القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

ذكريات الألم ولوعة الفراق لا زالت تسكن عائلة «المرعي» بعد 40 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا



محمد السعيد، بيروت – لاجئ نت || الأحد، 11 أيلول، 2022

قبل 40 عاماً ارتكبت أبشع مجزرة وجرائم إبادة جماعية هزت العالم بعيداً عن وسائل الإعلام في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين غربي العاصمة اللبنانية بيروت من قبل ميليشيا الكتائب اللبنانية بمساعدة الجيش الإسرائيلي في الـ 16 من أيلول عام 1982 واستمرت لثلاث أيام بعدما طوق وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون المخيم وأطلق يد المليشيات داخله حيث كان يعيش نحو عشرين ألف لاجئ آنذاك.

ونقل شهود عايشوا المجزرة الأليمة، مشاهد لنساء حوامل بقرت بطونهن وألقيت جثثهن في أزقة المخيم، وأطفال قطعت أطرافهم، وعشرات الأشلاء والجثث المشوهة التي تناثرت في الشوارع وداخل المنازل المدمرة.

وتضاربت الأرقام بشأن عدد ضحايا المجزرة، لكن تقديرات تتحدث عن 3500 رجل وامرأة وطفل قتلوا خلال أقل من 48 ساعة في يومي 16 و18 أيلول عام 1982 من أصل 20 ألف نسمة كانوا يسكنون صبرا وشاتيلا والجوار وقت حدوث المجزرة.

المجزرة وقعت بعد يومين من اغتيال بشير الجميل. وبدت كأنها انتقام لمقتل الجميل الذي كان زعيما للمليشيات اليمينية المتعاونة مع العدو الإسرائيلي وشاركت في مذابح السبت الأسود، ومجزرة الكرنتينا، ومجزرة تل الزعتر، حيث قُتل المئات من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين.

ووفق روايات من شهدوا المجزرة فإنها بدأت قبل غروب شمس يوم السادس عشر، عندما فرض الجيش الإسرائيلي حصارا مشددا على المخيمين، ليسهل عملية اقتحامهما من قبل مليشيا حزب الكتائب اللبناني المسيحي اليميني بالإضافة الى مليشيا جيش لبناني الجنوبي بقيادة سعد حداد حيث استيقظ لاجئو مخيمي صبرا وشاتيلا على واحدة من أكثر الجرائم إبادة ودموية بإشراف ثلاث شخصيات رئيسية هي أرييل شارون، ورافائيل إيتان وإيلي حبيقة والتي لم يسلم منها حتى الطفل الرضيع. وشكلت صدمة في العالم لبشاعة ما جرى من قتل بدم بارد وتدمير ولم يسلم منها الطاقم الطبي حيث قتل ممرضين وأطباء فلسطينيين في مستشفى عكا.

الفلسطيني محمد سرور المرعي من مخيم شاتيلا، واحد من ضحايا تلك المجزرة، حيث حصدت عددًا من أفراد عائلته، يقول: قبل ثلاثة أيام من المجزرة، كان يأتي إلى المخيم شبان يرتدون لباسا يشبه لباس الجيش اللبناني ليستطلعوا المخيم، ويعرفوا ان كان في المخيم سلاح ومقاتلون.

