قال إن حل مشاكل غزة يسمح بتثبيت وقف إطلاق النار
خالد مشعل: أي اتفاق تهدئة سيكون ضمن الإطار
الوطني
السبت، 22 آب، 2015
قال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية
"حماس"، إن هناك خمس مشكلات تتصل بقطاع غزة يجب أن تحل حتى يكون هناك تثبيت
للتهدئة مع الاحتلال، مشدداً في الوقت نفسه على أن غزة والضفة وحدة موحّدة، ونحن جزء
من هذا النظام السياسي الفلسطيني، ونريد أن يكون هذا الحل في الإطار الوطني الفلسطيني
ومشاركة جميع القوى.
وفي حوار شامل، نشرته صحيفة "العربي الجديد"، أكد
مشعل على أن الكرة الآن في ملعب "إسرائيل"؛ فمنذ العام الماضي، تمّ إعلان
التهدئة ووقف إطلاق النار، لكن أهل غزة لن يبقوا على هذا الحال وهم يموتون موتاً بطيئاً
مع الاستفزازات "الإسرائيلية" ضد غزة واستفزازات "إسرائيلية" في
الضفة.
وفيما يلي نص الحوار:
- نود أن نبدأ الحوار في الحديث عن موضوع التهدئة
في قطاع غزة.. جرى في الأيام الأخيرة حديث عن لقائين حصلا بينكم وبين الوسيط الأممي
طوني بلير، وأنّكم تقدّمتم على طريق البحث، وهناك تسريبات تتحدث عن ملامح اتفاق؟
تجري معاقبة قطاع غزة ومعاقبة الشعب الفلسطيني منذ تسع سنوات،
لأنّه انتخب حركة "حماس" ومارس حقه الديمقراطي، كما تمّت معاقبة القطاع لأنّه
قلعة للمقاومة والردّ على العدوان والحروب الإسرائيلية المتكررة.
عوقب القطاع وأهله بالحصار والتجويع والعزل عن العالم بإغلاق
المعابر، ثم لاحقاً بتأخير الإعمار ومشاكل لا تنتهي، وبعد الحرب الأخيرة في العام الماضي،
انتظر أهلنا في غزة تحرُّك المجتمع الدولي وتحرُّك السلطة الفلسطينية، حكومة الدكتور
رامي الحمد الله، حكومة الوفاق الوطني، والجوار العربي، وتحرُّك كل الأطراف الإقليمية
والدولية المعنيّة لحلّ مشاكل غزة، لكن لا شيء حصل، إلّا مبادرات من بعض الأطراف، في
مقدمتها الإخوة في قطر وتركيا، وهي مبادرات مشكورة، لكن بقي هناك تقصير فلسطيني رسمي،
وتقصير عربي ودولي في معالجة المشاكل القائمة في قطاع غزة.
نحن في حركة
"حماس" معنيّون بشعبنا العظيم، في غزة والضفة وفلسطين 48 والشتات. هذا شعبٌ
واحد وأرضٌ واحدة، ولا نقبل أن تُترك غزة تغرق في أزماتها، فانفتحنا على العالم كله.
تحرّك بعض العرب والمسلمين وأطراف إقليمية، قدّرنا هذا التحرك
على الرغم من أنّه بطيء، كما تحرّك السويسريون لحل أزمة رواتب الموظفين، إذ إنّ هناك
خمسين ألف موظف، للأسف، وقفت الحكومة الفلسطينية عاجزة وقصّرت في حلّ مشكلتهم. هم خمسون
ألف فلسطيني أداروا القطاع وتحمّلوا مسوؤلياته في أصعب الظروف. هؤلاء يعيلون حوالي
خُمس سكان غزة. ويتحرك السويسريون بورقة لحل المشكلة من خلال تصنيفات معينة، لكن حتى
الآن لا تفي بكل المطلوب.
وهناك تحرك نرويجي حول موضوع الإعمار، لكنّه لا يزال بطيئاً
ونظرياً. كما شهدنا تحركاً من مبعوثي الأمم المتحدة، نيكولاي ملادينوف، وروبرت سري،
ثم تحرّك طوني بلير الذي اتصل بنا والتقيناه.
هذه التحركات كلها، هي التي قامت بالمبادرة مع قيادة
"حماس". بعضهم زار قطاع غزة وبعضهم التقى بنا في الخارج. وكانت اللقاءات
تهدف إلى كيفية حلّ مشاكل غزة، وإن كان هناك من إمكانية للاطمئنان على وجود هدوء أمني
في غزة. طرح بعضهم الحديث عن هدنة، وبعضهم تحدث عن تهدئة، وبعضهم تكلّم عن بعض الإعمار
أو بعض المدد الزمنية. أتى ردُّنا باختصار، وهذه هي حقيقة ما قلنا لهم: مشاكل غزة لا
بدّ أن تحل.
هناك خمس مشاكل: الأولى، الإعمار وضرورة الإسراع بها. المشكلة
الثانية، رفع الحصار وفتح المعابر. والمشكلة الثالثة، حل مشكلة الخمسين ألف موظف. وتكمن
المشكلة الرابعة في إيجاد ميناء ومطار لغزة حتى تنفتح على العالم، لا لتكون بعيدة عن
الضفة الغربية، بل لتكون جزءاً من هذا الوطن الفلسطيني، كما لا يصح أن تبقى غزة سجناً
كبيراً، لا بدّ من فتح معبر رفح وفتح الميناء والمطار لتنفتح الأجواء أمام أهلنا في
غزة. أمّا المشكلة الخامسة، فهي البُنى التحتية: المياه، الكهرباء والطرق والمجاري
وغيرها الكثير.
قلنا لهم إذا حُلّت مشاكل غزة، تصبح هناك بيئة طبيعية لتثبيت
وقف إطلاق النار الذي جرى في العام الماضي بعد الحرب الصهيونية على غزة، هذا هو موضوع
التداول، ولا يوجد أي بُعد آخر.
لا نزال نقول موقفنا ونستمع إلى ملاحظات الآخرين. هم تحركوا
طبعاً، وهذا يتطلب منهم أن يفحصوا الموقف الإسرائيلي؛ لأن "إسرائيل" هي من
يحاصر القطاع. ويتطلّب فحص الموقف في مصر، فهي الجار الأهم لقطاع غزة، وفحص موقف السلطة
الفلسطينية، لأنّها سلطة الجميع، والإخوة في رام الله والإخوة في حركة "فتح"
والفصائل الفلسطينية هم شركاؤنا. كما يجب فحص المواقف العربية والأوروبية والأميركية.
باختصار، نحن نريد العنب وليس قتل الناطور، أي حل مشكلات غزة.
لكن للأسف، هناك من يتّهمنا أننا نريد غزة دويلة، ونريد أن
نعزل غزة عن الضفة. قلنا للجميع، غزة والضفة وحدة موحّدة، ونحن جزء من هذا النظام السياسي
الفلسطيني، ونريد أن يكون هذا الحل في الإطار الوطني الفلسطيني ومشاركة جميع القوى،
و"حماس" لا تبحث عن منافسة أحد ولا عن سلطة بديلة. نحن الذين نعاتب إخواننا
منذ سنوات، ونحن سعينا إلى المصالحة وهناك خمسة ملفات للمصالحة؛ نريد الانتخابات وحكومة
واحدة ومنظّمة التحرير.
نريد إجراء انتخابات لكل هذه المؤسسات في إطار السلطة ومنظمة
التحرير. نريد إنجاز ملف الحريات العامة، ملف المصالحة المجتمعية، وهذا ما نطرحه.
نريد إعطاء اعتبار للمجلس التشريعي، نريد أن تكون هناك شراكة،
نريد ديمقراطية وصناديق اقتراع. نريد شراكة فلسطينية وطنية في جميع أنواع القرار، السياسي
والعسكري والأمني.
دعونا نقاتل معاً، دعونا نتحرك في السياسة معاً، وندير قرارنا
الأمني معاً، ونتحمّل مسوؤلية شعبنا في الداخل والخارج معاً. هل يعقل أن تمضي هذه السنوات
ولا يلتقي الإطار المؤقت لمنظمة التحرير؟!
- نفهم من حديثك أنّكم طرحتم خمسة شروط لخلق بيئة
لتهدئة دائمة وتثبيت وقف إطلاق النار.. ماذا حمل طوني بلير من جانبه؟
بلير وغيره طرحوا فكرة تهدئة. في البداية، قالوا تهدئة لبعض
السنوات، وقالوا هدنة. وكان جوابنا: لا نحتاج لا إلى تهدئة ولا إلى هدنة، لا نحتاج
إلى مصطلحات جديدة. في أعقاب معركة "العصف المأكول"، التي كانت رداً فلسطينياً
عظيماً على الحرب الصهيونية في العام الماضي على غزة، جرى إعلان عن وقف متبادل لإطلاق
النار بالرعاية المصرية الكريمة. خرقت "إسرائيل" ذلك مرات عدّة، وتركت غزة
تغرق في أزماتها وظلّ القطاع محاصراً، ولم يتم الإعمار. خلق هذا الأمر بيئة متفجرة،
ولعلّ هذا الذي دفع الأطراف الإقليمية إلى التحرّك، لأنها تخشى أن تتحول غزة إلى قنبلة
متفجرة.
للأسف، أقول بصراحة، ربّما بعض الأطراف القريبة أو البعيدة،
راهنت أن ترك أزمات غزة من دون حلّ سيحوّلها إلى انفجار في وجه "حماس"، فاكتشفوا
أنّ "حماس" صامدة، وأنّ الحاضنة الشعبية للمقاومة حاضرة، وأنّ الشعب الفلسطيني
في الداخل والخارج، وخصوصاً في غزة، صبور، وأنّ أي انفجار سيكون في وجه الاحتلال.
كما أنّ هناك غضباً على من خذل وقصّر في غزة، في ظلّ أزماتها،
لذلك جاء هذا التحرك لمنع غزة من أن تنفجر في حرب جديدة، ونحن لا نريد حروباً. نعم،
هناك مقاومة مشروعة ستظلّ مستمرة ضدّ الاحتلال، طالما هناك احتلال واستيطان، ستبقى
المقاومة، لكن لا نسعى إلى حروب.
الحروب اعتادت عليها "إسرائيل"، في حربها على غزة
وعلى شعبنا في الضفة، والاستيطان والتهويل وحرق الأطفال وتهويد القدس والمسجد الأقصى
والاعتقالات والأسرى والإبعاد وغيره ومعاناة الشتات الفلسطيني في مخيمات الشتات في
اليرموك وفي كل الأماكن. السؤال اليوم، كيف نحلّ مشاكل غزة؟ هذا هو المطروح ونحن لا
مانع لدينا، نحن منفتحون على كل الجهود الفلسطينية،
والدولية لها، من الرئاسة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية.
نحن منفتحون على الجهود العربية والإسلامية والإقليمية والدولية،
ولا نخجل من الذي ينبغي أن يعاتب نفسه ومن قصّر في حرب غزة. سنتفاعل ونتعامل إيجاباً
مع من يعرض حل مشاكل غزة، طالما أنّ ذلك لن يتم على حساب المصلحة الوطنية ولا على الثوابت
الوطنية ولا حقوق شعبنا ولا على وحدة غزة والضفة كوحدة وطنية فلسطينية في إطار السلطة
الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
- لو طلبنا منكم تقييم حصيلة الاتصالات حتى الآن،
فهل تعدّها إيجابية؟
الاتصالات حتى الآن تبدو إيجابية، لكن حتى الآن لم نصل إلى
اتفاق. لم نصل إلى شيء نستطيع أن نقول من خلاله إننا أمسكنا بيدنا شيئاً محدّداً. لا
يزال هناك حديث، ولذلك نحن نتعامل مع هذه الجهود، مع من يتصل بنا ونعرض هذا على القوى
الفلسطينية المختلفة. كنّا نتمنى أن نلتقي في الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير،
من أجل أن نتباحث في كل هذه القضايا، لكن لا شيء يحصل.
قبل أسابيع كان هناك حديث عن إعادة تشكيل حكومة الدكتور رامي
الحمد الله، فقلنا لإخواننا في الرئاسة الفلسطينية ولإخواننا الأعزاء في حركة
"فتح"، تعالوا نلتقي في إطار الفصائل الفلسطينية الموقّعة على اتفاقيات المصالحة،
ولكن لم يستجيبوا.
قلنا تعالوا نلتقي في إطار القيادة المؤقتة، وهذا أمرٌ متفق
عليه في مصالحة القاهرة والدوحة وفي اتفاق مخيم الشاطئ أيضاً، لكنّهم تحججوا بالمكان.
نحن لم يكن لدينا مشكلة في المكان، جاهزون أن نلتقي في مصر أو في أي مكان آخر يسمح
لنا باللقاء. عرضوا أن يكون هناك لقاء في رام الله، كيف نلتقي في رام الله وجزء من
القيادات المهمة في الفصائل لا يستطيعون الذهاب إلى رام الله؟!
ثم يعرضون بالفيديو "كونفيرنس"، هذا غير معقول،
هذه ليست مسوؤلية. إخواننا في الرئاسة الفلسطينية، إخواننا في حركة "فتح"
هم شركاؤنا، لذلك كان الأصل أن يتحركوا هم من أجل حل هذه المشاكل. ومع ذلك، أقولها
بكل وضوح، حتى ونحن نتحرك مع الأطراف الإقليمية والدولية لحل مشاكل غزة، لأنّها أمور
لا بد أن تحل سريعاً، نحن منفتحون، بل هذا هو الوضع الطبيعي مع شركائنا في الوطن، ونريد
أن يتم ذلك في ظل شراكة وطنية فلسطينية، وكلنا نتحمّل المسؤولية. غزة عزيزة علينا،
الضفة والقدس عزيزة علينا، كل فلسطين عزيزة علينا. شعبنا في الداخل والخارج عزيز علينا.
هذه مسؤوليتنا الوطنية.
- ما هو
دور الأطراف الإقليمية والدولية؟ لقد سمعنا تصريح مستشار رئيس الوزراء التركي أحمد
داود أوغلو لصحيفة "الرسالة"، التي قال فيها إنّ المفاوضات حول مرمرة تسير
بشكل متداخل ومتشابك مع مباحاثات "حماس" حول التهدئة، فماذا يقصد؟
زرتُ أنقرة قبل أيام، والتقيت بالرئيس رجب طيب أردوغان وبرئيس
الوزراء أحمد داود أوغلو، والمسؤولين الأتراك، ونحن دائماً على تواصل. لديهم قضية مع
الإسرائيليين في ظل جريمة "إسرائيل" في قتل الأتراك على أسطول مرمرة الذي
كان يريد فكّ الحصار منذ البداية.
أبلغَنا الأتراك، مشكورين، أنّهم يشترطون في حلّ أزمتهم ليس
فقط رد اعتبار دماء وحق تسعة شهداء أتراك، بل رفع الحصار عن غزة، وهذا الأمر مشكورون
عليه. كما أنّ هناك تفاصيل، هم أعلم بها وهذا الأمر يخصّهم، لكننا نشكرهم لأنّهم حريصون
على رفع الحصار عن غزة.
أما في ما يتعلق بالتحركات الإقليمية، فهي لا تزال في إطار
البحث، ونحن نصرّ على أن تنتهي كل مشاكل غزة وينتهي هذا الحصار الآن. هل هناك علاقة
أو لا يوجد علاقة في مباحثات الإخوة الأتراك، قلت لك في هذه الزاوية، فقط ما يتعلق
برفع الحصار، أمّا قرارهم فهو شأنهم ولا نتابع التفاصيل.
- ما هو الدور القطري في هذا الموضوع؟
القطريون لهم دور ليس فقط في مثل هذه التحركات الإقليمية
والدولية، لأنّ المبعوثين الأوروبيين والدوليين، كما التقوا بالأطراف العربية والأوروبية،
التقوا أيضاً بقطر والمملكة العربية السعودية، والتقوا بالإمارات ومصر والأردن وبأطراف
أخرى، إضافة إلى كل الأطراف المعنية.
لكن القطريين فوق ذلك، هم علّقوا الجرس، وأول من بادروا بخطوة
عملية جريئة بإدخال مواد الإعمار إلى غزة والبدء بمشاريع الإعمار، ولعلّ ذلك هو الذي
أحرج الأطراف الدولية وأشعرهم بأن الانتظار لا يجدي، وهناك إمكانية لخطوات عملية.
وأنا قلت لكل المبعوثين الذين التقيت بهم: دعونا نتجاوز الجدل
النظري، نريد خطوات عملية. المجتمع الدولي والإقليمي والحاضنة العربية والإسلامية ليسوا
عاجزين عن حل مشكلة رواتب خمسين ألف موظف، ليسوا عاجزين عن بدء الإعمار عملياً، وهناك
دول خصصت ووعدت بمئات الملايين.
وقلنا للسلطة مارسوا هذا في إطار الأمة العربية وفي الإطار
الفلسطيني الوطني الواحد وليس في إطار حزبي. ليست "حماس" هي المعنية بحلّ
هذه المشاكل، "حماس" جزء من المنظومة الفلسطينية. دعونا نقدّم خدمة عاجلة
لشعبنا الفلسطيني، الحاضنة الوطنية في غزة التي صبرت على الاحتلال وعلى العدوان وعلى
الحروب، وحضنت المقاومة بصورة عظيمة تستحق من شعبها ومن القيادة الفلسطينية ومن الأمة
العربية والإسلامية ومن المجتمع الإنساني شيئاً عظيماً، أقلّه حلّ مشكلة غزة.
- ماذا عن رد الفعل الإسرائيلي؟ لماذا يناور الإسرائيليون
في موضوع التهدئة؟
هذا شأنهم.
- برأيك، الكرة في ملعب مَن اليوم؟
الكرة في ملعب "إسرائيل" بالتأكيد. منذ العام الماضي،
تمّ إعلان التهدئة ووقف إطلاق النار، لكن أهل غزة لن يبقوا على هذا الحال وهم يموتون
موتاً بطيئاً مع الاستفزازات الإسرائيلية ضد غزة واستفزازات إسرائيلية في الضفة. شعبنا
واحد، وأرضنا واحدة. عندما يحرق المستوطنون بالغطاء الإسرائيلي الرسمي علي الدوابشة
ويقتلون أبناء شعبنا من الأطفال والمسنين، ويهوّدون المسجد الأقصى، هذا الاستفزاز لمشاعر
شعبنا، بالتأكيد سيخلق مشاعر متفجرة، لذلك من مصلحة الجميع حل مشاكل غزة.
كما أنّ مشروعنا الأساس سيبقى كما هو في إنهاء الاحتلال.
لكن علينا التركيز اليوم على حلّ مشكلة غزة، باعتبارها ملفاً عاجلاً لا يقبل الانتظار،
لكن مشروعنا الوطني أبعد من ذلك، مشروعنا الوطني هو تحرير الأرض، استعادة القدس والمسجد
الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، إنجاز حق العودة، إقامة دولتنا الفلسطينية على
أرضنا، إنجاز المشروع الوطني، التخلص من الاحتلال من دون عودة، وليس كما للأسف يتهمنا
البعض على قاعدة: "رمتني بدائها وانسلّت".
"حماس" التي قدمت أمثولة عظيمة في المقاومة، لا
تريد دويلة في غزة، ولا تريد دويلة ممسوخة. "حماس" تريد المشروع الوطني.
استراتيجية "حماس" معروفة، فهي لديها استراتيجية واضحة نفخر بها ولن تتغيّر.
لكن "حماس"، احتراماً للتوافق الفلسطيني، اتفقنا مع الجميع على وثيقة الوفاق
الوطني عام 2006، حدّدنا عبر 17 بنداً مشروعنا الوطني المتفق عليه في تقاطع برامجنا
ومشاريعنا، وأكدنا على خيار المقاومة وأكدنا على كل استراتيجياتنا. اتفقنا على ديمقراطية
وعلى شراكة، وهذا ما لا نزال ندعو إليه.
