شيء ما مخيم اليرموك
ما أكثر ما استطال المخيم
الفلسطيني المؤقت، ليصبح دائماً، منذ أن خرج الفلسطينيون من بلادهم مُكرهين،
ولأنهم يُحبون الحياة ما استطاعو إليها سبيلاً، فإنهم حولوا المخيمات إلى حياة. في
المخيم كانوا يناضلون ويحبون وينجبون ذرية تسير على الخطى ذاتها، وفيه يكتبون
شعراً ويؤلفون كتباً وموسيقى، ويُعمرون بيوتاً.
كان على الفلسطيني أن يعيش
المتضادات القسرية المفروضة عليه، أن يبقي على المؤقت مؤقتاً طالما الهدف هو
فلسطين، وعليه أن يتهيأ لحقيقة أن هذا المؤقت يمكن أن يمتد ليغدو حيوات مستمرة
تشمل أجيالاً لا جيلاً واحداً فقط.
في زمنٍ آخر غير هذا الزمن
كانت الانكسارات فيه أخف وطأة وأقل مرارة، وفُسحة الأمل أرحب، ولم يكن السيل قد
بلغ الزبى بعد، كما هي الحال اليوم، كانت المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا
والأردن مصاهر للكفاح وللأمل. وإليها كان يذهب كل التواقين للحرية من المناضلين
والحالمين العرب، الذين ضاقت بهم أوطانهم، فوجدوا في المخيم الفلسطيني فضاء حريتهم.
فلسطين كانت وظلت عنوان حرية وأمل، عنوان مرحلة كاملة من القبض على جمرة الروح.
لكن الفلسطيني الذي شاءت له
الأقدار أن ينجو من الموت ببندقية العدو، كان في انتظاره موت آخر لا يقل بشاعة
ببندقية الشقيق، أو ما يحسب أنه شقيق، ألم يقل طرفة بن العبد، في معلقته،
"وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند"؟
في كل بلد عربي يمر بمحنة كان
على الفلسطينيين المقيمين فيه أن يدفعوا الثمن، وفي كثير من الحالات مضاعفاً. حدث
هذا في الأردن وفي لبنان وفي العراق، وأخيراً في سوريا. حيث جسد الفلسطيني مستباح
للموت بنيران النظام ونيران المسلحين المناوئين له، بما في ذلك نيران المسلحين
الآتين من وراء الحدود.
ما يجري في مخيم اليرموك من
محنة إنسانية شاهد على ذلك. يحاصر الفلسطيني بالقتل والتجويع والبرد، في معارك
عبثية، والأكثر عبثية فيها أن أطراف القتال يزعمون أن معركتهم من أجل فلسطين. هي
ملهاة ومأساة في الوقت ذاته أن يُقتل الفلسطينيون باسم فلسطين في معركة لا تعنيهم،
هم الذين حرصوا على النأي بأنفسهم عنها منذ البداية. في عبث العرب الدموي، وفي
تناحر استبدادهم القديم بالاستبداد البديل الذي يبزه بشاعة ودموية، فإن السهام تجد
في جسد الشقيق الفلسطيني المنسي هدفاً لا تخطئه.
المصدر: الخليج الكويتية