وفي اليوم الـ 16 عشر صعدت الى سطح المنزل عند الساعة السادسة الا ربع مساءاً لأرى ما يجري في الخارج بعد سماعنا لأصوات إطلاق النار وصوت انفجار مستودع للأسلحة ظناً منا انه قصف مدفعي، وعندما نظرت من النافذة الصغيرة رأيت أناسا يتجهون نحونا والملاحظ كان أنه هجوم ويصرخون ويتلفظون بألفاظ نابية، وعلى الفور نزلت لأخبر والدي بان هناك هجوم على المخيم فقال لي والدي ولأخي ولابن عمتي: اذهبوا جميعًا من هنا، أنا رجل كبير لن يتكلموا معي. عندها صعد معي أخي وابن عمتي إلى السطح، ليستطلعوا الأمر، فرأوا ما رأيت، وقالوا لوالدي إن محمدًا صادق بما قاله، فقال والدي اذهبوا من هنا، فذهب أخي وابن عمتي، ولم أذهب معهم، ومن ثم صعدت إلى السطح مرة ثالثة، وعندها طلبت من والدي أن نخرج جميعًا من المخيم، فقد كان عدد المسلحين يتزايد، وصار صراخهم أقرب إلينا، فطلب مني والدي الخروج من المخيم، فجلست على الدرج قليلًا، ثم فكرت لحظات، وقلت له: إني ذاهب. بعدت عن البيت، وعند مفرق زاروبه كنت أريد أن أتجاوزها، رآني المسلحون، فنادوا علي وأطلقوا النار نحوي، لكنهم لم يصيبوني، وعندها ركضت في الزواريب إلى أن وصلت إلى مستشفى غزة، وبقيت هناك طيلة الليل.

يضيف سرور كان هناك رصاص كثيف، ورصاص قنص، وأول بيت استعملوه للقنص هو بيت أبو محمد الدوخي، حيث كانوا يستهدفون مستشفى غزة، وشارع صبرا كله، وكان الصهاينة يوفرون لهم الإنارة الليلية. وعند الصباح خرجت أنا وابن عمتي لإحضار الطعام، فقد كنا بلا طعام، وصلنا قرب محلة السبيل فلم نجد أي محل مفتوح، فتابعنا طريقنا، وفي أثناء وصولنا لمحلة الدنا، جاء أحد الرجال وقال لابن عمتي لا تتوجهوا نحو مخيم شاتيلا، فقد قتل المسلحون أبو أحمد سرور وأولاده، فتساءلت بيني وبين نفسي: هل هذا معقول؟ هل هذا الرجل كاذب؟ وبسرعة توجهت نحو مستشفى غزة، فوجدت أخي، وسألته إن كان الخبر صحيحًا، فأشار لي نحو الطوارئ في المستشفى، ذهبت إلى هناك، فوجدت والدتي وأختي مصابتين في كتفيهما وأصابع يديهما اليمنى، وخاصرتيهما، سألت والدتي عما جرى بينما كان المسعفون يعالجونها، لكنها لم تجبني بأية كلمة، وحتى أنها لم تكن تبكي، وعندما تمت معالجتها، أجابتني بأنهم حضروا إلى بيتنا عند الساعة الخامسة صباحًا، بينما كانت قد جهزت الطعام، وبانتظار الخروج من المنزل.

وتابع: قالت لي أمي: لقد صعدت جارتنا ليلى إلى السطح مع أخي نضال ليروا ما جرى في أثناء مرور دورية للمسلحين، عندها رأوا أخي وجارتنا، فصرخ المسلحون عليهم، موجهين إليهما ألفاظًا بذيئة، وطلبوا منهم النزول عن السطح، حيث قالوا لهم، مازلتم أحياء، ألم يقتلكم أحد بعد؟

فنزلت جارتنا ليلى لتخبر والدتي، وكان المسلحون قد وصلوا إلى باب البيت، وطرقوا على الباب، ففتحت لهم والدتي، فسألوا من بالداخل، أجابتهم أمي: انا والختيار فقط في البيت، فقالوا لها نادي عليه، فنادته ، فقالوا لها: قفي أنت والأولاد على الحائط ، فامتثلوا لكلامهم ووقفوا، فسألوا والدي ماذا تعمل، فأجابهم بأني رجل كبير، قالوا له: أعطنا ما تملك من أموال، فأحضر المال الموجود معه، وكان 22000 ليرة لبنانية ، وأعطاهم إياه، وقالوا له: قف بجانبهم، وعندما أدار والدي ظهره بدأوا بإطلاق النار عليه، وسقط مباشرة على الأرض، واستشهد على الفور. وأصيبت والدتي وأخواتي، وبإشارة من والدتي قالت لهم، اعملوا أنفسكم أمواتًا، وأخوتي ماهر وإسماعيل لم يصابوا بالرصاص، فقد دخلوا إلى الحمام من المطبخ، وشاهدوا ماذا فعل المسلحون.

وبدورها نهاد سرور المرعي المسكونة باللوعة والرعب مما شاهدته من مشاهد اليمة تحدثت بألم وحسرة عن فقدانها معظم افراد عائلتها وكيف تناثر دماغ شقيقتها الطفلة شادية، التي اكملت عامها الأول قبل شهور من المجزرة وفارقت الحياة وهي تنادي "ماما ماما...".

وتروي نهاد ما حدث: "حاولت أن احمي شادية والا ادع صوتها يلفت انتباه القتلة، بعد ان طلب الينا افراد الميليشيا التي اقتحمت الحي، ان نقف ووجوهنا الى الحائط، ولكنهم باغتونا بإطلاق النار، فقتل على الفور ابي وأشقائي شادي ونضال وفريد، واصبت أنا ووالدتي في الظهر، كما استشهدت جارتنا ليلى التي كانت حاملاً في الشهر التاسع، قتلوها بطريقة وحشية من دون أن يرف لهم جفن أو يرأفوا بحالها وحال جنينها، وبقيت احضن شادية حتى توقف قلبها الصغير عن الخفقان، وفارقت الحياة."

وتضيف نهاد "استمر اطلاق النار في المخيم، وكان يسمع بشكل واضح صراخ الاهالي، وبكاء الاطفال، واستغاثات النساء، وأزيز الرصاص الغادر، فيما بدأت القنابل المضيئة تنير سماء المنطقة وكأن المسرح يُحضر للجريمة الكبرى، "مشيت انا ووالدتي في الازقة والحارات، نبحث عن ممر آمن يخرجنا من هذا الجحيم، وكنا نرى الجثث في الطرقات، واثار البطش والتنكيل بادية على اجسادهم، فوصلنا اخيراً الى مستشفى غزة، وكان المكان مكتظاً بالنساء والاطفال والشيوخ، والكل في حال انهيار مما شاهده من قتل وارهاب وهمجية بحق ابناء صبرا وشاتيلا والجوار".

تتابع نهاد: "تمت معالجتنا انا ووالدتي من الاصابات وخرجنا بعدها، لأنني لم أكن اريد ان أبقي لفترة اطول في المستشفى خوفاً من قدوم القتلة والميليشيات المجرمة لاستكمال جريمتهم، فذهبنا الى منطقة الفاكهاني، ومن ثم الى منزل خالتي في منطقة الظريف، حيث صدمنا بانها كانت تؤوي حوالي 20 فرداً من العائلة، بينهم شقيقاي ماهر واسماعيل، اللذان طلب منهما والدي قبل بدء المجزرة الخروج من المنطقة تحسباً لأي طارئ".

ظنت نهاد ان ماهر واسماعيل الذي استشهد لاحقاً في العام 1990، وشقيقتها سعاد، قد قتلوا في المجزرة، وفقدت الأمل بلقائهم مرة اخرى. اختبأ ماهر واسماعيل عند المفتي حسن خالد، واعتنى بهما ووفر لهما مكاناً آمناً، اما سعاد فقد اصيبت اصابات بالغة في قدميها، وفقدت القدرة على الحركة ثم اصيبت بالشلل بعد ذلك، وتم نقلها خارج لبنان لتلقي العلاج، وما زالت تعيش في بلجيكا، وهي أحد الشهود الأحياء، على هول ما اقترفته الميليشيات المتعاملة مع الكيان الاسرائيلي بحق ابناء صبرا وشاتيلا.

ويحيي اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وحول العالم، هذه الذكرى الأليمة سنويا، مؤكدين أن المجزرة يستحيل أن تسقط بالتقادم، وأن الحق الفلسطيني لن يموت ولن ينسى، مطالبين بمعاقبة كل من كان له يد بتنفيذها، وبإعادة تفعيل الدعاوى ضد مرتكبي المجزرة، والمطالبة بمقاضاتهم أمام المحاكم الدولية والقصاص منهم.