درعا جنوب سوريا
وشخص يدعى صالح دلول
( 16 عاما ) وهو من مخيم الحسينية التابع لريف دمشق.
وآخر يدعى أكرم (
27 عاما ) وهو لاجئ فلسطيني من مدينة درعا جنوب سوريا.
معاناة اللاجئين
الفلسطينيين من حملة الوثائق السورية تكمن في عزلهم وعدم السماح بتكفيلهم، و حصر حركتهم
في مساحة لا تتعدى الـ150 مترا لأسباب سياسية كما يراها اللاجئون.
الخبير الحقوقي فوزي
السمهوري رئيس مركز جذور لحقوق الإنسان يؤكد ان قرار منع تكفيل اللاجئين الفلسطينيين
من حملة الوثائق السورية يخالف إعلان الدار البيضاء الصادر عن وزراء الخارجية العرب
في العام 1965 والذي ينص على معاملة الفلسطينيين من حملة الوثائق معاملة مواطني الدولة
الصادرة عنها الوثيقة.
ويقول” الحكومة الأردنية
لم تحترم إعلان الدار البيضاء منذ صدوره"، مطالبا بالسماح بالتكفيل خاصة في ظل
وجود ضمانات مقدمة من الكفيل تضمن عودة اللاجئين إلى سوريا حال استقرارها.
و في شهر حزيران
من هذا العام الحالي تم طرد عائلتين من بيت الشلبي بسبب دخولهم الاردن بوثائق سورية
مزورة
كذلك تم طرد بلال
الشلالدة بسبب فراره من المخيم لأجل الزواج والعمل مع العلم أنه فلسطيني أردني وتزوج
من أردنية , وكذلك طرد الفلسطيني رأفت السطري بسبب فراره من المخيم لأجل العمل وإعالة
أسرته بسوريا درعا
بدورها الحكومة الاردنية
لا تخفي معارضتها لدخول الفلسطيني السوري الى اراضيها حيث صرح وزير الدولة لشؤون الإعلام
السابق سميح المعايطة " أن الأردن غير مضطر لدفع أثمان سياسية للأزمة السورية"
وكان مجلس السياسات
الذي يترأسه الملك عبد الله الثاني اتخذ قرارا في مايو/ أيار 2011 منع بموجبه دخول
الفلسطينيين اللاجئين بسوريا إلى المملكة.
ويبرر سياسيون هذا
القرار بكونه متعلقا بجدل الهوية الأردنية والمخاوف من تحول الأردن لوطن بديل للفلسطينيين
سياسة السلطات الأردنية
بالتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين كانت عرضة للانتقاد من سياسيين ومثقفين داخل وخارج
الاردن ففي وقت لاحق وجه العضو البرلماني الاردني محمد الحجوج انتقادات لاذعة للسلطات
المحلية وللسلطة الفلسطينية على تجاهلها (المعيب) للوضع الإنساني المأساوي الذي يعيشه
العشرات من المواطنين الأردنيين والفلسطينيين في مخيم أشبه بمركز اعتقال شمالي البلاد
بالقرب من الحدود مع سوريا معتبرا أن بقاء هؤلاء الناس في مكان احتجازهم غير الإنساني
يختبر ضمير الجميع بصراحة في الحكومة الأردنية وكذلك في السلطة الفلسطينية.
وقال بأن الوضع في
المخيم الذي يحمل اسم (سايبر سيتي) لا يطاق ولا يمكن السكوت عليه ويكشف مستوى التضليل
الرسمي الذي يمارس لاستهداف مواطنين لا ذنب لهم بالحسابات الأمنية والسياسية البائسة.
وأضاف الحجوج : الظرف
المأساوي هناك وصل لمستوى ان المحتجزين يطالبون بمنحهم (كفالات) على الأقل لمغادرة
المخيم ولو مؤقتا وزيارة أهلهم وعائلاتهم داخل الأردن وهو إجراء متبع مع ألاف اللاجئين
السوريين وغير السوريين الذين دخلوا البلاد بعد الأزمة الأخيرة في سوريا
واتهم الحجوج وهو
أحد القيادات البارزة للمجتمع الفلسطيني في الأردن مؤسسات السلطة الفلسطينية بالتقصير
الشديد وعدم القيام بالحد الأدنى من الواجب تجاه الموجودين في سايبر سي وكان على مؤسسات
السلطة الفلسطينية وعلى ممثلياتها في الأردن ولبنان وسفاراتها أن تقوم بالحد الأدنى
من واجباتها في متابعة حاجات وظروف مواطنين فلسطينيين عالقين على هذا النحو المأساوي
في الأردن ولبنان
زايد حماد رئيس جمعية
الكتاب والسنة وهي أحد الجمعيات النشطة في رعاية اللاجئين كان قد اقرح على السلطات
الاردنية السماح لهم بالخروج من السكن لغايات زيارة الاقارب مع وضع الضمانات التي تريدها
الحكومة لعودتهم".
وكشف حماد عن "عرض
قدمته جمعيته للسلطات الأردنية بتحسين ظروف عيش اللاجئين بالقيام بوضع الاسرة بوحدة
متكاملة تضم غرفتين وحمام ومطبخ وتحسين أوضاع الأثاث إلا ان السلطات لم توافق حتى الآن".
وكشف حماد أيضا عن
"عرض ثاني بالقيام باستئجار مكان آخر في مدينة اربد أو عمان تتحمل الجمعية كلفته
بالتعاون مع المحسنين
يكون لائقا بالعيش إلا أن العرض قوبل بالرفض ايضا"
و قد كانت جمعية
طيبة من اربد قد قدمت للمخيم لتوزيع طرود غذائية لسد رمق الموجودين بالمخيم و منعت
من ذلك بحجة عدم الحصول على موافقة أمنية.
يبقى مشهد لجوء الفلسطينيين
حاضراً منذ عام 1948 ولم يغب يوما في سيرة حياتهم ولعل أحداث التاريخ تتكرر وتتنقل
بين العدو والصديق والمتاجر لكن اصحاب الذاكرة الفلسطينية يقولون أن لجوء عام 1948
كان أهون من التشرد والتشتت اليوم.
واخيرا وليس آخرا
صحيح أن الأم الفلسطينية الحامل حاولت الانتحار بسكين المعسكر لكن لازال في حياتها
بقية ممكن أن ترى يوما وتجد نفسها خارج سايبر ستي في مكان يحترم الانسان نظيره لأنه
إنسان ، وتحدث أطفالها اليوم " أن دوام الحال من المحال".
المصدر: مجموعة العمل
من أجل فلسطينيي سورية