أبو أدهم يختتم 20 عاماً قضاها في لملمة حكاية وطن:
3000 قطعة أثرية تروي حياة فلسطين ما قبل النكبة
السبت، 14 أيار، 2011
حسين سعد - السفير
مع كل قطعة جديدة يضيفها محمود دكّور (74 عاماً) إلى متحفه، تكبر فرحة ابن "قديثا" في قضاء صفد، الذي ترك أزقة بلدته، "وبيوت الكدَّان والطين"، قسراً في العام 1948 نازحاً نحو الجنوب اللبناني. يعتبر أبو أدهم أنه أدّى بذلك قسماً من واجبه تجاه فلسطين، التي تلملم 63 سنة لتحيي ذكرى نكبتها. دفع عشق فلسطين أبا أدهم إلى جمع تراثها، ليضمّ في متحفه كل ما يمتّ بصلة إلى ما قبل النكبة، ولكل قطعة في متحفه حكاية يرويها. وكان دكّور قد أنشأ متحفه إلى جوار منزله، قبل نحو عشرين عاماً، في محلة المعشوق إلى الشرق من مدينة صور. وفي المتحف حكايات ترويها النقود المعدنية القديمة، والأواني النحاسية، والمطرزات، وفساتين الأعراس والكوفيات، وعقود بيع وشراء الأراضي، وأدوات الفلاحين،... وصولاً إلى قفل سجن عكا، ملحقاً بالمتحف خلال عقدين من الزمن مكتبة ضخمة تضمّ أكثر من 13 ألف كتاب، وأكثر من 30 دورية مكتملة، يلجأ إليها الطلاب لإتمام بحوثهم. لم يهن على دكّور الإهمال الذي لحظه في الجناح الفلسطيني في "معرض دمشق الدولي"، في أواخر ثمانينات القرن الماضي، حيث "انحصرت المشاركة الفلسطينية حينذاك على مجموعة من المطرزات التي لا تفي فلسطين حقها". فبدأت رحلة السبعيني، الذي تقاعد قبل أربعة عشر عاماً من سلك التعليم في وكالة "الأونروا"، في جمع التراث الفلسطيني إلى سنوات طويلة، أسفرت حتى اليوم عن ضمّ ما يتعدّى الثلاثة آلاف قطعة ووثيقة أصلية، حصل عليها ببدلات مالية في أغلب الأحيان، من فلسطينيي الشتات في لبنان، وسوريا، والاردن، ومن داخل فلسطين، وحتى من الأسواق الأوربية والأميركية. أنفق أبو أدهم قسماً كبيراً من معاشه التقاعدي (ثلاثمئة ألف دولار) في سبيل تحقيق ذلك الهدف. ولم يمدّ يد دكّور يده إلى أحد لإنجاز المشروع من ألفه إلى يائه، باستثناء استعانته ببعض الأصدقاء وكبار السنّ، من البلدات والقرى الفلسطينية. يلفت أن متحفه "يعتبر الوحيد من نوعه لما يحتويه من قطع نادرة. وقد جاء رداً وتحدياً لمحاولات دولة الاغتصاب الإسرائيلية سرقة التراث الشعبي الفلسطيني وطمس الهوية". يضيف: "إن ما يسعدني بعد كل هذا العمر، أنني أساهم في الذود عن فلسطين، وإمضاء ساعات طويلة في الشرح لزوار المتحف وخاصة التلامذة الفلسطينيين، عن كل قطعة وتاريخها ومصدرها ووجهة استعمالها، لأجل تنشيط الذاكرة الجماعية والفردية، وتواصل الماضي مع الحاضر". لكن ما يؤلم دكّور أنه يفتقد دعم سلطة بلاده بكل تكاوينها لاستكمال مشروعه، الذي يحتاج إلى المزيد من القطع التراثية، المتعلقة بمراحل حياة الفلسطينيين قبل النكبة بكل طقوسها ومفرداتها الشعبية، آملاً "إطلاق مؤسسة فلسطينية تحتضن التراث الفلسطيني، لأن المبادرة الفردية لا تكفي أبداً". ومن بين مقتنيات متحف دكّور عملة معدنية رومانية عمرها أكثر من ألفي سنة استعملت في فلسطين، وحصل عليها عن طريق شقيقته التي تعيش داخل الخط الأخضر، وشعار معدني يحمل اسم "لجنة السيدات العربيات في القدس"، ورسم لقبّة الأقصى يعود إلى العام 1938، ما يدل على فعالية المرأة الفلسطينية والمقدسية تحديداً. وفي المتحف قفل سجن عكا، وعقود شراء وبيع يتعدى عمرها 150 عاما، ونيشان الشرطة الفلسطينية يعود لسنة 1945، وهو يحمل صورة الملك جورج السادس من ناحية وصورة لملاك يمثل شعار الشرطة الفلسطينية من ناحية أخرى، بالإضافة إلى مجموعة كاملة من النقود المعدنية صكّت بين العامين 1927 و1946، ومجموعتين من النقود الورقية، ومحمصة بن قديمة... وميزان تراثي "يشهد على كيل العالم بمكيالين".