في حوار خاص بذكرى استشهاد الياسين
الشيخ تمراز: أحمد الياسين "عاشق" للعمل العسكري
الإثنين، 23 آذار، 2015
هذا الثائر القديم ذو اللحية البيضاء والأسنان المفلّجة يحمل كثيرًا من
تفاصيل تأسيس العمل العسكري إلى جانب الشيخ أحمد ياسين مطلع الثمانينيات.
ففي جعبة الشيخ عبد الرحمن عبد الرحيم تمراز (أبو ماهر) أحد مؤسسي جماعة
الإخوان المسلمين ومؤسس العمل العسكري ضد الاحتلال، حكايات موثقة يكشف عنها لأول مرة.
ولد الشيخ تمرار في مدينة أسدود المحتلة سنة 1942 وأنهى الثانوية العامة
سنة 1962 ثم عمل موظفًا في بلدية غزة وبعدها تفرغ للعمل التجاري، وله شهيدان من الأبناء
إضافة إلى استشهاد ابنته الكبرى زوجة الشهيد نزار ريان.
يعد الشيخ تمراز أول مؤسس للعمل العسكري برفقة د. إبراهيم المقادمة، برعاية
وتمويل من الإخوان المسلمين في الأردن، ما شكل أول نواة للعمل المقاوم انطلقت مع بدء
الانتفاضة.
"المركز الفلسطيني
للإعلام" حاور الشيخ تمراز في ذكرى استشهاد الشيخ ياسين للكشف عن تفاصيل تأسيس
العمل العسكري بمشورة الشيخ أحمد ياسين الذي كان كل فكره وتوجهه مع العمل المسلح، كما
يقول تمراز.
وفيما يلي نص الحوار:
- متى بدأت علاقتك بالشيخ الشهيد
أحمد ياسين؟
- بداية معرفتي
بالشيخ الشهيد أحمد ياسين كانت أواخر سنة 1969، فقد كان توجهي إسلاميًّا، فتعرفت على
الشيخ محمود أبو خوصة وسليم أبو عبيد ورجب أبو ظاهر بمسجد العودة بمخيم جباليا وأعطوني
كتاب "معالم في الطريق"، وأعجبوا بفهمي له، وعرضوا علي العمل في الإخوان
المسلمين، ثم عرفوني على الشيخ أحمد ياسين، وتعجبت حين رأيته أول مرة كيف يقود رجل
مشلول دعوة، لكنه رحب بي وكان حديثه يلامس طموح الشباب فتحدث عن الجهاد والدعوة والاستقطاب
وصياغة الفرد.
- ما هي ملامح العمل مع ياسين في
السبعينيات؟
- بدأت بتوجيه من
ياسين تأسيس نواة للعمل الدعوي، واتفقنا ألا نذكر اسم الإخوان، بل ندعو فقط للإسلام،
وبدأت علاقتي بالناشطين في غزة والشمال والوسطى، وبدأت أتردد عليه ونتناقش وأنهل من
علمه، وكونت نواة للعمل في معسكر جباليا وبلدة جباليا حتى صرت مسئول الإخوان في شمال
قطاع غزة، وكلفني بتأسيس نواة للعمل في دير البلح، وسلمتها للشيخ عبد التفاح دخان.
بقينا نعمل ونشكل مجموعات ومجالس مناطق، ثم أسسنا لجنة تنفيذية مكونة من
5 أشخاص كمسئولين، كنت أنا من شمال قطاع غزة، ثم أخ من المحافظة الوسطى، واثنان من
غزة، وواحد من خان يونس، وواحد من رفح، برئاسة ياسين، وكنا نلتقي معه بشكل أسبوعي.
- من أين جاءت فكرة تأسيس العمل العسكري مطلع الثمانينيات؟
- تعرض الشيخ عبد
الفتاح دخان مسئول تنظيم الإخوان في وسط القطاع لتهديد حين أطلق عليه رجل مقرب من شرطة
الاحتلال رصاصة وهدده بالقتل، فناقشنا الأمر في الاجتماع الأسبوعي، وأجمعنا على ضرورة
الرد العملي عليه.
اعتقدت أن ياسين لديه عمل سرّي لكني عندما سألته عن طبيعة الرد بعد شهر
اكتشفت عدم وجود أي عمل عسكري، وفي اليوم التالي عدت له وطلب إجابة كاملة فتبسم ابتسامته
المعهودة وقال: وهل هناك شيء معنا لنرد؟! فانذهلت وبقيت أفكر وعدت له مطالبًا بأهمية
هذا العمل فقال: "طلقناك يا سبع!".
عدت لبيتي في حالة غليان، فلم أتوقع أن تكون حركتنا بدون عمل وسلاح يحميها
ونقاوم به العدو، وأمسكت ورقة وقلمًا وكتبت خطة وتصورًا حول "نوع السلاح، المدربين،
مصادر السلاح، التجار"، ثم عدت للشيخ وقلت له نريد نقودًا وأشياء أخرى، فقال لي:
(ابدأ)".
أرسلني إلى الأردن وأعطاني كلمة السرّ وهناك قابلت د.يوسف العظم وهو من
مجلس شورى الإخوان، وكانت كلمة السرّ أن أقرأ له سورة العصر حتى ننفتح في الكلام، وكان
العظم من محبي العمل العسكري لفلسطين، ورتب لي موعدًا في المساء مع قيادة الإخوان المسلمين.
كتبت على ورقةٍ احتياجاتي من السلاح والهدف من العمل، لأن كافة التنظيمات
الفلسطينية كان لها مقاومة مسلحة في حين كان الإخوان لا زالوا يركزون على الإعداد والتكوين
والتربية فقط.