- هل يمكن للتهدئة أن تؤثر على أعمال المقاومة
في الضفة؟
كلا، وقف إطلاق النار مرتبط بالمعركة والحرب التي جرت في
غزة، فهذا مرتبط بجغرافية محددة. أما الضفة الغربية، فلم يحصل فيها أي اتفاق. الضفة
الغربية تعيش احتلالاً واستيطاناً، وفيها عدوان، وهناك أسرى عظماء في السجون يعانون،
وبعضهم مضرب عن الطعام ويكاد يموت. هناك تهويد وهناك مس بالمسجد الأقصى، كل مبرّرات
المقاومة موجودة في الضفة الغربية طبعاً.
- "إسرائيل" تشترط ارتباط التهدئة بوقف
المقاومة في الضفة والقدس، وأيضاً تشترط ارتباط التهدئة بملف الجنود الأسرى، بالمناسبة
أين أصبح هذا الملف؟
لم يحدّثنا أحد عن موضوع المقاومة في الضفة الغربية. لم يجرِ
حديث بشأنه، وبالنسبة لنا، هذا غير مقبول على الإطلاق، لن تتوقف المقاومة حتى انتهاء
الاحتلال والاستيطان. أما بخصوص ربط قصة الجنود الأسرى لدى "حماس"، الذين
ارتبكت "إسرائيل" حيال التعامل معهم في هذا الملف الحرج بالنسبة لها، فقد
تحدّثوا في هذا الشأن عبر بعض الوسطاء، ودعونا لنبحث هذا الملف في سياق حل مشاكل غزة،
ورفضنا ذلك رفضاً قاطعاً.
حل مشاكل غزة مسار والتفاوض من أجل الإفراج عن أسرانا وأسيراتنا
في سجون الاحتلال مقابل الجنود الأسرى عند "حماس"، عند المقاومة الفلسطينية
في غزة، مسار آخر.
- هل يوجد قناة أخرى لهذا التفاوض؟
حتى الآن، لا توجد قناة. هناك محاولات إسرائيلية، لكن نحن
لم نستقر بعد لا على قناة ولا على آلية محددة، لأننا لا نزال نصرّ على مطالبنا، وأهم
هذه المطالب أن تفرج "إسرائيل" عن أكثر من خمسين أسيرا ممّن أعادت اعتقالهم
من أسرى محرري "صفقة شاليط"، وقبل أن تفرج عنهم، لا حديث عن مفاوضات جديدة
لتبادل الأسرى.
- عاشت "حماس" لحظة صعبة بعد عدوان العام
الماضي على الرغم من أنّها حقّقت معجزة كبيرة بالصمود والتصدي لإسرائيل، وبدت في لحظة
من اللحظات وكأنها محاصرة. الآن بعد عام على العدوان، يبدو أنّ الأمور انفرجت تماماً،
انفرجت العلاقة مع السعودية ومصر، وهناك دعوة إلى موسكو، ويوجد تغيّر في المنطقة بعد
الاتفاق النووي الإيراني، هل يمكنكم توضيح هذه النقاط؟
أولاً، في ما يخصّ الفترة الماضية، لم تكن الظروف صعبة على
"حماس" وحدها. مرّت سنوات صعبة على دول وكيانات، بل هناك دول عالمية تضرّرت
بفعل كثير من التطورات الإقليمية والدولية. فمن الطبيعي أنّ حركة مثل "حماس"
ستتأثّر، وقد تأثرنا بالفعل. الآن، لا نستطيع القول إنّ هناك انفراجاً كاملاً، إنما
هناك بدايات جيدة و"حماس" تتلمّس طريقها على قاعدة، كيف نخدم شعبنا، كيف
نكسر الحصار عن قضيتنا وشعبنا، كيف نستجمع مزيداً من أوراق القوة ومزيداً من المؤيدين
والأنصار والدعم لصالح قضيتنا الفلسطينية. هذه بوصلتنا، هذا هو ما نركّز عليه.
طبعاً تفاعلنا مع أمتنا وتمنياتنا دائماً لها بالخير. نحن
جزء من هذه الأمة العربية والإسلامية العظيمة. ثانياً، لا شكّ أنّ المتغيّرات التي
جرت في الفترة الماضية القليلة في مسألة الاتفاق النووي مع إيران، تمثّل تطوراً مهمّاً
وله انعكاسات على الإقليم. هناك الأزمات المتفجرة في العراق وسورية واليمن. هناك أوضاع
غير مستقرة في كثير من البلاد العربية والإسلامية. وبالتالي، هذه هي بيئتنا، وهذا هو
الإقليم الذي نحن جزء منه، فنحن نتأثر به. لذلك نتمنى الخير للأمة، وبقدر ما تكون الأمة
متعافية بقدر ما يخدم هذا قضية فلسطين وقضية القدس ومشروعنا الوطني وتحقيق الأهداف
الوطنية الفلسطينية. بالتالي، نحن نسعى للبحث عن فرص وعن كل ما يخدم قضيتنا في هذه
الظروف الصعبة التي نعيشها.
- كيف
تصفون العلاقة مع السعودية ومصر؟
العلاقة مع السعودية علاقة قديمة، لكن ككل العلاقات تمرّ
في ظروف مختلفة. لكن الحمد لله، كانت لنا زيارة مهمّة للمملكة في أواخر رمضان، وكانت
هناك بعض الالتباسات التي تمت معالجتها، ولا نزال نعالجها واتفقنا على بداية استئناف
صفحة جديدة تتضمن التفاهم والوضوح والشفافية، بما يخدم المصلحة الفلسطينية والمصلحة
العربية والإسلامية. كذلك بالنسبة لمصر، كما تعلم أنّ مصر هي الجار الأقرب لفلسطين
ولغزة بشكل خاص، وكانت الراعية لكثير من المسائل الفلسطينية المتعلقة بالمصالحة وصفقة
تبادل الأسرى واتفاقات وقف إطلاق النار مع الاحتلال. وبالتالي، هناك تفاعل استثنائي
بين فلسطين ومصر تاريخياً وحاضراً.
لكن في السنتين الأخيرتين، كانت هناك أجواء غير طبيعية؛ إذ
اتُّهمت "حماس" بمسائل غير صحيحة، بأنها تتدخل في الشأن المصري، وثبت للجميع
أن "حماس" لم تتدخل. هناك بداية تحسّن في العلاقة، ونحن حريصون على العلاقة
مع مصر باعتبارها الجار لفلسطين والشقيقة الكبرى، وحريصون على أن تكون علاقتنا مع مصر
ومع كل الدول العربية علاقات طبيعية وجيدة لمصلحة فلسطين ولمصلحة الأمن القومي العربي
وللمصلحة العربية بشكل عام.
- هل تعتقد أنّ أزمة "الأونروا" مالية
أم سياسية؟
أقلقنا هذا الأمر في الفترة الماضية بشدة، لخشيتنا ليس فقط
على مصالح اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة ومخيمات الشتات في دول الطوق، بل لأننا
خشينا أن تكون هناك أبعاد سياسية وراء الموضوع، وأن يكون هناك جزء من التدرّج لتصفية
حق العودة.
نحن مصرّون على حق العودة وحق الشعب الفلسطيني بأن يعيش حياة
كريمة حيث يوجد إلى أن تتيسّر له العودة إلى أرضه ووطنه الذي شُرّد منه. أجرينا اتصالات
مع عدد من الدول العربية والإسلامية، وطرحنا هذا مع المبعوثين الدوليين الذين نلتقيهم،
وهناك غضب فلسطيني ومطالبة فلسطينية بضرورة حل مشكلة "الأونروا".
فإذا كانت المسألة مادية، لن يعجزوا عن توفير عشرات الملايين
من أجل هؤلاء اللاجئين لتعليمهم ورعاية صحتهم، وتأمين كل احتياجاتهم. هناك بعض الدول
وعدت بأن تتحرك، وهناك بعض الدول -مشكورةً- قدّمت مبالغ لحل هذه الأزمة، ونتمنى أن
تنتهي الأزمة سريعاً.
