المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان هيثم مناع:
«إسرائيل» هي الدولة المارقة بامتياز.. وغزة رفعت عنها الغطاء الأخلاقي
أكثر من اثنتي عشرة مادة سامة استخدمها الاحتلال في الحرب على غزة
سامي حمّود/ بيروت
في الذكرى السنوية الأولى للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، كان لا بد من الوقوف على الجانب الحقوقي والقانوني لما جرى في هذا العدوان وما تلاه من تقارير وصلت إلى حد اعتبارها على لسان القاضي ريتشارد غولدستون في تقريره الذي أعدّه «جرائم حرب»، وأنه يجب أن لا يفلت الفاعلون من العقاب.
لمزيد من تركيز الفكرة والجهد، التقينا المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومنسق التحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب الدكتور هيثم مناع، الذي كان يشارك في الندوة الدولية التي عقدها «مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات» بعنوان «إسرائيل والقانون الدولي»، شارك فيها عدد كبير من المتخصصين، وتوجهنا إليه بالأسئلة الآتية:
«العـودة»: مع دخول العدوان على غزة عامه الأول.. كيف يقرأ الدكتور هيثم الصورة الإنسانية لأهالي قطاع غزة؟
الوضع في غزة لا إنساني، أي إن الإنسان يُحرم الحدود الدنيا لآدميته في الاطمئنان إلى حقه في الغذاء والعلاج، في معرفة أن بالإمكان إصلاح عطب أو عطل في مسكنه بإمكاناته شبه المعدومة، وأن الماء الموجود يكفي حاجة الناس حتى لا نتحدث في الزرع، وأن بالإمكان السماح بدخول مواد علاجية لمشكلات البيئة والتلوث التي سببها العدوان الإسرائيلي، أن حرمان القطاع من إعادة البناء هو مكافأة للمجرم على عدوانه وجرائمه.
الجماعة الدولية كلها مسؤولة، فليس هناك قرار مجلس أمن مثلاً كما كان الحال في العراق، وليس هناك قرار أمريكي ولا حتى قرار أوروبي صريح، نحن أمام حصار تتهرب كل الأطراف من تحمّل نتائجه وتبعاته القانونية والأخلاقية. وبكل صدق وأمانة أنا شديد الإعجاب برد الفعل الفلسطيني الذي يرد على الحقد بالمطالبة بالعدل، وعلى الهمجية بالمطالبة باحترام القانون الدولي الإنساني. لقد رفعت غزة الغطاء الأخلاقي عن الدولة العبرية وأظهرت إلى أيّ حدّ يمكن أن تكون عنصرية ومتوحشة.
«العـودة»: ماذا بعد عرض تقرير غولدستون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن ثم مجلس الأمن؟
تقرير غولدستون ليس الطريق ولا الهدف، هو خريطة طريق ضمن مشروع ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. هذا المشروع الواسع يضم محاور أساسية حولها تقرير غولدستون إلى وثيقة دولية.
«العـودة»: هل من المستحيل أن نُثبت للعالم أن الحصار والعدوان على غزة يرقى إلى مستوى الإبادة العرقية، وكيف يُمكن ملاحقة الجهات المعنية قانونياً على هذا الأساس؟
أنا شخصياً لا أريد الدخول في قضية الإبادة العرقية لأن استعمال أي مصطلح في المحافل الدولية، وخصوصاً إذا كان من قِبلنا، يتطلب منا إحضار كل الدلائل وكسب أكبر قدر ممكن من الخبراء لتأييد رأينا. لقد نجحنا في 2009 في خلق حالة إجماع دولي على ارتكاب الجيش الإسرائيلي لـ«جرائم حرب» و«جرائم بحق الإنسانية». مهمتنا ترجمة هذا النصر القانوني في محاسبات وطنية ودولية.
«العـودة»: هل توافق الرأي الذي يعدّ «إسرائيل» دولة مارقة دولياً؟ وهل بالإمكان تدويل هذا الرأي؟
«إسرائيل» هي الدولة المارقة بامتياز، هي الدولة الوحيدة في الأمم المتحدة بدون حدود محددة.. هي الدولة الوحيدة التي تمارس جريمة حرب هي الاستيطان بتواطؤ غربي وضمن سياسة حكومية معلنة.. والوحيدة التي تغيّر الطبيعة السكانية للمناطق المحتلة في وضح النهار دون حساب.. والوحيدة التي استخدمت كل ما نعرف اليوم من أسلحة ممنوعة.. والوحيدة التي تستغل النظام الرأسمالي العالمي.. والوحيدة التي تملك ترسانة نووية سرية دون مراقبة من أحد.. وهي الوحيدة التي تقوم على تفسير خاص لنص ديني ضعيف في نظام دولي وضعي. ومع ذلك، لم يصدر عن الأمم المتحدة أية عقوبة بحقها حتى اليوم بفضل الفيتو الأمريكي والتواطؤ الغربي.
«العـودة»: عرضتم أكثر من مرة (وقد شاهدناكم في تركيا مثلاً) أسلحةً محرّمة دولياً استخدمتها «إسرائيل» في عدوانها على غزة، ما نوع هذه الأسلحة التي اكتشفتموها؟
لقد أحصينا الأسلحة الممنوعة التي تشمل الأسهم الصغيرة السامة (فليشيت)، والفوسفور الأبيض والمواد الحارقة من نظائر النابالم والدايم واليورانيوم المخصّب وعدد من الممنوعات في قاموس منظمات حقوق الإنسان.
«العـودة»: ماذا عن كمية اليورانيوم أو الإشعاعات التي وجدتموها، وماذا استنتجت المختبرات الأوروبية المعتمدة؟
في جنوب قطاع غزة كانت نسبة كثافة اليورانيوم أعلى أربع مرات من المعدل العام في شهر نيسان (أبريل) 2009، وهناك نسب عالية من اثنتي عشرة مادة سامة، أُخذت عيّناتها من فيلتر سيارات الإسعاف، وهناك نتائج نحن بصدد مقارنتها من أكثر من مخبر.
«العـودة»: هل قامت المؤسسات الحقوقية العربية والدولية بواجبها في كشف الواقع المأساوي لآثار العدوان على غزة؟ وما هي المساحات المتاحة التي لم نطرقها بعد؟
أعتقد أن توثيق العدوان على غزة من الأمثلة المشرّفة لعمل منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والعربية والدولية. وبالتأكيد عملية الرصد، وخاصة للعقابيل الصحية المتوسطة والبعيدة المدى، ما زالت مهمة جداً، كذلك عملية المسح البيئي في عام 2010 ودراسة النتائج المجتمعية والصحية للحصار. وليس علينا أن ننسى مهمة إعادة البناء والتعبئة الدولية من أجل ذلك.
«العـودة»: ألم يئن الأوان لتأليف هيئة تجمع الناشطين لكسر الحصار عن غزة، وخاصة أن كل هيئة لديها أنشطة مميزة وقدرة ترقى إلى مستوى المواجهة مع الاحتلال (كما هو حال لجنتكم، غزة حرة، الحملة الأوروبية، الحملة الدولية، لجان المقاطعة، المحامون في أوروبا وغيرها)؟
قضية كسر الحصار قضية سياسية - حقوقية، أنا ممن يظنون أن القرار السياسي الدولي لبقاء الحصار لا يمكن مواجهته حتى بقرار مصري صارم منفرد، لا بد من قرار عربي وإسلامي وتوافق مصري فلسطيني يعزز دور المنظمات غير الحكومية التي تخوض معركة رفع الحصار، وحدة الموقف الفلسطيني مهمة جداً لمواجهة كهذه، ولا بد من العودة إلى قواعد النضال المدنية الأساسية مثل المقاطعة ردّاً على غياب المحاسبة، إعادة النشاط الشعبي المناهض للتطبيع، التبرعات والمساعدات الشعبية، واعتبار القضاء العربي ملزماً بالمحاسبة في الجرائم الجسيمة..
أليس من المخجل أن تتجول تسيبي ليفني في المدن المغربية بدون ردّ شعبي صارم؟ لم تكن عندنا أوهام في الرد الرسمي المغربي، لكن ردّ الفعل الشعبي لم يكن بجسامة الحدث، وقد استُعملت هذه الزيارة ضدنا في أوروبا في أقوال من نمط: «المغرب المسلم والعربي يستقبل ليفني وأنتم تطالبون بملاحقتها في أوروبا؟».
«العـودة»: أخيراً، ماذا بعد؟ هل أثّرت الفعاليات في تكبيل يد البطش الإسرائيلية؟ وهل يُمكن المنظمات غير الحكومية أن تغطي ضعف الحكومات في مستقبل الصراع مع الاحتلال؟
النشاط الدولي أعاد القضية الفلسطينية إلى مكانها في الساحة المدنية العالمية، وأعاد القدرة على المبادرة والتحرك لكل أنصار القضية الفلسطينية. نقطة ضعفنا هي في الحكومات العربية المرهونة المدينة التي تغطي جرائم الاحتلال وتستمر في التعامل معه، في وقت نطالب فيه الأصدقاء في بلدان الجنوب بمقاطعته. وأظن أن النضال من أجل حقوق المواطنة والحريات الأساسية في البلدان العربية يمكن أن يجعلنا نتحرك بقوة وثقة أكبر، لأنه سيسمح بصدور أصوات احتجاج عربية فعلية على تواطؤ دول التطبيع المجاني.
المصدر: مجلة العودة ، العدد التاسع والعشرون