القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

د.سَلْمان أبو سِتَّة.. يرسم طريق العودة لفلسطين "المغتصبة"

د.سَلْمان أبو سِتَّة.. يرسم طريق العودة لفلسطين "المغتصبة"

/cms/assets/Gallery/1379/re_1400421530.jpg


غزة- نبيل سنونو

انتهت "الساعة" الأولى من الحديث مع "عرّاب حقّ العودة" د. سَلمان أبو ستة، لكن كانت النكبةَ لا تزال تعتري "أركانه"، وتمزّق أركان فلسطين، لم يتمكّن المُهجّرون الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم بعد، ولا هو رجع إلى أرضه "المعين" التي نشأ فيها في قضاء بئر السبع، الاحتلال الإسرائيلي وحده مَن "يجول ويصول" في ديارنا المُغتصبة سنة 1948م.

مرّ الزمنُ كما سُلحفاة، في انتظار اليوم التالي، حيث "الساعة" الثانية والأخيرة، التي حددها "أبو ستة" للإجابة عن الأسئلة المُلحة والتعرف على رؤيته في سبل تحقيق العودة، لكن كانت إجابته بدايةً عن سؤال: كم نكبة حلّت بالشعب الفلسطيني منذ سنة 1948م؟

"هذا يتوقف على تعريف النكبة، ونكبة التهجير العِرْقي للفلسطينيين من أرضهم عملية لم تتوقف، وهي في الواقع لم تبدأ في 1948م، بل بدأت قبل ذلك، لكن في تلك السنة كان أكبر وضوح لها، عندما هُجِر أهالي 675 قرية ومدينة وعشيرة وقبيلة، ولذلك الصهيونية من أول ما بدأت وجودها في فلسطين بعد (أول مندوب سام بريطاني في فلسطين هربرت صموئيل)، كانت تمارس هذا العمل بطرق احتيالية، النكبة حدث بدأ سنة 1882م عند وصول أول المستعمرين إلى يومنا هذا، هي النكبة الكبرى التي استمرت حوالي قرن الآن ولم تتوقف"؛ الكلام لـ"أبو ستة".

أما صموئيل هذا, فهو- بحسب "أبو ستة"- مَن "وضع الأسس القانونية التي تسمح لـ(إسرائيل) بأن تبني دولتها داخل فلسطين أثناء الانتداب البريطاني، وما كان على (أول رئيس وزراء إسرائيلي) بن غوريون وجماعته إلا الاستفادة من ذلك، هم أرادوا عمل دولة لكن لا يوجد يهود، فإذن, بدأت الهجرة اليهودية، وأرادوا تكوين مؤسسات منفصلة لليهود أهمها (جيش صهيوني منتظم) الهاجاناة، وبرروا بأن هذا جيش حراسة المستعمرات ضد المعتدين عليها، وتحت هذا الغطاء كانوا يدربون قواتٍ إسرائيليةً يسمحون لها بالسلاح، وبهذا تكوّن الجيش".

لكن وفي نفس الوقت, يرى أن ثمة نكباتٍ أخرى حلّت بالشعب الفلسطيني، منها اتفاق أوسلو المُوقع سنة 1993م، يقول: "إنها أكبر نكبة مُني بها الشعب الفلسطيني، وهي أسوأ من وعد بلفور؛ لأن الأخير كان بين جهتين استعماريتين، اتفقتا في الخفاء عليها دون علمنا أو موافقتنا، بينما أوسلو كنا طرفًا فيها، وأكبر مصيبة فيها أنها جعلت للمحتل حقًا في الأرض كأنه شريك ونحن تخاصمنا معه، (ونفاوضه) ما حصتك وما حصتنا، وهذه جريمة كبرى".

وثانيًا, يضيف أن "الوثيقة التي كُتبت بها (أوسلو) لا تساوي ورقها، لأن كل اتفاقية بين قوة مُحتلة وشعب مُحتل هي باطلة بموجب المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة، كذلك فإن هذه الاتفاقية لم تذكر ولو لمرة واحدة كلمة الحقوق الفلسطينية، على الإطلاق، ولم تذكر القرارات الدولية بشأن الفلسطينيين، وكأنها ألغت الرصيد القانوني الكبير لنا".

وعن سؤال: كيف تعمل (إسرائيل) على شطب حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم؟ يقول: "(إسرائيل) أُقيمت على أساس فلسطين أرض بلا شعب، وهذه الكذبة والفرية الكبرى، فلما وجدوا الشعب الفلسطيني طردوه، وبالتالي لا يمكن أن تقبل (إسرائيل) عودة اللاجئين مختارة طائعة، لا بمفاوضات ولا بغير مفاوضات، والسبب واضح جدًا وهو أن وجودها مبني على عدم وجود الفلسطينيين".

وهنا يشير إلى أنه وبعد أسبوعين من إعلان (إسرائيل) في 14 مايو/ أيار 1948م، أصدرت حكومة الاحتلال الجديدة المؤقتة، قرارًا بأنه لا يمكن عودة أي فلسطيني إلى دياره، وقد تم جلب يهودي أوروبي يُعتبر خبيرًا في ترحيل الشعوب في أوروبا، وعمل دراسة كاملة هي الخطة الدائمة لـ(إسرائيل) فيما يتعلق باللاجئين حتى يومنا هذا.

"صعودٌ وهبوط"

وبإشارات سريعة يوضح، أن مما تقوم عليه الخطة الإسرائيلية أنه لا يمكن القبول سياسيًّا بعودة أي لاجئ فلسطيني، وأنه يجب تدمير كل القرى الفلسطينية حتى لا يجد اللاجئ فرصة ليعود إلى بيته المُدمّر، وإحراق المحصولات التي كانت موجودة صيف 1948م، وتسميم الآبار، وقتل كل من يعود إلى وطنه باعتباره متسللاً، حتى قتلوا خمسة آلاف فلسطيني حاولوا العودة إلى ديارهم بين 1948م، و1956م.

ومما تقوم عليه الخطة الإسرائيلية أيضًا، يتابع أبو ستة: "النشر في العالم بأن هناك تبادلاً سكانيًّا مشروعًا, وأن الفلسطينيين الذين خرجوا من ديارهم فعلوا ذلك بأوامر من دول عربية، وليس بذنب (إسرائيل)، وأن العرب طردوا يهودًا فصار تبادل بين السكان كما يحصل في بلاد أخرى، وأنه يجب ترتيب دعاية بين اللاجئين أنفسهم بأنه لا فائدة من العودة إلى الديار" (...) "والقبول بفكرة التعويض, بشرط أن يكون هناك صندوق دولي لدفع التعويضات، وأن يكون ذلك مشروطًا بالتخلي عن حق العودة".

بعد سرده غيضًا من فيض الحقائق التاريخية، يلتقط أبو ستة أنفاسه ليصف نكبة فلسطين التي حلت سنة 1948م قبل أن "يرسم" طريق العودة ومقوماته: "إن هذه النكبة فريدة من نوعها في تاريخ فلسطين الذي امتد على خمسة آلاف عام، وأعتقد أنه لا يوجد لها مثيل في أي بلد آخر؛ لأنه يوجد استعمار واحتلال وعنصرية ويوجد أيضًا أنظمة شمولية؛ لكن لم تجتمع في مكان واحد مثل فلسطين، ولم تستمر بشكل منظم، مثل فلسطين، ولم يكن لها مخطط من خارج فسلطين من قوى غربية إلا في حالة فلسطين".

ويتابع: "هذه النكبة فريدة من نوعها وأدت في النهاية إلى أكبر عملية تهجير عرقي في التاريخ"، مستدركًا فيما يخص تدخل الجيوش العربية بأن "سوريا دخلت فعلاً من أجل فلسطين لكن قوتها ضعيفة، ومصر أصر الملك فاروق أن يدخل لأنه كان لا يريد للملك عبد الله أن يستحوذ على فلسطين، فدخل الجيش المصري قبل يومين من نهاية الانتداب وكانت هزيمته ساحقة، أما الأردن فكان يريد أن يقتطع فلسطين بينه وبين اليهود، وبالنسبة للبنان فالضباط اللبنانيون كانوا على صداقة مع الإسرائيليين وكانوا يفطرون معًا".

ويلاحظ "السبعيني" أبو ستة، أنه "خلال العشر سنوات الماضية هناك اتجاهان في العالم؛ الغربي المتمثل في أوروبا الغربية وأمريكا، هناك صعود بطيء ولكنه أكيد نحو الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، أو بمعنى أصح معرفة الوضع الحقيقي في فلسطين" (...) "لكن في نفس الوقت رأيت هبوطًا في العالم العربي نحو الاهتمام بقضية فلسطين وهذا شيء مذهل، لأنه من السبعينيات كان العكس هو الصحيح".

ومن وجهة نظره, فإن "الشعب العربي بوجه عام، والفلسطينيين بوجه خاص، ساكتون عن الدفاع عن قضية فلسطين لظروف مفروضة عليهم سياسية وغير ذلك، وبمعنى آخر أنه عندما تثير فيهم الحمية وتبين لهم أن هناك طريقًا محترمًا شريفًا للتمسك بالحقوق الفلسطينية والدفاع عنها بكل الوسائل الممكنة أعتقد أن هناك رصيدًا كبيرًا طبعًا في قلوب الفلسطينيين أولاً والعرب والمسلمين ثانيًا لكي يقوموا بواجبهم؛ لأن أغلبية الناس دائمًا تنتظر القيادة والقلة من الناس هم أصحاب القيادة".

أما طريقُ العودة إلى فلسطين المُغتَصَبة فيحدده بقوله: "أول شيء يجب توعية وتربية الشباب في فلسطين على حب وطنهم، الآن المادة متوفرة من كتب وأقلام وغيره، لكن المطلوب إطار ميداني يجمع الشباب ليعلمهم عن وطنهم، وقد كان عندي مخطط اسمه نادي فلسطين، عُمل به في كل الأماكن في المخيمات وغيرها، يجتمع فيه الشباب يلعبون رياضة ويذهبون إلى المكتبة، وفي نفس الوقت عندهم مادة كبيرة عن فلسطين في هذا النادي، و كل واحد يكتب مشروعًا كاملاً عن وطنه".

والخطوة الثانية, تتمثل- وفق كلامه- في وجوب إعادة اللُّحمة للشعب الفلسطيني؛ لأنه انفصل عن جغرافيته في المنفى؛ أخذ تاريخه معه في المنفى، وانفصل عن جغرافيته في فلسطين؛ لذلك يجب إعادة تركيب المجتمع الفلسطيني، ولو في المنفى، عن طريق التجمع الشعبي بجمعيات المهندسين والأطباء والعمال والطلاب والمرأة وكل المهن وغير ذلك، فهذا يعتبر حجر البناء لإعادة تركيب شعبنا كشعب واحد، في المنفى، انتظارًا لعودته إلى وطنه، وبذلك يجتمع تاريخه مع جغرافيته مرة أخرى.

"لا أحلم.. بل أُخطّط"!

ويتابع: "النقطة التي بعدها، ألا يُكتفى بالعمل الشعبي وجهود المخلصين والجمعيات المختلفة، بل يجب أن يكون لهذا إطار سياسي قانوني مهم، وهذا الإطار هو المجلس الوطني الفلسطيني، الذي اندثر لأسباب غير قانونية وغير وطنية منذ آخر اجتماع عام 1988م، ونحن (الناشطون في هذا المجال) عقدنا مؤتمرات عدة وكتبنا عشرات العرائض نطالب فيها بانتخاب مجلس وطني جديد، يمثل 12 مليون فلسطيني، وهذا المجلس هو صاحب السيادة على كل الأمور المتعلقة بفلسطين، ولا يجوز لأي شخص على الإطلاق أن يتكلم باسم الشعب الفلسطيني إلا إذا كان مُنتخبًا من 12 مليون فلسطيني بانتخابات جديدة نظيفة".

وعن سؤال حول المقاومة المسلحة يقول: "نحن شعب اقتُلع من أرضه وجميع القوانين الدولية تؤكد أن لشعبنا الحق في أن يقاوم هذا الاقتلاع والاحتلال بكل الوسائل"، (...) "يجب أن يكون هناك كفاءة جديدة من نوع جديد وحديث في كيفية تطبيق المقاومة المسلحة، لا يكفي أن يستشهد منا شباب من أجل الوطن، بل يجب أن يكون لهذا الاستشهاد ثمنٌ باهظٌ في صفوف العدو".

وإن كان ثمة سؤال مُلح أيضًا فهو عن مستقبل (إسرائيل)، على اعتبار أن الصراع هو صراع وجود وليس صراع حدود، يجيب أبو ستة: "هناك ثلاثة سيناريوهات (احتمالات) بالنسبة لمستقبل (إسرائيل)".

أول تلك السيناريوهات كما يوضح, هو "حصول شيء مفاجئ، مثل حرب عالمية تختلط فيها الأوراق وتنتهي (إسرائيل), لكن هذا حلم غير واقعي، والاحتمال الثاني هو أن يحصل تغير في الموقف الدولي منها، خصوصًا في الموقف الأمريكي، لأن أمريكا لو فقط تلغي الحقوق الممنوحة لليهود مثل إعفائهم من الضرائب وإلى آخره يكفي هذا اقتصاديًّا، لأن (إسرائيل) لوحدها لا يمكن أن تستمر".

وبينما يقول: "إن الاحتمال الثالث هو على المدى البعيد؛ الضرب في (إسرائيل) حجرًا حجرًا، على المدى البعيد، بكل الوسائل إلى أن تصبح مشروعًا غير مجدٍ"، يستدرك أبو ستة: "هذا كله يدل على عجزنا، وأنا لا أرغب أن تكون هذه خطتنا، هذا يبين أننا نتطلع إلى عوامل خارجية عنا تقوم بمقام عجزنا عن القيام بدورنا، لكن يجب أن نقلب الصفحة ونقول: ماذا نعمل نحن لنصل إلى ذلك؟ وأعتقد أن هناك الكثير يمكن عمله".

وإلى أن تتحقق العودة، وتتوفر "مقومات" العودة إلى الديار، فإن "رسالة" "عرّاب حق العودة" للاجئين واضحة ويعبّر عنها بقوله: "تمسّكوا بحقكم في العودة؛ لأنه الضمان الوحيد لتحقيق العودة، فإذا تخلى الشخص عن حق العودة فقَدَه، ولن يفقده بمعارضة العدو أو إهمال الأصدقاء، بل يفقده فقط إذا الشخص نفسه أسقط هذا الحق، إذن أول شيء على الفلسطينيين أن يعملوه هو التمسك بحق العودة" (...) "وأنا لا أحلم بالعودة بل أخطط لها كل يوم"!

فلسطين أون لاين