اجتمع مجلس شورى الإخوان برئاسة د.محمد عبد الرحمن خليفة وبحضور د.عبد
الله عزام ود.أحمد نوفل وآخرين وطلبت منهم إيصال السلاح لمسافة كيلومتر من أي جبهة
حدودية ومن بعده ينقل لغزة.
استقر الرأي على تمويلي بـ 100 ألف دينار آخذها على دفعتين، كما رفعت ميزانية
الإخوان في غزة إلى 25 ألف دينار بدل 5 آلاف سنويًّا، وأخبرتهم أني سأبدأ في شراء وتخزين
السلاح قبل مرحلة إقلاق العدو.
عدت لغزة وقابلت الشيخ ياسين فتبسم وقال لي "قمحة ولا شعيرة"-يبتسم-
فقلت له: "قمحة وشعيرة"، وكانت هذه كلمته ثم بدأت أسترشد بشباب، للحصول على
سلاح من رفح حتى بيت حانون، حتى قام أحدهم بشراء مسدس بواسطة أحد أقاربه من حركة
"فتح".
كنت حذرًا جدًّا، وأوصي شباب الإخوان ألا يخبروا أحدًا ويشتروا بطريقة
ما، وبدأنا نتعرف على تجار السلاح حتى وصلنا تجار بئر السبع واشترينا منهم.
- وهل الشيخ أحمد ياسين مؤمن بالعمل
العسكري؟
العمل العسكري في دم الشيخ أحمد ياسين من أول الدنيا! ودائمًا كان يردد
أنه يريد عملاً عسكريًّا لأنه كان مؤمنًا بضرورته، وأن أهدافنا لن تتحقق بدونه، خاصة
أن كافة التنظيمات الفلسطينية لها نشاط عسكري، والواجب الديني والوطني كان يملي علينا
ذلك، ورسائل الإمام البنا تحدثت كثيرًا عن ذلك.
- من كان معك في هذا النشاط وقتها؟
كنت أنا مسئول هذا العمل، وكان معي الدكتور أحمد الملح مسئول رفح ود.إبراهيم
المقادمة وآخرون بأدوار مختلفة، منهم د.محمد شهاب، وصلاح شحادة، ومحمد سمارة وشباب
آخرون.
ولم يكن مجلس قيادة الإخوان المسلمين في القطاع يعلم بعملنا هذا، وقلت
للشيخ ياسين أنني سأقسم القطاع إلى 4 أقسام.
بدأت في توزيع السلاح وتخزينه، وفي أواخر سنة 1982 كنا قد كونا مجموعات
خرجت للتدريب في الأردن وأصبحت لدي خبرة في المتفجرات وبدأت أرسل مجموعات للتدريب في
الخارج، فرجحت لهم أفغانستان عن غيرها؛ حيث كان هناك د.عبد الله عزام.
خرجت مجموعات للتدريب من كافة أنحاء قطاع غزة، بينما كنت أنا قد جمعت كمية
كبيرة من السلاح تقدر بـ 87 قطعة ما بين "كلاشينكوف، مسدس، كارلو، عوزي، إم
16، جاليلو" وقطع أخرى.
- كيف تم كشف نشاطكم العسكري، ومن اعتقل في تلك المرحلة؟
في شهر حزيران (يونيو) سنة 1984 كنا نعمل بشكل متواصل بعد أن جمعنا سلاحًا
ونظمنا قضية التدريب، وكانت لنا مخازن ومسئولون عنها وعن المجموعات التي كانت معظمها
لا تعرف بعضها للحفاظ على سرية.
لم تكن ضربة جواسيس وإنما بدأت من قصة قطعة "عوزي" تخص د.المقادمة
أتت من بئر السبع وأصلها لشرطي باعها شقيقه، ولما فقدها أخبر عنه وبعدها توصل الاحتلال
إلى التاجر الذي نقلها وللشاب الذي اشتراها.
- كيف كان الاعتقال، ومن اعتقل معكم؟
لم يكن معظم العاملين يعرفون بعضهم وعلى رأسهم د.محمد شهاب، د.إبراهيم
المقادمة، د.أحمد الملح، عرب مهرة، محمد سمارة، وفي أحد الأيام أخبرني د.شهاب باعتقال
واحد من المجموعة، فقلت له "اطمئن نحن نتمنى الشهادة"، ومساء ذلك اليوم اعتقله
الاحتلال، فتوجهت للشيخ ياسين وأخبرته بكافة تفاصيل العمل ومخازننا وإمكاناتنا حتى
يتم التصرف لو اعتقلت، وعندما عدت للبيت في الواحدة فجرًا بعد لقاء ياسين وجدت بيتي
مطوقًا بالجنود، فاعتقلوني.
- ماذا حدث بعد الاعتقال معك ومع الشيخ ياسين؟
تمكن د.الملح من السفر ونجاه الله، أما د.المقادمة فنصحوه بتسليم نفسه،
وقالوا له سلّم نفسك واعترف بشيء محدد، ونحن صدرت بحقنا أحكام متفاوتة فحكمت بـ 12
سنة والشيخ أحمد ياسين 13 سنة والبقية 8 و10 سنوات، أما الشيخ صلاح شحادة فحكم سنتين.
بقيت حتى سنة 1994 وكنت أتابع مع الأسرى أخبار المقاومة في الخارج، وكنا
سعيدين بتطور المقاومة حتى فك الله أسرنا.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام