الشيخ رائد صلاح : الاردن سيبقى السند والعزوة لفلسطين
الثلاثاء، 05 شباط، 2013
ثمن رئيس الحركة الاسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948 شيخ الاقصى رائد صلاح «جو الكرم الأخوي» الذي لقيه خلال زيارته للمملكة، معتبرا أن هذا يؤكد أن الأردن سيبقى السند والعزوة لفلسطين.
وأكد الشيخ صلاح، في حوار مع أسرة تحرير «الدستور»، عدم الاعتراف بسيادة الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى أن هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار في القدس هما «العنوان الموحد الذي يمثل السيادة لنا».
وحذر صلاح خلال الحوار من اتساع المخططات التهويدية التي أكد أنها لا تقتصر على القدس وإنما تمتد إلى سائر الضفة الغربية، مشيرا الى أن اسرائيل باتت تتعجل في تنفيذ مشاريع التهويد ومساعيها لبناء الهيكل مكان المسجد الأقصى، تحديدا بعد الربيع العربي وخشيتها من أن يفرز واقعا جديدا «قد يلجم جنون الاحتلال الإسرائيلي».
وردا على سؤال، رأى شيخ الأقصى أن الزيارات التي تتم للقدس والمسجد المبارك «تسهم في أمر واحد فقط هو منح سيادة للاحتلال الإسرائيلي»، وإن تمت بنوايا حسنة، وفق تعبيره، معربا عن خشيته من «محاولة اختزال قضية القدس والمسجد الأقصى في حق زيارة لأداء شعائر دينية، ونقل قضية القدس والمسجد الأقصى من قضية سيادة إلى قضية حقوق دينية».
رئيس التحرير المسؤول
هذا يوم جميل لنا ويوم مشهود في تاريخ «الدستور»، لا ندري ماذا نسميك يا سيدي الشيخ.. اسد فلسطين، أم اسد القدس، أم حبيب فلسطين، ولكن اللقب الذي يجمع كل هذا، انك المجاهد الكبير.
رأيناك وتابعناك مجاهدا في المعتقلات وفي ساحات الاقصى وفي كل مكان في فلسطين، وحتى في البحار وثبت كالطود، لأنك كاسمك صاحب حق، ولأنك نموذج كبير في تاريخ القضية الفلسطينية، نموذج في الثبات على الحق، وانت اليوم تزور المملكة الاردنية الهاشمية، البلد التوأم لفلسطين، الذي ما تردد يوما في الوقوف الى جانب اشقائه في العقيدة والدم، المرابطين على تراب فلسطين.
نرحب بك كل الترحيب على ثرى الاردن ارض الحشد والرباط، كما ارحب بك باسمي وباسم زملائي في «الدستور» ترحيبا لا حد له.. فاهلا وسهلا بك وبكل المرابطين الثابتين على الحق.
اسمح لي، ان ابدأ حديثي معك سماحة الشيخ عن قصة الربيع العربي ومحاولات الشد العكسي لشعوب هذه الدول التي نجحت في انتزاع حقوقها في الحرية والعدالة والمساواة، اقصد محاولات شدها بطريقة عكسية لعرقلة طموحها،ومصر الان هي النموذج لهذه الحالة، ونحن كنا كباقي العرب والمسلمين، وما زلنا نعتقد ان قطار الربيع العربي لن يتوقف، الا على تراب فلسطين وساحات الاقصى رغم كل محاولات افشال او حرق صورة هذه الثورات المباركة، فما رأيكم بما يحصل في دول الربيع العربي وتأثيره على القضية الفلسطينية؟.
- صلاح: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. نحن نؤكد أننا نحظى بضيافة كريمة أخوية منذ اللحظات الأولى التي أكرمنا الله بها ودخلنا الأردن قبل أيام. هذا الكرم أُحطنا به من حين دخولنا إلى أول منطقة العبور حتى هذه اللحظات. كنا في الزرقاء والرصيفة والمفرق والآن في عمان في أكثر من مكان، ولله الحمد، هناك جو من الكرم الأخوي الذي يشعرنا فعلاً بأن الأردن ستبقى هي السند والعزوة لنا بإذن الله تعالى.
ونشكر بشكل خاص رئيس التحرير المسؤول وأسرة التحرير في «الدستور» على هذه الضيافة.
بالنسبة لقضية الربيع العربي، فكما اجتهدت في بداية حديثي، وسلفاً أقول إنها قناعتي لا أفرضها على غيري، قد تصيب وقد تخطئ، لكنني مقتنع بها. واضح جداً أن الذين يتعاملون مع الربيع العربي أكثر من جهة، كانت جهات صادقة فعلاً، دعمت الربيع العربي حتى ينجح، وكانت هناك جهات تحاول ان تستوعبه وتستقطبه، ويبدو أنها عندما شعرت بهذا الفشل بدأت تثير ثورات مضادة في كل دول الربيع العربي من أجل إفشال هذه الثورات، ولذلك أنا شخصياً لم أفاجأ بما وقع في مصر وإن كنت لا أتمناه، لكنه كان أمراً متوقعاً لأن من الواضح جداً أننا في مواقفنا التي نحاول فيها أن نتعاون وأن نصل إلى حقوقنا -سواء على صعيد الأمة المسلمة والعالم العربي- لنا منازعون، لن يسكتوا عنا ولن يناموا عنا، وستبقى لهم أجندتهم التي يسهرون على تنفيذها ضد الحق الإسلامي والعربي، وإلى جانب ذلك ضد الحق الفلسطيني، فما يحدث في مصر يحدث في كل دول الربيع العربي ولكن بصورة أخف. مصر كما هو واضح جداً هي المحور، ولا شك أن الأحداث التي تقع مؤسفة ومحزنة جداً لنا جميعاً، ولكنني متفائل، وتفاؤلي يدعوني أن أطمع أن تتجاوز مصر هذه التحديات الداخلية والمدعومة من الخارج، حتى تستقر وتتنفس وتبدأ في بناء واقعها الداخلي، وقوتها ستكون قوة للجميع، قوة للعالم العربي بدون استثناء، وقوة للقضية الفلسطينية بشكل خاص، وقوة لحقوقنا كأمة مسلمة وعالم عربي. هذا ما أتمناه بإذن الله تعالى.
الدستور: في ظل المقاومة الشعبية التي تدعو لها القيادة الفلسطينية الآن، هل تعتقد أن هذه المقاومة ستستطيع أن تغير شيئاً على الأرض المحتلة من واقع التطرف الصهيوني؟. ثانياً: في ضوء المخططات المتكالبة على الأقصى، هل تعتقد أن ساعة الجريمة قد دنت؟.
- صلاح: أنا لن أخدع نفسي، وبإذن الله لن أفكر في يوم من الأيام أن أخدع أي واحد من أهلنا وأحبابنا على صعيد عمقنا الإسلامي والعربي، ولذلك سأقول قناعتي في السؤالين. بالنسبة للسؤال الأول حول أثر المقاومة الشعبية، فأنا واضح أن الاحتلال الإسرائيلي الآن يواصل بأسلوب مجنون وهستيري ليس تهويد القدس فقط، بل يواصل تهويد الضفة الغربية، وهذه حقيقة مرة، فالاحتلال الإسرائيلي الآن يواصل تهويد الضفة الغربية والإبقاء على حدود ثابتة لا تتسع ولا تزيد في دائرة السلطة الفلسطينية. ما تبقى واضح جداً، يواصل مصادرة الأرض في الضفة الغربية إما لإقامة مستوطنات وإما لشق شوارع يسميها الشوارع الآمنة في المستوطنات، ويسير في هذا الاتجاه بدون توقف. في نفس الوقت، يواصل تهويد القدس بمصادرة أرضها وبناء مستوطنات جديدة فيها.
المقاومة الشعبية لا شك أنها تؤدي دورا، وهو نسبياً دور طيب لا يمكن إنكاره، ولكنه لم يستطع أن يوقف حد جنون الاحتلال الإسرائيلي. واضح جداً أن المقاومة الشعبية نسبياً تؤدي دورا طيبا ولكن هذا التغول يزداد من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وأنا في تصوري أن هناك لعب أدوار ونوعا من الازدواجية في الأدوار، بمعنى أن الذي لا يريد أن يؤديه الاحتلال الإسرائيلي علانية يعطيه للمستوطنين، ويحاول أن يخدعنا بمقولات بأنها أعمال متطرفة وتمثل عددا شاذا من المجتمع الإسرائيلي، لكني لا أصدق هذا التحليل ولم أصدقه في البداية، واستمرار الأحوال أكد لي أنني كنت على حق، على الأقل في قناعتي الداخلية.
المستوطنون يؤدون الدور الطبيعي في أطماع الاحتلال الإسرائيلي، وهو استمرار تهويد الضفة الغربية. تاريخياً من الذي دفع للاستيطان؟ أول حكومة دفعت باتجاه الاستيطان كانت حكومة رابين مع شمعون بيريز. والآن يتواصل الاستيطان. وإذا أردت أنا أن أتنازل عن عقلي فسأصدق بأن الاستيطان يتم بدون موافقة الاحتلال الإسرائيلي، لكن عقلي ما زال معي، فكيف يمكن أن يتم ذلك دون موافقة الاحتلال؟! كيف يمكن أن يتم تدمير كل حقول الزيتون في الضفة الغربية إما حرقها أو قلعها أو ضرب الأهل الذين يجمعون الزيتون بدون موافقة الاحتلال الإسرائيلي؟.. تصوري أن هناك دورا خبيثا يقوم به الاحتلال الإسرائيلي. والمقاومة الشعبية تؤدي دورا احتجاجيا، ليس تغييرا ولا لجما لهذا الدور الخبيث من الاحتلال الإسرائيلي، فهذه هي الحقيقة المرة.
بالنسبة للشق الثاني من السؤال، هل وصلت ساعة الصفر وهي تنفيذ جرائم الاحتلال في المسجد الأقصى؟ فهذا سؤال شجاع ومهم جداً، ويطول الحديث عنه.. أنا شخصياً لم أتفاجأ من الفيلم الذي قام ببطولته داني أيلون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، فهو لم يأت بشيء جديد في مشروع الاحتلال الإسرائيلي، وقال رسالة من وراء هذا الفيلم، حيث وقف في أحد مشاهد الفيلم بجانب قبة الصخرة، ثم استمر الفيلم، ووقف أمام قبة الصخرة وقد انهارت، ثم مشهد ثالث وقف فيه وإذ بمبنى تخيلي يظهر، وهو الهيكل الباطل الذي يطمعون فيه.
السؤال: هل هذا جديد في أطماع الاحتلال الإسرائيلي؟ بالطبع لا، هذا الطمع عبروا عنه أول ما بدؤوا يتحدثون في أواخر القرن الثامن عشر عن المشروع الصهيوني، والدليل أننا نجد في أواخر القرن الثامن عشر بن غوريون، وهو أحد مؤسسي المشروع الصهيوني، يقول: لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل.. جاء داني أيلون متأخراً بعد سنوات طويلة، ولكنه كشف لنا أمراً مهماً، من المهم أن نعرفه وهو باطل، فهو كشف لنا أنه حتى الآن لا يزال الطمع ببناء هيكل مكان المسجد الأقصى محل إجماع إسرائيلي، وليس كما حاول الإعلام العربي أن يخدعنا في يوم من الأيام أن من يقومون بالدعوة لبناء هيكل مجرد فئات متطرفة، فهذا كلام غير صحيح ونوع من الاستخفاف بعقولنا.
أنا شخصياً طوال الوقت كنت أتساءل: المشروع الصهيوني وفق استراتيجياته الأولى في أواخر القرن الثامن عشر وضع أمامه أنه سيقيم كيانا اسمه إسرائيل، وسيحتل القدس بعد ذلك، وسيبني هيكلا بعد ذلك. الآن، أقام كيانا اسمه إسرائيل، واحتل القدس، ونحن الآن في عام 2013 للميلاد، فلماذا لم يبن الهيكل لغاية الآن؟!.
بعد تفكير طويل لدي جواب واحد أنا مقتنع به، هو أن الاحتلال الإسرائيلي لا يريد أن يبني هيكلا في أي أرض كانت، فلو كان تفكيره هكذا لبناه منذ زمن، ولكنه يؤخر لسبب واحد، لأنه يصر على بناء الهيكل فقط في مكان واحد هو مكان المسجد الأقصى، لذلك، عندما أسمع الاحتلال الإسرائيلي يدعو إلى التعجيل ببناء هيكل، ففي نظري أن معنى ذلك التعجيل في هدم المسجد الأقصى.
ما أقوله تحليل، وأنا مقتنع به، وسأعطي دليلا على ما أقول، فجميعنا نعلم أن هناك في الإعلام شخصية لعبت دورا كبيرا في المؤسسة الإسرائيلية اسمها إبراهام بورغ. إبراهام بورغ هذا كان إلى فترة ما رئيس الكنيسيت، وكان وزيرا في حكومات، هي بالذات حكومات حزب العمل، ثم كان رئيس الوكالة اليهودية، وفي مقابلة له قبل أشهر قال إنه ستنزل نار من السماء تحرق المسجد الأقصى، وعندها ستبادر حكومة إسرائيل إلى تعيين وزير خاص ببناء الهيكل.. كل هذا كلام خطير، والذي يزيده خطورة كلامه في المقابلة الصحفية عندما قال: وسيتم ذلك في فترة حكومة نتنياهو.
الآن، يمكن أن يقال أن هذه خزعبلات، وهراء. ليس هنا المهم، لكن المهم ما هي الرسالة التي تحملها هذه الخزعبلات، فهذه الخزعبلات تحمل رسالة واحدة، وما أفهمه أن أبراهام بورغ يقول أن يتم هدم المسجد الأقصى والتعجيل في هدمه وبناء الهيكل.. أبراهام بورغ ليس إنساناً عادياً، بل هو في رأس هرم قيادة المشروع الصهيوني، أعلى من داني أيلون. فما أريد قوله أن موضوع بناء هيكل هو إجماع إسرائيلي، وأبراهام بورغ يؤكد ذلك.
أنا على قناعة بأنهم سيفشلون، وكل مخططاتهم سترتد عليهم. مرة من المرات حاولوا أن يكون تفكيرهم شبه سري، مثلاً موضوع حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى، كانوا ينكرونه سنوات طويلة، وعندما كنا نقف وننادي العالم العربي والإسلامي لينقذنا من الحفريات تحت المسجد الأقصى، كانت بعض قيادات الاحتلال الإسرائيلي تقول أننا مخربون ونريد توتير العلاقات في الشرق الأوسط، لكن التلفزيون العبري الإسرائيلي اليوم هو الذي يصور حفر الأنفاق ويعرضها في القنوات الإسرائيلية ويتباهى بها. ونموذج على ذلك هناك قناة اسمها القناة العاشرة، هي إحدى التلفزيونات العبرية، فهم الذين بثوا فيلما عن حفر الأنفاق التي تجري الآن في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى، وهم الذين قالوا أن هذه أخطر عملية حفر أنفاق تتم منذ عام 1967 حتى الآن، لأن الحفر كشف عن الأسس التي يقوم عليها المسجد الأقصى.
فاليوم هم يعملون بشكل مكشوف، وواضح جداً أن الاحتلال الإسرائيلي بات يكثف اقتحامات المسجد الأقصى. ومن يقود هذه الاقتحامات إما قيادات دينية وإما قيادات سياسية، فالقيادات السياسية لها دور رسمي، وقد يكونون أعضاء كنيسيت وقضاة في المحاكم الإسرائيلية، وقد يكونون قيادات في الأمن والجيش والمخابرات وشرطة احتلالية. وأبعد من ذلك أنه لا يوجد اقتحام إلا ويتجند له على الأقل 300 جندي إسرائيلي لحماية هذه الاقتحامات. والآن تجري هذه الاقتحامات ويكررون أداء طقوسهم التلمودية في المسجد الأقصى حتى يبنوا على هذا الأمر ادعاء بأن لهم حقا ثابتا في المسجد الأقصى، ويطالبون بتقسيم المسجد الأقصى، وأحدهم -وهو عضو في الكنيسيت يسمى إلداد- طالب بسن قانون في الكنيسيت من أجل تقسيم المسجد الأقصى. وأنا على قناعة أنهم لا يطمعون بالتقسيم فقط، فهم يطمعون بالتقسيم كهدف مرحلي، وما بعده يطمعون ببناء هيكل مكان المسجد الأقصى. فما يحدث الآن في سلوكيات الاحتلال الإسرائيلي أتصور أنه يسير في هذا الاتجاه. وهناك شيء جديد في نظري دخل عليه، هو أنهم بدؤوا بالتعجيل في الخطوات، وأظن أن سبب التعجيل هو الربيع العربي، كأن العقلية الصهيونية تريد أن تصل إلى تنفيذ هذه المشاريع قبل تغيير واقع جديد يمكن أن يؤدي إلى لجم كل هذا الانفلات للاحتلال الإسرائيلي، وكأنهم يريدون أن يستبقوا الزمن والأحداث ويفرضوا هذا الأمر الواقع قبل أن تحدث تغييرات تحاصر جنون الاحتلال الإسرائيلي. هكذا أرى هذا الموضوع، والله أعلم.
الدستور: المجتمع الإسرائيلي يتجه نحو مزيد من التطرف واليمينية بعد انتخابات الكنيسيت، هل ترى أن مشروع السلام لا يزال أفقا مطروحا مع الدولة العبرية؟.
- صلاح: حول موضوع أفق السلام، أقول إنه الآن هناك مطلب فلسطيني عند كل فلسطينيي العالم، أنهم يدعون إلى أن تقوم دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، لكن هذا الاحتلال الإسرائيلي الذي يفاوض ويمكن أن يرضيني أو يرضيك بالشعار، هو على أرض الواقع يقوم بتهويد الضفة الغربية. سؤالي بسيط: إذا استمر الاحتلال الإسرائيلي بتهويد الضفة الغربية، أين ستقوم الدولة الفلسطينية؟! إذا لم يكن هناك جواب عن هذا السؤال، إذن، عن أي أفق سلام نتحدث؟! أين هو أفق السلام؟!.
الشعب الفلسطيني بفصائله وبقيادته يمكن أن يقوى الموقف أحياناً ويضعف أحياناً، لكن، في المجمل نقول إن قضيتنا لن تعالج إلا بإعطاء حق عودة اللاجئين. ونحن نعرف موقف الاحتلال الإسرائيلي من قضية اللاجئين، فموقفه واضح، حيث يرفض رفضاً مبدئياً حق العودة، فأي أفق سلام يتحدث عنه؟! قد يقال أن اللاجئين الفلسطينيين لا يعترفون بحقهم، فالقضية إذن قضية شرعية دولية، والرقم 194 موجود، وهذه شرعية دولية، أما إذا كانت القضية قضية عرض عضلات، فهل يريدون عرض عضلاتهم علينا ويريدون عقد سلام؟ كيف هذا؟ هذه تناقضات، أي أفق سلام!.. لنقس على ذلك قضية القدس وما تحدثنا عنه من مخاطر على المسجد الأقصى المبارك، فأي أفق سلام؟!.
أنا بهذه البساطة التي أعيشها كإنسان عادي، أعتبر أن المؤسسة الإسرائيلية بكل أذرعها لا يمكن أن توافق في يوم من الأيام على قيام دولة فلسطينية بكامل استقلالها، ولو على كيلومتر مربع واحد.
الدستور: هل زيارة القدس -سواء كانت على صعيد الزعامات الدينية أو على صعيد الأفراد أو غير ذلك- يمكن أن تحقق جدوى مفيدة أم هي ضارة بالموضوع الفلسطيني والصمود الفلسطيني؟.
ثانياً: في ما يتعلق بالمشاركة السياسية في الكنيسيت الإسرائيلي، وهذه تثير جدلا في الداخل والخارج، هل لها جدوى بعد التجربة الطويلة التي خاضها الفلسطينيون في الكنيسيت ولم نر لها أي نتيجة؟.
- صلاح: بالنسبة للسؤال الأول، صحيح أن هناك فتاوى، لكننا يجب أن نرى أرض الواقع. أقول: فعلاً، عندما نتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي، تحديداً في القدس والمسجد الأقصى، فإن ممارسته تختصر في كلمتين، سعيه لتهويد القدس وسعيه لبناء هيكل مكان المسجد الأقصى، إلا أن هناك بعدا آخر يمكن أن نفهم من خلاله ماذا يجري في القدس والمسجد الأقصى، البعد الآخر يتعلق بسؤال واحد «لمن السيادة في القدس والمسجد الأقصى؟».. هل هي لنا؟ ونحن نؤكد لبعضنا البعض وفي كل مناسبة أننا كأمة مسلمة وعالم عربي أصحاب الحق الوحيد في القدس والمسجد الأقصى، وهذه حقيقة وهي قناعتي، وهذا يقيني الذي لا أفاوض ولو على حرف منه.. أم السيادة للاحتلال الإسرائيلي؟.
هناك صراع يدور حول هذا السؤال، من يوم أن واجهنا تبعات هذا السؤال كان موقفنا واضحا، بأننا نؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي وجود باطل، وجود بلا سيادة وبلا شرعية وهو زائل، وهناك أحداث كثيرة كانت تقع كنا نستند إلى هذا الجواب ونؤكدها بناء على هذا الجواب، فمثلاً لا يوجد شك أن قلوبنا معلقة بالقدس والمسجد الأقصى، ومن بعض الأعمال التي اجتهدنا أن نقوم بها مثلاً تحت رعاية وإدارة هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار هي بعض عمليات الإعمار في المسجد الأقصى. بصراحة، الاحتلال كان يحاول أن يراودنا عن أنفسنا بأن نذهب للتنسيق معه وأنهم سيعطوننا كل شيء، فكان جوابنا أننا لا نعترف بهم، فلنا عنوان موحد هو الذي يمثل السيادة هو هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار. فنحن لا نعترف بحكمهم ولا نعترف بأن لهم حقا في أن يحكموا في أي قضية تتعلق بالمسجد الأقصى، وسنبقى محتفظين بحقنا، فهذا الموقف هو الذي يثبت السيادة، ويحفظ الحق الإسلامي والعربي في القدس والأقصى، ولذلك، عندما ندافع عن هذا الحق فنحن ندافع عن حق أمة كاملة.
لذلك، فإن أي زيارة تصطدم مع هذه الثوابت نحن نراها غير موفقة. قد تكون النوايا الحسنة، لكن النوايا الحسنة أحياناً تقود إلى خطأ. يمكن أن يكون ذلك بلا قصد، لكن ما هو بلا قصد لا يبرر الخطأ، لذلك فإن قناعتي أن هذه الزيارة الآن تسهم في أمر واحد فقط وهو -من حيث لا نقصد- أننا نعطي سيادة للاحتلال الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى.
بعض المفتين الذين جاؤوا هم علماؤنا الذين نحترمهم ونجلهم، لكني على يقين أنهم لو كانوا يعلمون كيف سيعاملون، فأجزم بأنهم لن يأتوا. هؤلاء النخب من العلماء عندما جاؤوا، دخلوا من باب المغاربة للمسجد الأقصى، وهذا له مدلوله السياسي، وله مدلوله في الصراع لمن السيادة. الاحتلال صادر بعد 1967 فوراً باب المغاربة تحديداً من كل أبواب المسجد الأقصى واعتبره بابه، فكل الاقتحامات تحصل من باب المغاربة، وهم يعتبرونه باب الاحتلال الإسرائيلي، وعلماؤنا الأفاضل دخلوا من هذا الباب.
نحن كمسلمين ندخل في الوضع العادي من باب الأسباط ومن باب فيصل ومن باب المجلس ومن باب القطانين ومن باب الناظر.. الخ، لكن علماءنا دخلوا من هذا الباب، وكأنها رسالة مرة ومؤسفة في نفس الوقت، بأنهم دخلوا من الباب الذي يسيطر عليه بشكل خاص الاحتلال الإسرائيلي. وقد دخلوا تحت حماية رجال الأمن الإسرائيليين حتى خرجوا من المسجد الأقصى، فهذا السلوك ذو النية الحسنة فيه نوع من تثبيت السيادة الإسرائيلية على القدس والمسجد الأقصى.
وخوفي أن هناك نوعا من محاولة اختزال قضية القدس والمسجد الأقصى، وكأن حقي فيها هو حق زيارة لأداء شعائر دينية، ونقل قضية القدس والمسجد الأقصى من قضية سيادة لقضية حقوق دينية بأن لك حقك بأن تتوضأ وتصلي.. لكن، سيأتي يوم سندخل فيه المسجد الأقصى بدون إذن الإسرائيليين، بسيادتنا وليس بادعائهم.
وأقول أمرا لأول مرة، أنه في عام 2007 عندما بدؤوا بهدم طريق المغاربة الذي هو جزء من المسجد الأقصى، كان هناك البعض، حاول بث شعارات بدأت تستوقفنا ولم تعد تمر علينا بشكل سريع، فهناك من المجتمع الإسرائيلي من قال لنا أنهم يقومون بهدم طريق المغاربة ولم يحصلوا على رخصة من بلدية القدس العبرية، وأضاف أننا إذا ذهبنا للمحكمة فإنه سيتم توقيفهم فوراً، لكننا أخبرناه بأنه لن يأتي يوم نوقف فيه عملية الاعتداء على طريق المغاربة من خلال المحكمة الإسرائيلية، فلو أردنا هذا التوجه فإننا قد ننقذ الحجر لكننا سنخسر السيادة، وحتى لو هدموا حجرا فسنبنيه، لكن، لا يمكن أن نهدم السيادة، ففي تصوري، هذا هو البعد الذي أتأمل أن يكون محل قناعة.
بالنسبة لقضية الكنيسيت، فهذه بحاجة لجلسة خاصة، لكني أقول كرؤوس أقلام إنه كعلاقة شخصية تربطني مع كل أعضاء الكنيسيت العرب علاقة طيبة، ولكني أخالفهم الرأي بشكل مبدئي، فنحن كموقف، وليس فقط الاتجاه الإسلامي بل أيضاً هناك اتجاهات أخرى فلسطينية، نحن جزء من هذا القطاع الواسع، ونحن ضد دخول الكنيسيت، فنرى في ذلك امتدادا للمشروع الصهيوني. لا يوجد شك أننا نحاول أن نقيم أنفسنا ونقيم تجربة أعضاء الكنيسيت العرب من أول عضو كنيسيت عربي، بالتقييم البطيء والعميق، فماذا وجدنا؟ وجدنا أن أعضاء الكنيسيت العرب كانت كل جهودهم تحبط، ليس لأنهم كسالى، فقد حاولوا أن يعملوا، لكن، ترتيب قواعد اللعبة في الكنيسيت يفرغ كل جهود أعضاء الكنيسيت العرب.
بقي هناك أمر واحد بالنسبة لنا بالنسبة للكنيسيت الذي حتى الآن لم يحق حقا ولم يرفع عنا ظلما، بقي أمر واحد أنه منبر احتجاجي، ولكن، في المقابل فإن الإعلام الإسرائيلي الخارجي يخرج ويتمرد علينا ويدعي بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط بدليل وجود أعضاء كنيسيت عرب فيه، وبذلك فقد طمعنا بالمنبر الاحتجاجي ولكننا قمنا بتجميل وجه المؤسسة الإسرائيلية التي تتمتع بامتياز بالتمييز القومي وبالاضطهاد الديني وبالظلم المتواصل حتى هذه اللحظات، لذلك، كان موقفنا واضحا في كل مرة كانت تجري فيها انتخابات كنيسيت، حيث رفضنا أن نستدرج إلى هذه اللعبة.
بالنسبة للبديل، فهو موجود لدينا لكل الذين يرفضون الدخول للعبة الكنيسيت، لدينا قناعة بأن لدينا اليوم ما يسمى بلجنة المتابعة العليا التي تمثل كل الجماهير الفلسطينية في داخل الـ»48»، وهي تمثل كل الأحزاب، حتى الآن هي لجنة معينة بناءً على تمثيل معين لكل الأحزاب، ونحن نقول بشكل واضح وصريح بأننا نطالب بأن تكون لجنة المتابعة العليا منتخبة من كل الجماهير الفلسطينية، بأعضائها ورئيسها، وهذه ستكون أقوى منبر احتجاجي عربي وعالمي، وستجنبنا أن نسهم بتجميل وجه الظلم ووجه التمييز الذي تمارسه علينا المؤسسة الإسرائيلية.
الدستور: على صعيد المقاومة الشعبية، إخواننا في الـ»48» هم أول من يزحفون ويتقدمون ويشدون الرحال إلى الأقصى، عند كل مشكلة تحصل وكل اقتحام أو اعتداء إسرائيلي على الأقصى، وعلى الصعيد العربي الإسلامي، الأردن يكاد يكون الدولة الوحيدة التي تتصدى للممارسات والمخططات الإسرائيلية في القدس.. إلى متى سنكتفي بتشخيص المشكلة والخطر فقط؟ هل الموقف العربي الإسلامي يرقى إلى مستوى الخطر الذي يهدد الأقصى والقدس؟ وكيف ترى موقف الأردن تحديداً من القدس والمقدسات وتعامله وتواصله مع الإخوة في الـ»48»؟.
- صلاح: هذا سؤال يصيب الوجه الذي نعيشه، وأقول التالي: أولاً بالنسبة للدور الأردني، وبعيداً عن المجاملات، لا يوجد شك أن وزارة الأوقاف الأردنية لها دور مؤثر جداً ومتواصل حتى الآن في قضية المسجد الأقصى المبارك ورعايته وإعماره والحفاظ على نظام الحياة اليومي فيه، وهذا مهم جداً، وهذا الدور لا شك أنه بشكل رسمي على صعيد دولي هو الذي يقف في وجه طمع الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الدور لا شك أننا نحفظ كل تقدير له، حيث تقوم به وزارة الأوقاف وعلى أرض الواقع من خلال هيئة الأوقاف التي يقف على رأسها فضيلة الشيخ عبدالعظيم سلهب. والاحتلال الإسرائيلي يحاول حتى الآن بأسلوب وقح وقبيح أن يتعامل مع الأمر وكأنه صاحب الكلمة الأخيرة في المسجد الأقصى، فيحاول أن يعرقل كثيرا من أعمال الإعمار التي تشرف عليها وزارة الأوقاف الأردنية، يحاول أن يتجاهل في بعض الحالات كثيرا من الاعتراضات المبدئية التي توجهها وتؤكدها وزارة الأوقاف من خلال هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار، لذلك فأنا أقول إن وزارة الأوقاف تؤدي دورا كبيرا بكل تقدير واحترام، وهي في موقف أعانها الله عليه لمواجهة هذا الاحتلال الذي وصلت أنا إلى قناعة بأنه احتلال مغرور وغبي في نفس الوقت.
الآن، إلى متى نبقى نشخص المشكلة، وما هو الحل؟! هذه القضية بإذن الله هي قضية أمانة، وأقول إن المطلوب الآن في البعد الإسلامي والعربي هو وضع معادلة تواجه معادلة الاحتلال الإسرائيلي، معادلة الاحتلال الإسرائيلي واضحة، وقد دخلنا في بعض تفصيلاتها، أما في المجمل فمعادلة الاحتلال الإسرائيلي الآن هي كالتالي: التعجيل بتهويد القدس، ومعنى تهويد القدس في آخر سطر في مشروع الاحتلال الإسرائيلي أن تكون القدس التي يسمونها «القدس الكبرى» ذات وجود إسرائيلي فقط، وأن يتم تطهير عرقي لأهلنا في مدينة القدس. هذا هو تفكيرهم ومخططهم، وهم الآن يعجلون فيه، وإلى جانب ذلك يعجلون في تقسيم المسجد الأقصى كهدف مؤقت نحو الوصول إلى بناء هيكل مكان المسجد الأقصى.
المطلوب أن تكون لنا خطة كأمة مسلمة وعربية تقوم على التعجيل من أجل إنقاذ القدس والمسجد الأقصى. وأنا أقول إن القدس والمسجد الأقصى في خطر، لسبب أساس هو أنهما يقعان تحت حراب الاحتلال الإسرائيلي، فهذا هو سبب الخطر الأساس. وإذا أردنا أن ننقذ القدس والمسجد الأقصى فلا يمكن أن يتم إنقاذ هاتين الدرتين الثمينتين إلا بموقف إسلامي عربي له معادلته التي تعجل في زوال الاحتلال الإسرائيلي عن القدس والمسجد الأقصى. هذا في تصوري ما يخرجنا من مرحلة التشخيص إلى مرحلة الموقف الجاد.
الدستور: الأزمة الفلسطينية أو الانشقاق الفلسطيني- الفلسطيني، إلى أي مدى ساهم في إضعاف حالة المقاومة الشعبية الداخلية، وتحديداً لأهلنا في الـ»48» وفلسطين الطبيعية والقدس؟.
وبالنسبة للربيع العربي، إلى أي مدى استثمرت إسرائيل الربيع العربي بأكثر مما استثمرنا فيه نحن كأمة عربية وفلسطينية مسلمة؟.
ونحن ننظر إلى جهودك في الحركة الإسلامية في الداخل، وهي جهود جبارة، بالقياس للصعوبات التي تواجهونها في التعامل مع الجيش الإسرائيلي والحواجز، والحكومة الإسرائيلية والصعوبات التي تواجهونها معها.. ولكم مبادرات كثيرة جداً منها حملة البيارق في عام 1996 وهي حملة رائعة.. عندما نقرأ أخبار الـ»48» والقدس والبلدة القديمة، بالنسبة لترميم البيوت القديمة في القدس فهذا موضوع مهم جداً، لا نعتقد أن هناك من يعطيه حقه بالنسبة لضريبة الأرنونا (التي تفرضها بلدية الاحتلال على المقدسيين)، فالمواطن في القدس أو البلدة القديمة لا يستطيع أن يدفع هذه الضريبة، فما هو الحل برأيكم؟ وأين الدور العربي والدور الفلسطيني في هذا الأمر؟.
هناك تشخيص ودراسات استراتيجية على صعيد السكان بالنسبة لإسرائيل خلف الخط الأخضر لها جانبان، جانب إيجابي إذا تم استثماره من الجانب الفلسطيني أو عرب الـ»48»، اليهود خلف الخط الأخضر في عام 2022 سيكون عددهم 50% نسبة إلى العرب، والأهم من ذلك تركيبة السكان في الجانب اليهودي حيث سيكونون كبار السن مقارنة بالتركيبة السكانية للفلسطينيين في الـ»48»، وبالتالي، هل هذا البعد تمت دراسته من الجانب العربي في الـ»48»؟ وكيف استشرافكم للمستقبل في هذا الصعيد؟.
وهل هناك دعم عربي يتحدث به مع الشيخ رائد صلاح مباشرة؟ وما حدود هذا الدعم؟.. أيضاً، ألا تخشى مواجهة خطر الإبعاد بالمعنى العملي وليس بمعنى التهديد؟ وما رأيك بتصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس حول حق العودة؟.
إسرائيل تزيد عملية بناء الجدران التي اقتربت الآن من الحدود مع لبنان وسوريا، هل هذا دلالة على الآية الكريمة «لا يقاتلونكم إلا من وراء جدر»؟.
المشروع الصهيوني واضح، ولغاية الآن لم يقابله مشروع عربي أو إسلامي، هل قدمتم مشروعا معينا أو محددا لمواجهة مد المشروع الصهيوني؟.. أيضاً، لو صرف 10% لتثبيت الفلسطينيين في الأرض المحتلة وفي القدس، 10% مما يصرف الآن على ما يحدث في سوريا، ألا ترى ان ذلك يجدي في مواجهة المشروع الصهيوني؟.
- صلاح: بالنسبة للانشقاق الفلسطيني، لا يوجد شك أن الانشقاق الفلسطيني يؤلم كل إنسان حر، حتى من غير المسلمين والعرب والمسلمين. لا يوجد انشقاق يؤدي إلى قوة، فالانشقاق يؤدي إلى ضعف، لذلك حتى الآن كل أملنا وطمعنا أن تتم مصالحة فلسطينية تتجاوز هذا الانشقاق، لا سيما بعد زوال بعض المصادر التي كانت تفشل كل فرصة مصالحة فلسطينية، وكان على رأسها نظام حسني مبارك، الذي كان دوره ألا تتم المصالحة الفلسطينية. اليوم، الربيع العربي أزاح حسني مبارك، وهذا من إيجابيات الربيع العربي السريعة، وأمامنا الآن موقف به تحد، آمل أن يتم تجاوز هذا التحدي بكل أبعاده.
واضح جداً أنه لا يوجد فلسطيني لا يريد المصالحة الفلسطينية، ولكن، لا يوجد عنصر في الاحتلال الإسرائيلي، ومن يدعمه من خلفه يريد المصالحة الفلسطينية، لذلك فهم يلوحون بتهديدات، تهديدهم مثلاً للسلطة الفلسطينية للاختيار بين المصالحة والمفاوضات، وأن المفاوضات معناها أن تترك المصالحة، هكذا يلوحون بالتهديد، والموقف الرسمي الغربي يلوح بالدعم، إما مصالحة أو دعم، فالقضية شائكة.
ما أتأمله أنه مع بدايات نهضة الربيع العربي، وزوال معوقات مثل نظام مبارك يكون هناك تحرك جاد. ما نسمعه الآن أنه كان هناك لقاءات في مصر، بين أبو مازن وخالد مشعل ودور الرئيس المصري محمد مرسي، وما نتأمله أن يكون هناك دور جاد نحو مصالحة فلسطينية وأن يكون هناك موقف يخرج الموقف الفلسطيني من ضغوط الإحراج.
في قضية المفاوضات وقضية الدعم، يجب إعطاء حل يخرجهم من هذه الاحراجات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي من جهة، والجهات الداعمة من جهة أخرى. وأنا على يقين أنه فيما إذا تم تجاوز هذه الاشكاليات فإن قضية المصالحة الفلسطينية ستكون بشكل تلقائي، مع ملاحظة أقولها هي أنه لدي طمعان، طمع سريع وطمع مبدئي، الطمع السريع الذي أتأمل أن ينتج عن بدايات المصالحة الفلسطينية هو أن يكون هناك توافق على احترام متبادل في كل مسيرة للشعب الفلسطيني على صعيد الضفة الغربية وقطاع غزة، بأن يحترم البعض الآخر حتى لو لم نتوافق في الآراء السياسية، بعيداً عن الاعتقادات السياسية وبعيداً عن الضغوط وبعيداً عن منع ومحاولة شل نشاط بعض القوى. هذا ما أتأمل أن يكون سريعاً، أما الحل المبدئي، فإن هذا الانشقاق عكس نقاط ضعفنا، وجرأة الاحتلال الإسرائيلي ما كانت لتكون في القدس والمسجد الأقصى بهذه الحدة لو لم يقع الانشقاق الفلسطيني، لذلك فالإنسان لديه حق بالحلم، ولعل الحلم يصبح واقعاً، فأنا أحلم بأن تحصل وحدة فلسطينية بكل معنى الكلمة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
بالنسبة لموضوع الربيع العربي وما هو التدخل الإسرائيلي المكشوف في هذا الربيع، ففي تصوري أن ما يحدث في مصر دليل على ذلك، فلا يوجد شك أنه عندما قامت الثورة المصرية كان هناك دور إسرائيلي مباشر لإفشالها، وكان الذي يقدم النصائح لحسني مبارك هو الوزير الاسرائيلي فؤاد بن إليعازر، وعندما سقط نظام مبارك قال فؤاد بن إليعازر: خسرنا عمقا استراتيجيا.
فيما يدور الآن من ثورة مضادة في مصر هناك دور إسرائيلي داعم لبعض قوى الثورة المضادة، فهناك دور إسرائيلي في هذا الموضوع بلا شك، وهذا الدور قائم، ولا يوجد شك أن الدور الإسرائيلي القائم هو دور واضح يقوم على نظرية كيف أن الطرف الإسرائيلي سيحاول أن يحافظ على تفوقه الاستراتيجي على كل المنطقة، وعدم صعود حكومات حرة منتخبة وقيادات حرة وجماهير يتاح لها بكل حريتها أن تعبر عن رأيها ودعمها لقضايا الأمة وفي مقدمتها فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، فليس لمصلحة إسرائيل أن يحدث هذا الانفتاح والتغيير بشكل راشد وبالغ وناضج في مسيرة الربيع العربي.
بالنسبة لموضوع البيارق، فالبيارق مستمرة لغاية الآن ولله الحمد، ولن تتوقف بإذن الله تعالى، وإذا زال الاحتلال الإسرائيلي يشرفنا أن تنقل كل حافلات البيارق كل المسلمين الذين يريدون أن يأتوا للقدس والمسجد الأقصى.
طمعنا في هذا العام 2013 أن يصل عدد طلاب مسابقة العلم إلى ألف طالب وطالبة، فالمسابقة مستمرة، وهي تستقطب كل مدارس القدس.
بالنسبة لترميم البيوت في القدس القديمة، فإذا أردنا أن نحافظ على المسجد الأقصى فيجب أن نحافظ على القدس القديمة، وإذا أردنا أن نحافظ على القدس القديمة فيجب أن نرمم البيوت، أما عن إمكانية ترميم البيوت، ففي تصوري من حيث القدرات المالية، أن ترميم البيوت من الجهات التي نتمنى أن تكون جهات داعمة لا يكلفها إلا نفقات فرعية جداً.. جداً لترميم كل البيوت في خلال شهر واحد، وهذا بالإمكان.. وأنا شخصياً أعجب لماذا لغاية الآن نتحدث ونفتخر أننا كل عام نرمم عشرة بيوت، مع أنه في إمكاننا أن نرممها جميعها بدون استثناء خلال شهر كامل، فهذا ما يؤلمني، خصوصاً عندما أنظر الى الملياردير اليهودي الأمريكي ميسكوفيتش فأجده يفتخر أنه في كل عام يدخل 600 مليون دولار تتابع من أجل تهويد القدس في كل الأبعاد التي تحدثنا عنها.
في موضوع الضريبة هناك أمر خفي، والبعد الخفي في موضوع ضريبة المسقفات (الأرنونا) التي تفرضها بلدية القدس العبرية، أن هدفها ليس جمع الأموال، بل الهدف أن تفرض ضريبة المسقفات بمبالغ عالية جداً حتى يصل الحال بالمقدسي سواء كان صاحب بيت أو دكان أو فندق بألا يستطيع دفع هذه الضريبة، فالقانون البلدي الذي تتعامل به بلدية القدس العبرية والذي يمثل الاحتلال الإسرائيلي، يخولها إذا لم يدفع الشخص أن تعلن عن عقاره للبيع، وبهذه الوسيلة تتحول قضية الضريبة إلى استيلاء مباشر على عقارات القدس، وهنا الخطر.. الحل أنه لا بد من رؤية استراتيجية إسلامية عربية تعجل بزوال الاحتلال الإسرائيلي.
بالنسبة لموضوع النسبة السكانية والاستشراف في المستقبل، فهذا سؤال في غاية الخطورة في تفكير الاستراتيجية الإسرائيلية. الخطاب الإسرائيلي والممارسات الإسرائيلية تحمل في طيها إصرارا على نية ترحيلنا، وعلى نية العودة مرة أخرى إلى نكبة فلسطين بحجة أننا خطر ديمغرافي على يهودية الدولة. رئيس الحكومة الحالي نتنياهو هو صاحب القول: أن الفلسطينيين في الـ»48» يشكلون خطرا على يهودية الدولة.. والبعض قال عنا إننا سرطان في جسم الدولة. وهناك الآن دعوات صريحة وتقنين قوانين لفتح الباب لترحيلنا.. وسأعطي مثالاً على ذلك، فأحد المشاريع التي كانت في الأدراج، تم الكشف عنه وهو في أدراج المؤسسة الإسرائيلية، وهو مشروع حول كيفية نقلهم أهلنا الذين يسكنون في عكا وحيفا ويافا واللد والرملة إلى أقرب مناطق فلسطينية خارج هذه المدن من أجل تطهير الساحل حتى يبقى يهوديا بالكامل، وهذا كشف عنه في الأشهر القريبة.
مثال آخر أن الإعلام الآن كشف عن أن هناك محاولات إسرائيلية تسير لمحاولة ترحيل بعض القرى الفلسطينية مثل أبو غوش، وإقناع أهلها بأن أصلهم ليس عربيا ولا فلسطينيا بل أصلهم شيشان وسيفتحون لهم الطريق حتى يعودوا إلى جمهورية الشيشان، وقد تم تسهيل الطريق لهم، فالمحاولة الآن موجودة، وهناك محاولات أخرى على قضايا أخرى في نفس الاتجاه.. فهناك الآن قوانين تحاول أن «تشرعن» ترحيلنا، مثل قانون سحب المواطنة، حيث تمت قراءة ثلاثة قوانين في الكنيسيت. باختصار بسيط يقول القانون: أي شخص منا أثبتت المحكمة الإسرائيلية أنه وقع في مخالفة أمنية يجوز سحب مواطنته... فالقضية تسير في هذا الاتجاه.
بالنسبة للدعم العربي، أقول إنه من ناحية القدرات لا توجد مشكلة، لكن، متى يمكن تحقيق الدعم العربي كما يجب؟ عندما يكون القرار السياسي جادا. ويبدو أنه لا يوجد قرار سياسي جاد لموضوع الدعم العربي.
بالنسبة لموضوع الرئيس الفلسطيني وحديثه عن حق العودة، فلا شك أن هذه كانت زلة لسان في غير محلها، وفعلاً تم تجاوزها وتم العودة عن هذا القول، لأنه في نهاية الأمر أن حق العودة ليس حقا شخصيا، فحق العودة حق مقدس، يجب المحافظة عليه.
موضوع بناء الجدران وما إلى ذلك، هذا سؤال يتعلق بقضية الخطر الديمغرافي.. وفي موضوع القدس، وبناء جدار حولها، فإن الأهداف البعيدة التي كانت وراء الجدار تظهر الآن، حيث كانت كالتالي: فصل الضفة الغربية عن القدس، وفصل قطاع غزة عن القدس، والاستفراد بالقدس، وقتل الحركة الاقتصادية فيها.
القدس كانت قبل الجدار ذات حركة اقتصاد نشطة على مدار 24 ساعة، أسواقها القديمة وفنادقها ومطاعمها ومستشفياتها ومؤسساتها ومدارسها. الجدار الذي تم بناؤه قتل كل هذه الحركة، وتم الاستفراد بالقدس وبالمسجد الأقصى.
هناك أربعة ملايين فلسطيني ممنوعون الآن من دخول القدس والمسجد الأقصى، في غزة وفي الضفة الغربية. وما يتحكم بهذا القرار الاحتلالي هو هذه الجدر التي تبنى حول القدس وحول الضفة الغربية. وما هو أبعد من ذلك أن الجدار الذي بني حول القدس، كان إحدى وسائل التطهير العرقي، فالجدار الذي بني حول القدس نسميه «الجدار الأفعواني» لأنه يشبه الأفعى بتعرجه، وهذا الجدار أدى فوراً إلى إخراج أكثر من 120 ألف مقدسي خارج مدينة القدس، وهذا الرقم كبير في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.. فلا يوجد شك أن الجدر تبني أهدافا احتلالية خبيثة جداً في هذه المرحلة الراهنة.
بالنسبة لموضوع مواجهة المشروع الصهيوني، فنحن في الداخل الفلسطيني ندرك أن هناك استمرارا لمصادرة أرضنا وهدم بيوتنا وسن قوانين سوداء ضدنا ومحاولة ترحيلنا. الآن، كيف نواجه هذا الأمر؟.. لدينا استراتيجية واحدة محل إجماع، هي استراتيجية الصمود على أرضنا، أن نعيش على أرضنا سعداء أو ندفن فيها شهداء، فلن نرحل إن شاء الله.. هذا موقفنا.
المصدر: الدستور