القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

الأديب الفلسطيني سعيد أبو نعسة: على ماذا حصلنا من التفاوض غير التنازل وضياع الأرض والجدار العازل وحفنة من الدولارات؟!

الأديب الفلسطيني سعيد أبو نعسة في حوار مع البراق
تختفي الأنا في الفلسطيني لأنه يجعل القضية والأرض أعظم وأهم من ذاته الشخصية
على ماذا حصلنا من التفاوض غير التنازل وضياع الأرض والجدار العازل وحفنة من الدولارات؟!
 

عبد الكريم طه/ بعلبك

هو سعيد محمد أبو نعسة من مواليد عام 1953 بعلبك – مخيم ويفل. البلد الأصلي: قرية عين ماهل – قضاء الناصرة. حاز على شهادة ليسانس في العقيدة والفلسفة من جامعة الأزهر في مصر عام 1975. عمل في حقل التعليم مدرساً لمادة الأدب العربي. وأصدر مجموعتين في مجال القصة القصيرة هما: أغلى من الذهب (دار بيسان 2000)، حكايات للزمن الآتي (مطبعة الأمير، بعلبك 2001). وله تحت الطبع مجموعة ثالثة هي: قبل أن..

من أجل الحديث عن الأدب والفن والأرض والقضية والشعب ودور الثقافة، زرناه وكان الحوار التالي:

ما أثر الأرض في تكوين الشخصية عند سعيد أبو نعسة، وعلى وجه الخصوص منها الشخصية الأدبية؟

قد لا يكون للأرض بما هي من عناصر ترابية أثر إلا من حيث التكوين الجسدي، وإلا تأثر الأديب بالأرض التي أنبتته وصارت شخصيته مرتهنة لها، وهنا وجب أن يعكس أدبي طبيعة بعلبك وعاداتها وتقاليدها وتراثها. ولكن لأرض فلسطين خصوصية فريدة، ذلك أنها تختزن قداسة الأديان السماوية الثلاثة وقبلتها جميعاً وإليها تُشدّ الرحال. وبما أن هذه الأرض تضم ثرى أجدادي وعليها نقشت بطولاتهم ومآثرهم، فهي تشكل الهوية بالنسبة لي ولكل من كتب عن فلسطين. وبما أن هذه الأرض تشهد عذابات أهلها ومآسيهم فإنها تظل الرابط الأقوى بين كل الروابط التي تشد شعب فلسطين بعضه إلى بعض.

ولأنني كلاجئ فلسطيني فقد سمعت بعذابات أهلي ورأيتها مطبوعة على قسمات وجوههم، وقد ألقيت في بحر الآلام مذ كنت طفلاً ولم أزل بسبب الكلمة النافرة التي ألصقت بي ((لاجئ))، هذا كله ولّد المعاناة التي تعتبر الأتون الذي يصهر الإبداع في داخله ويُخرجه سبائك حروف تبهر لمعانيها العيون والقلوب ويشد الأنظار إليها، وهكذا تصبح الأرض المبدأ والمنتهى، المنطلق والهدف، ولهذا كتبت فلسطين ولم أكتب عنها. ومهما حاولت التملّص من إسارها أجدها تكبّل حروفي وتتجوهر بداخلها، فتلقي على كاهلي مسؤولية أعظم تستدعي الأجود والأبدع والأحلى والأندر، وتضعني أمام تحدٍّ دائم فعسى أن أفوز في الختام ولا أخيّب ظنّ أرضي بي.

لماذا اخترت القصة القصيرة دون الرواية؟

لكل نوع أدبي مقوماتُه وخصائصُه، ويرتبط انتشارُهُ بالظروف الاجتماعية والسياسية والحياتية لشعبٍ من الشعوب أو الأفراد، ولا يعتمده الأديب بقرار عن سابق تصميم بل يتشكل في لاوَعيه بشكلٍ عفوي ويندلق على الورق ممزوجاً بثقافة الكاتب ومخزونِهِ المعرفي ونظرته إلى الكون والحياة والإنسان وتوجهاته السياسية وآرائه الاجتماعية وأهدافه الحياتية. الأدب قبل كل شيء هو موهبة مهداة من الله سبحانه وتعالى للإنسان، وعليه أن ينميها بالمعارف والعلوم والمشاهدات، فالأدب شعراً كان أو قصة أو رواية هو موهبة، كما الفن والموسيقى والغناء موهبة. وقد حاولت كتابة الشعر في بداية مشواري مع الحرف فوجدت أن أشعاري تحكي قصصاً، فاكتشفت نفسي بنفسي وعرفت أنني أحب السرد فانطلقت في رحلة البحث المعرفي والمطالعة الجادة ردحاً طويلاً من الزمن حتى تأخرت كثيراً في نشر قصصي الأولى على صفحات جريدة السفير عام 1997، لِيَقيني بأن النصّ الأول يفضح شخصية الكاتب وثقافته وعلمه. أما الرواية فقد تراجعت أمام القصة القصيرة بسبب ظروف الحياة السريعة والتطور الإعلامي وتبدل مشاغل الناس، فمن لديه الوقت اليوم كي يقرأ رواية متشابكة الأحداث والشخصيات على مدى 500 صفحة مثلاً. أما القصة القصيرة فما زالت تلقى رواجاً كبيراً، وهي قادرة على التعبير عن أفكار الأديب وتطلعاته، وربما كان هذا هو السبب في اتجاهي مؤخراً إلى كتابة القصة القصيرة جداً في مجموعتي الأخيرة (قبل أن..).

لماذا توقف الأديب سعيد أبو نعسة عن الكتابة الورقية لصالح الإنترنت؟

الإنترنت وسيلة إعلامية والتي رغم انتشارها فإنها ما زالت تحبو في عالم الأدب على وجه الخصوص، ذلك أن الأدباء في معظمهم لا يمتلكون تقنية التعامل معها كما أن القرّاء يعزفون عن المواقع الأدبية إلا من ندر، ويظل الإعلام الورقي المقروء هو الأقدر على حفظ الأدب وحقوق الأديب الفكرية، ولكن الحاصل أن الكلمة المكتوبة ورقياً صارت شبه مهملة، فمن يشتري الجريدة يطالع بسرعة ما يكتب من عناوين بالخط العريض. وكذلك يُفعل بالمجلة. أما المجموعات القصصية فإذا صدف واشتراها أحد فهم الأدباء تحديداً كي يطلعوا على نتاجات الكتًاب الجدد، ولي تجربة مريرة مع كتابَيّ السابقين حيث احتل الغبار ما تبقى عندي من نسخ وهذا حال جميع الأدباء العرب. كما أن الإنترنت أسرع وأسهل وأرخص للنشر، وتمكّنني من مناقشة قصصي مع القراء عبر تعليقاتهم وردودي عليها. إضافة إلى أن الإنترنت أفضل وسيلة للتعارف بين الأدباء والقرّاء العرب، وإذا ظلت حال الأدب الورقي في تدنِ مستمر فإن الإنترنت سيخطف المجال قريباً وسيصبح الوسيلة الأولى وربما الأخيرة لنشر الأدب.

هل توافق على أن الأدب الفلسطيني هو أدب انتماء وليس أدب جنسية، وهل تصنف الكتّاب الذين كتبوا عن فلسطين من غير الفلسطينيين ضمن منظومة الأدب الفلسطيني؟

لا جنسية للأدب، بل هناك جنسية للأديب، لأن الأدب كسائر الفنون إبداع بشري فكري إنساني يتخطى الحدود والتقسيمات الجغرافية في تمحوره حول الإنسان وعلاقته بالموت والحياة والكون وسائر المخلوقات، وعلى هذا فهو أدب انتماء بامتياز، بمعنى أنه إما أن يكون ملتزماً قضية إنسانية أو أعطِهِ اسماً بعد ذلك ما شئت غير ((أدب)). لذا طربنا لأشعار الشعراء العرب من غير جنسياتنا وتفاعلنا إلى حد البكاء مع روايات تولوستوي وديستويفسكي وسواهما وعشق العالم فلسطين من خلال أشعار محمود درويش وقصص وروايات غسان كنفاني.

أما بخصوص الشق الثاني من السؤال فان الكتّاب الذين كتبوا لفلسطين وعنها فإنه يصحّ أن نصنفهم ضمن ((أدب فلسطين)) مهما تنوعت جنسياتهم لأن فلسطين كقضية هي المحور لنتاجاتهم، أما إذا قلنا ((الأدب الفلسطيني)) فإننا نحصر هذه التسمية بالأدباء الذين يحملون الجنسية الفلسطينية، تماماً كما نقول الأدب الروسي أو اللاتيني أو اللبناني.

أين يفترق الفلسطيني عن غيره في الأدب وأين يلتقي؟

ما يميز الفلسطيني حين يكتب أدباً أنه يجعل القضية وأرض فلسطين أعظم وأهم من ذاته الشخصية فتختفي الأنا بفعل الاحتفاء بثرى فلسطين وعبق تاريخها وقدسية قضيتها. وهكذا ينتقل الأدب مباشرة من خصوصية المكان والزمان والشخصية إلى عموم الهمّ الإنساني، كما أن هذا التعلق الشديد بالأرض وجعْلها هوية للأديب يرفع قيمة فلسطين في نظر كل من يقرأ الأدب الفلسطيني أو أدب فلسطين, فسرعان ما يتعاطف معها ويتفاعل مع همومها.

كيف تقيّم الأدب الفلسطيني في خارج فلسطين وخاصة في لبنان؟

الأدب الفلسطيني لم يتبلور وينتشر إلا خارج فلسطين، وما عرفناه من أدباء الداخل لم يتعدّ أصابع الكف، ذاك أن المعاناة والآلام تضاعفت في الخارج وصار الفلسطيني في مواجهة آلام الغربة وآلام النكبة وجمع الضيم من العدو ومن أبناء العمومة على حدٍ سواء. وكان لوجود الثورة الفلسطينية في لبنان دور كبير في احتضان الأدباء ونشر نتاجاتهم لدرجة أنها عندما خرجت من بيروت خمد بريق الحرف الفلسطيني ولم نعد نسمع إلا ببعض الأسماء المغمورة. وللبنان الآن خصوصية حيث إن الكاتب الفلسطيني مطالب بتأمين لقمة العيش من عدة أماكن عمل ويظل في سباق مع الزمن ومتطلبات الحياة بعكس الأديب الفلسطيني المقيم في سوريا أو الأردن حيث يشعر هناك بالأمان والسلام رغم أن جو الحرية في لبنان أنسب لكتابة الأدب الحر بعيداً عن مقص الرقيب.

كيف ينظر سعيد أبو نعسة إلى العناوين التالية: المقاومة – الشهادة – الحقوق المدنية – عملية التسوية؟

بالنسبة للمقاومة والشهادة فقبل أن تقرّهما حقوق الإنسان هما أمر بديهي طبيعي لا يختلف عليه اثنان، فصاحب الحق يصارع ويجاهد ويستشهد من أجل استرجاع حقه، ولنا في التاريخ عبرة إذ لم نسمع بغاصب محتل تراجع طواعية دون مقاومة باسلة دامت أعواماً، فالجزائر وفيتنام وكوريا ودول العالم الثالث كلها تحررت من ربقة الاستعمار بفعل المقاومة والشهادة، حتى إن أمريكا نفسها تحررت واستقلت عن بريطانيا بفعل المقاومة، ودول أوروبا التي ابتلعها هتلر لم تتحرر إلا بالمقاومة والدماء والأشلاء، فلماذا يعيبون على الفلسطيني مقاومته الاحتلال وينعتونها بالإرهاب؟ فهل كانوا هم إرهابيين عندما انتهجوا المقاومة سبيلاً للتحرر؟!

أما بخصوص الحقوق المدنية، فواجب على كل الشرفاء في لبنان أن يعملوا ليل نهار من أجل منحها للفلسطيني المقيم على أرض لبنان، لأنها قضية إنسانية لا علاقة لها بالتوطين ولا بنسيان القضية. فليست فرصة العمل أو الشقة السكنية هي البديل عن فلسطين؛ خاصة أن آلاف العقارات في لبنان يملكها الخليجيون، فهل تخلوا عن جنسياتهم لهذا السبب؟

أما عملية السلام المزعوم والتسوية فلن تجدي نفعاً وهي دائما لمصلحة القوي ولا بديل عن المقاومة لاسترجاع الحقوق، والتاريخ يخبرنا أن شعب فيتنام كان في عز مقاومته حين كان المفاوض الفيتنامي في باريس يفاوض الأمريكان، ونحن نفاوض منذ عام 1993 بشكل علني فعلى ماذا حصلنا غير التنازل وضياع الأرض والجدار العازل وحفنة من الدولارات؟

المصدر: البراق، العدد الخامس - آذار (مارس) 2012