لا يقنعنا أن القدرة الإقليمية والدولية المالية تعجز عن
حل مشكلة هؤلاء اللاجئين الذين هم ضحايا للاحتلال وضحايا للتواطؤ الدولي المعروف تاريخياً
في الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. على العكس، هذه مسؤولية المجتمع الدولي أخلاقياً وسياسياً.
فالمال ليس عقبة، ولا أحد يقتنع أنه أمر يتعذّر على "الأونروا"، وأنها تعجز
عن الإيفاء بالتزاماتها. أما البعد السياسي، بالنسبة لنا، هذا موضوع غير قابل للمساومة.
حق العودة حق أصيل وثابت بالمفهوم الوطني العام، وبالحق الفردي لكل فلسطيني شُرّد عن
أهله وأرضه ووطنه.
- هل تَحَدّد موعد زيارة روسيا؟
كلا؛ بعد اللقاء مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف،
في الدوحة، قدّم لنا دعوة كريمة لزيارة موسكو، استجبنا لها وننتظر ترتيب الموعد، إن
شاء الله في أقرب فرصة.
- برأيك،
هل هناك مخرج في وسط هذا الدمار والقتل في سورية؟
لستُ في موضع أن أقدّم تقديراً سياسياً، لأن الموضوع شائك
والمسألة أبعد من مجرد تقدير. المطلوب مضاعفة الجهود، وأن تكون أكثر جدية لحلّ الأزمة
السورية، ونتمنى أن تُحلّ بعيداً عن الدماء وبعيداً عن هذا الصراع والاستقطاب الطائفي
الكبير في المنطقة نتيجة ما يجري في سورية والعراق واليمن، وأن يحل على قاعدة تلبية
حقوق الشعب السوري، فحقوق الشعوب هي الأساس.
الشعوب تريد استقراراً، تريد حرية، تريد وحدة وطنية، تريد
إصلاحاً في كل شوؤنها، في إطار الوطن الواحد. ونتمنى أن يتحقق ذلك، لكل مكونات الشعب
السوري بعيداً عن التقسيمات المختلفة، وأن يكون هناك استقرار لصالح الجميع.
نحن نريد أمة موحّدة، أمّة مستقرة، أمّة متعافية، أن يتفرّغ
الجميع لقضايا التنمية والتقدم والازدهار لصالح المنطقة والشعوب وتعزيز دور الأمة إقليمياً
ودولياً من ناحية، والتصدي لحل الأزمات الخارجية وفي مقدمتها قضية فلسطين التي هي قلب
الأمة، من ناحية أخرى.
- كيف
تصفون العلاقة مع إيران؟
بالنسبة لإيران، لدينا علاقة تاريخية معها. هذه العلاقة لا
تزال موجودة، لكنّها تأثّرت في السنوات الأخيرة بفعل الخلاف على موضوع الأزمة السورية.
لكن نحن معنيّون بعلاقة جيدة مع كل دولنا العربية والإسلامية لصالح قضيتنا الفلسطينية،
ونطلب من الجميع ألّا يديروا علاقاتهم على أساس هذا الصراع. صراع تضارب المصالح الممتزج
بالأبعاد الطائفية والمذهبية. وهذا يتطلّب من عقلاء الأمة أن يعالجوا ذلك بروح رياضية
تحقق مصلحة الجميع من دون أن يطغى أحدٌ على أحد.
نحن نستطيع كأمة عربية إسلامية أن نحفظ مصالح الجميع واستقرار
الجميع. لا أحد يتدخل في شوؤن الآخر، ونحفظ حدود بعضنا ومصالح بعضنا من دون أن نحتاج
إلى الآخرين، وهذا هو المطلوب.
من حق الأمة العربية أن تحرص على أمنها القومي وعلى مصالحها.
ومن حق الدول الإسلامية أن تسعى إلى تأمين مصالحها لكن من دون أن يطغى أحدٌ على أحد،
أن تكون المصلحة مشتركة للأمة وأن نحل أزماتنا بعيداً عن هذه الاستقطابات، وهذه الدماء،
وهذا التجاهل لمصالح الشعوب وحقوقها.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام