غراندي لـ «الحياة»: «فلسطينيو
سورية» لاجئون مجدداً... و270 ألفاً نزحوا بعدما صارت مخيماتهم ساحة حرب
لندن - كميل الطويل
تحدّث المفوض العام لوكالة الأمم
المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطين (أونروا)، فيليبي غراندي، عن وضع «مأسوي»
يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في سورية، قائلاً: «إن نصفهم نزح من المخيمات في سورية
بعدما باتت «ساحة قتال» بين القوات الحكومية والمعارضة». وكشف غراندي الذي كان
يتحدث في مقابلة مع «الحياة» في لندن، أن «أونروا» أرسلت عدداً من موظفيها الذين
باتوا «خبراء طوارئ» نتيجة الحروب المتكررة في قطاع غزة لتدريب موظفي الوكالة
الدولية في سورية، لأن هؤلاء لم يسبق لهم أن عاشوا في ظروف معارك كالتي تشهدها
مخيماتهم حالياً.
وأوضح غراندي أن «الفلسطينيين في
سورية عاشوا في استقرار لوقت طويل. فقد كانوا موضع ترحيب منذ 1949. وقد عملت
«أونروا» هناك بطريقة جيدة. ولكن، عندما اندلعت الحرب هناك ساورنا القلق، كأي طرف
آخر. غير أن شيئاً لم يحصل في البداية لمخيمات الفلسطينيين التي تتوزع على 12
موقعاً. ولكن، مع نهاية عام 2012 بدأ الصراع يشمل هذه المواقع أكثر فأكثر. ونُقدّر
الآن أن 7 أو 8 مواقع (من بين المخيمات الـ12) باتت ساحة قتال: المعارضة في وسطها
والقوات الحكومية من حولها. معظم الناس هناك يحاولون الفرار. وبما أننا لا نستطيع
الوصول إلى هذه المواقع بسبب القتال، فإننا لا نعرف تحديداً عدد الفلسطينيين الذي
غادر المنازل، ولكننا نقدّر ببساطة - اعتماداً على خبرتنا ومعرفتنا بالأرض - أن
الذين غادروا هم نصف السكان. فإذا كان عدد الفلسطينيين المسجلين في سورية 540 ألف
شخص فهذا يعني أن نصفهم - 270 ألفاً - نزح من مكانه. ومن بين هؤلاء قرابة 70 ألفاً
غادروا سورية كلياً ليصبحوا لاجئين للمرة الثانية بعدما كانوا يعيشون في سورية
كلاجئين. ومعظم هؤلاء - حوالى 50 ألفاً - ذهب إلى لبنان وهو بلد ليس سهلاً أصلاً
على الفلسطينيين».
وأشار المفوض العام لـ «أونروا» إلى
أن الوكالة، على رغم الحرب في سورية، ما زالت «تواصل جهدها لكي تشغّل المدارس التي
تديرها (118 مدرسة) والعيادات الطبية (23 عيادة). لقد أصبح العمل فيها أصعب، ولكن
العمل في سورية ككل أصبح أكثر خطورة بسبب انعدام الأمن». وتابع أن مدارس «أونروا»
وعيادتها في المخيمات السورية «ما زالت تعمل ولكن، بمعدل نصف طاقتها. وهذا يتم
أحياناً من خلال نقلها من مكان إلى آخر. نحصل، مثلاً، على إذن من الإدارة المحلية
بتشغيل مكان معين ننقل إليه مدرسة أو عيادة على أمل أن يكون المكان الجديد أكثر
أمناً من السابق. فمثلاً، مدير عملياتنا في سورية عليه كل يوم أن يقرر هل يبقي
المدرسة مفتوحة أو يغلقها (بسبب القتال الدائر حولها). إنها مسؤولية كبيرة، فماذا
لو سقطت قذيفة على مدرسة وقُتل أطفال؟ للأسف في غزة نحن معتادون على مثل هذه
الأشياء، لكننا في سورية لم يسبق لنا أبداً أن حصلت معنا مثل هذه المشاكل. طاقمنا
في سورية ليس معتاداً على الحروب. هل تعلم أننا اضطررنا أن نرسل بعض موظفينا
الفلسطينيين من خبراء الطوارئ من غزة إلى سورية ليعلّموا طاقم «أونروا» هناك كيف
يتصرفون في حالات الطوارئ؟ في غزة تعلمت طواقم «أونروا» العمل في ظل حالات طارئة
على مدى سنوات - هجمات وتوغلات إسرائيلية، أحداث الانتفاضة، قتال فلسطيني داخلي -
لكن هذا يحصل للمرة الأولى في سورية، فأرسلنا خبراء غزة لتعليم «أونروا» هناك كيف
يصممون خطط طوارئ. هذا أمر مثير للشفقة».
ولفت إلى أن الحرب في سورية تسببت في
أكبر حركة نزوح للفلسطينيين منذ حرب 1967، باستثناء حرب الخليج (عندما نزح
الفلسطينيون من الكويت). وقال: «إن الحرب الدائرة حالياً في سورية لا علاقة
للفلسطينيين بها لكنها تؤثر فيهم»، مشيراً إلى أن بعضهم يواجه خطر الموت في
محاولته الفرار من سورية، كما حصل أخيراً لقارب اللاجئين المنكوب في المتوسط. وقال:
«إنه يشعر بالأسى لأن يرى مثل هذا الوضع للفلسطينيين» مع اقتراب نهاية ولايته على
رأس «أونروا»، إذ إنه سيغادر منصبه العام المقبل بعدما عمل في الوكالة 8 سنوات.
وعن علاقة «أونروا» بحركة «حماس»
التي تدير قطاع غزة، قال غراندي: «رسمياً ليست هناك علاقة مع «حماس» لأن الأمم
المتحدة عضو في «الرباعية» التي وضعت شروطاً على «حماس» من أجل معاودة الحوار
معها، لكن الرباعية ترى أن الحركة لم تستجب لشروطها. لذلك، فإن الأمم المتحدة ليس
لديها حوار سياسي مع «حماس»، لكن عملنا في غزة كبير جداً - لدينا 12 ألف موظف
وأكثر من 200 ألف طفل في غزة وحدها يدرسون في مدارسنا - وهذا يعني أنه يجب أن يكون
هناك تواصل في شأن الأمن والصحة العمومية وكل الأمور الأخرى المتعلقة بإدارة
الأراضي الفلسطينية، وبما أنها السلطة الفعلية على الأرض فلدينا اتصال روتيني يومي
معها. لكننا لا نتحدث في السياسة».
وتدير «أونروا» في غزة ثلثي الخدمات
العمومية، وهي تشرف على تدريس 200 ألف طفل في القطاع وحده (من بين 500 ألف يذهبون
إلى مدارسها في الشرق الأوسط - مخيمات الفلسطينيين في لبنان وسورية والأردن).
وأوضح أن برامج «أونروا» الأساسية -
أي التعليم والصحة - لم تتأثر بعصر النفقات، لكن برامج أخرى «خاصة» تتأثر أحياناً
إما بزيادة النفقات أو خفضها.
وعدد سكان غزة يترواح بين 1.6 أو 1.7
مليون نسمة، ومن بين هؤلاء قرابة 1.1 مليون شخص يُعتبرون لاجئين (فروا إلى القطاع
من مناطق فلسطينية احتلتها إسرائيل). «لذلك، لدينا عملية هائلة في القطاع»، كما
قال، مشيراً إلى أن «أونروا» تنفق قرابة نصف بليون دولار سنوياً في غزة لوحدها.
وأقر بأن الأنفاق التي يهدمها
المصريون حالياً «غير شرعية ولا أحد يروّج لها. لكنها كانت خلال الحصار الطريقة
الوحيدة التي عبرها يمكن جلب الوقود وبضائع أخرى. إذا قررت دول أن تمنع أشياء غير
شرعية فهذا حقها ولا أحد يقول غير ذلك، لكن الناس في غزة يجب أن يُعرض عليها
بدائل. وهنا الأمر يتعلق بالحصار الإسرائيلي. فمسؤولية الإسرائيليين أن يسمحوا
للتجارة بأن تدخل غزة وتخرج منها. وإذا أغلق المصريون الأنفاق فيجب أن يكون هناك
فتح مواز للمعابر الشرعية. غزة مثل الجسد: عليه أن يتنفس وإلا اختنق. فإذا أغلقت
الأنف فيجب فتح الفم وإلا لا تستطيع أن تتنفس».
وقال: «لا يمكن أن تقول الآن إنه يجب
أن نتوقف عن دعم الفلسطينيين لأن قضيتهم باتت قديمة. الآن هو وقت تقديم مساعدة.
ساعدوا «أونروا» رجاء، فنحن الأداة الوحيدة التي تقدم المساعدة لهؤلاء الناس
اللاجئين، ولدينا مشكلة مالية كبيرة: 700 مدرسة و130 عيادة طبية تكلفنا سنوياً 650
مليون دولار. والآن السنة قاربت على الانتهاء وما زال ينقصنا 40 مليون دولار...
إذا لم أحصل عليها قبل نهاية السنة فكيف سأدفع للمدرّسين والأطباء والمساعدين
الطبيين والموظفين الاجتماعيين؟ هذه المناشدة أتوجه بها إلى كل العالم، ولكن
بالأخص إلى الدول العربية في الخليج».