الأربعاء، 07 تشرين الثاني، 2012

لم يخطر ببال لبناني أو فلسطيني يوماً أن تكون رقعة أرض لا تتعدّى مساحتها 2 كيلومتر مربّع، والتي يقوم عليها مخيّم نهر البارد في شمالي لبنان، والذي يتمتّع باستقرار أمني واجتماعي إلى حد ما ونظراً إلى بقائه بعيداً عن الهموم الأمنيّة التي عانتها بقية مخيّمات الفلسطينيين في لبنان، ومن أجل ذلك لم يخطر ببال.. أحد أن يتحوّل هذا المخيّم بالتحديد إلى ساحة حرب حقيقية، وإن لم يكن سكان المخيّم طرفاً فيها..! ففي العام 2007 وقع بما يسميه اللبنانيون بالمحظور، أي الصدام بين الجيش اللبناني و”أحد مخيّمات الفلسطينيين”، وهو ما يذكّر بمواجهات عبثيةّ وقعت في أيام سوداء خلت في لبنان كما في غير قطر عربي.. حين اتّخذت مجموعة متطرّفة تُسمى "فتح الإسلام” من المخيّم المذكور مقرّاً ومنطلقاً، لتنفيذ عمليات ضد الجيش اللبناني، في واقعة قرأها اللبنانيون على أنها محاولة لتجديد أحد وجوه الحرب الأهليّة.

الحرب كانت بين الجيش اللبناني وبعض "الإرهابيين” الذين اختبأوا في مخيّم نهر البارد الفلسطيني في العام ٢٠٠٧ بعدما لجأوا إليه، والتي أدّت الى دمار المخيّم وتهجير سكانه البالغ عددهم أكثر من 35 ألف لاجئ فلسطيني، من جديد، مع ما ترتّب على ذلك من آثار نفسية واقتصادية على سكان ثاني أكبر مخيّم فلسطيني في لبنان، وعلى الرغم من أن سكان المخيم "أمّنوا الغطاء الكامل للجيش اللبناني، لتمكينه من الانتصار على الإرهابيين”، ظلّ سكان البارد منذ العام 2007، وحتى مطلع العام الحالي أسرى إجراءات أمنيّة مشدّدة، أقلّها مشكلة التصاريح المسبقة لكل داخل أو خارج من المخيّم، هذا وإن كان هناك ضرورة ملحّة أمام الأجهزة الأمنيّة اللبنانية خوفاً من تكرار تجربة "فتح الإسلام”، إلا أنه رسم في أذهان أهل المخيّم عقدة "فتح الإسلام” وجعلهم يعتقدون بأنهم يدفعون الثمن مرّتين، مرّة في الحرب وأخرى لخمس سنوات خلت، لذا عمل سكان البارد وفاعليات فلسطينية معنيون بالأمر بجهد "لاستعادة صورة الضحيّة” على الأقلّ، عسى أن يُصار إلى تخفيف الاجراءات ضد المخيم، والتوضيح بأنه ليس مصدراً للإرهاب، وربّـما الأهمّ هو في تغيير النظرة إلى مخيّم نهر البارد، واليوم يقول رئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني خلدون الشريف: "إن ملفّ المخيّمات الفلسطينية في لبنان، ولا سيما ملفّ "نهر البارد” حيث جرى إلغاء التصاريح الأمنيّة، والبدء بالمرحلة الثالثة من إعادة الإعمار قد قطع شوطاً مهمّاً على الرغم من المشاكل الكثيرة، إلا أننا نحتاج الى الكثير من الدعم العربي والدولي كون الملفّ الفلسطيني لا يعني الدولة اللبنانية فحسب، وإنما المجتمع العربي والدولي”، إلا أنه بقي الكثير. فعلى الرغم من كل ما تعانيه مخيّمات الفلسطينيين الأحد عشر في لبنان، فإن مخيّم "نهر البارد” يسعى الآن ليتساوى مع نظرائه في هذا البلد، حتى ينضم إليها للمطالبة بالحقوق الإنسانية والاجتماعية للاجئين التي من شأنها تعزيز صمودهم، وتمكّنهم من تحقيق العودة إلى ديارهم، ولكن تواجه هذه الخطوة عقبات جمّة، أوّلها عدم وفاء الجهات والدول المانحة بالتزاماتها تجاه عملية إعادة إعمار المخيّم، بخاصة الدول العربية التي "تعهّدت دفترياً بالمساهمة بتكلفة الإعمار”.. على حد قول رئيس لجنة مخيّم "نهر البارد” في منظّمة التحرير الفلسطينية ـ وعضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين السيد مروان عبد العال لـ”المشاهد السياسي”، وقد توقّف عبد العال عند العبء الإضافي في "نهر البارد” كما بقية المخيّمات، ألا وهو عبء العائلات الفلسطينية النازحة من سورية.

وطُرحت على السيد مروان الأسئلة التالية:

- من خلال متابعتك لشؤون المخيّم، كيف تلخّص مشاكله اليوم، لا سيما بعد مرور خمس سنوات على المعركة التي خاضها الجيش اللبناني ضد جماعة "فتح الإسلام” المتطرّفة في المخيّم؟

سؤال كبير يصعب اختصاره في هذا المقام، وفي ظلّ الواقع الأليم الذي يعيشه المخيّم منذ خمس سنوات، فالمعروف أنه في هذا المخيّم حصلت نكسة في ملفّ العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية، ولكن هناك أكثر من عنوان يبدأ بعنوان إعادة إعمار المخيّم، وما يترتّب عليه من شروط أهمّها طبعاً أن المخيّم دمّر تدميراً شاملاً بأحيائه الأربعة، والآن العنوان هو ملف الدول المانحة من خلال منظّمة "الأونروا” بإشراف الدولة اللبنانية، وبالتعاون مع منظّمة التحرير الفلسطينية، بهدف إعادة الاعمار، ولكن لم يتأمّن أكثر من نصف الأموال التي رصدت. الآن انتهى العمل في مرحلتين من أصل ثماني مراحل، وفي الوقت عينه هناك إشكالات في عملية الترميم داخل المخيم وهناك منح دفعت في هذا المجال، أما القضايا المعقّدة التي جرى حلّها أخيراً هي قضية التصريح الأمني لسكّان المخيّم أو الداخلين إليه، وهذا التصريح طبعاً توفّره الأجهزة الأمنيّة، واليوم صار للجيش اللبناني وجود عند مداخل المخيّم، فلذلك أُلغيت التصاريح وأعيد العمل بالبطاقة للدخول إلى المخيّم، والآن تعود الحياة

إلى طبيعتها تدريجاً داخل المخيم، وفي نهاية الأمر، فإن المخيّم هو جزء من المنطقة ومن لبنان، وجزء من الوضع السياسي والبيئة السياسية والأمنيّة المحيطة.

- ما هي التداعيات المباشرة لمشكلة "فتح الإسلام” على الأمن الداخلي في المخيّم ووضع سكانه؟

سكان المخيّم وكل المنظّمات الفلسطينية داخل المخيّم، وبشكل أعمّ منظّمة التحرير الفلسطينية، الجميع لم ينأوا بأنفسهم عن جرى في العام2007 المواجهة بين الجيش و”فتح الإسلام”، فهم كانوا منحازين لجانب الجيش اللبناني، ولم يريدوا أن يعيدوا من قتال ، بل أعطوا الغطاء الكامل للجيش اللبناني ليحقّق الانتصار. المسألة الثانية المهمّة هي أنه تّم التعاطي في السنوات الخمسة الماضية مع أهل المخيّم على أنهم ليسوا الضحيّة، بل وكأنهم هم جزء من المشكلة أو متواطئون مع الإرهابيين، وبالتالي صار أهل المخيّم يناضلون لاسترداد صورة الضحيّة على الأقلّ، وهم كانوا ضحيّة تلك العصابة التي عبثت بأمن المخيّم. أعتقد أنه تمّ تجاوز هذا الأمر الآن، خصوصاً من خلال إلغاء التصاريح والإجراءات الأمنيّة، فقد جرى إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وموقف المخيّم هو ضد انتهاك أمن المجتمع اللبناني.

- بالعودة إلى "نهر البارد” ما قبل "فتح الإسلام”، هذا المخيّم مع مخيّم البدّاوي، كونهما أقرب الى الحدود السورية، وعلى مقربة من مدينة طرابلس، مع ما في ذلك الموقع من حساسية خاصّة، ما هي الخصوصية التي ينفرد بها هذان المخيّمان عن بقية المخيّمات في لبنان؟

ربما أهم ما يمتاز به مخيّما الشمال هو التركيبة الاجتماعية التي تختلف عن مخيّمات بيروت والجنوب، هذا التواصل بالذاكرة وبالتقاليد، فهم أنفسهم من قرى الجليل في فلسطين، والأهمّ أن هناك حالة من الاستقرار في مخيّمي الشمال، ففي حين هناك مخيّمات دمّرت جرّاء الحرب اللبنانية، كما جرى في مخيّم تل الزعتر والضبيّة مثلاً، وغيرهما من المخيّمات التي دمّرها العدوّ الإسرائيلي، بينما في الشمال بقيت مخيّمات الفلسطينيين بمنأى عن التوتّرات الأمنيّة وأكثر استقراراً، فهي بموقعها الجغرافي بين سورية وعكار في لبنان، لعبت دور الحلقة الاقتصادية، وسبب ذلك هو الاستقرار الأمني والحركة الثقافية لمخيم نهر البارد، وربما كان سبب اختيارموقعه الاستراتيجي أولاً، واحتمال وجود بيئة حاضنة لها خارج المخيّم وليس داخله، ثم الحالة الأمنيّة في المخيّم، حيث كان يعيش حالة تراخ أمني، ولم يكن هناك حلقة أمنيّة مغلقة في المخيّم المفتوح على البحر، ما شكّل خاصرة رخوة بالنسبة لمثل هذه الحالات.

-نسمع بين الحين والآخر صرخات من أهل المخيّم عن تأخّر عملية إعادة الاعمار! أين أصبحت هذه العملية، ومن يقف وراء التأخير؟

المشكلة الرئيسة التي تواجهنا هي عملية التمويل، وبعض الجهات وقفت حجر عثرة أمام تأمين التمويل كما يجب، والآن مثلاً بعض الدول التي أقرّت دفترياً مساعدات للمخيّم لم توفّر المبالغ التي رصدتها.

- بعض الدول العربية أيضاً لم تلتزم بما عليها، لبنانيّاً، ما هي العقبات؟

العقبات اللبنانية تتعلّق بالشق اللوجستي والبيروقراطي، ولكن هناك بعض المشاكل التي بالإمكان تذليلها في ضوء ما ذكرت.

- وعندما نتكلّم على سلاح داخل المخيّمات، الى أي مدى لـ”نهر البارد” علاقة بهذا العنوان؟

في "نهر البارد” لا يوجد سلاح، هناك لجان شعبية إدارية وثقافية فقط، فلا يوجد لا سلاح خفيف ولا سلاح ثقيل، طبعاً هذا العنوان مرتبط بقضية سياسية كبيرة ولا ينحصر بـ”نهر البارد”، ولكن العودة إلى مرحلة ما قبل العام 2007 في المخيّم، أي إلى زمن فوضى السلاح، فأعتقد أن هذه المرحلة باتت وراءنا.

- أيضاً في موضوع السلاح، كما هو معلوم أقرّ مؤتمر الحواراللبناني في العام 2006 بند معالجة السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات، إذا ما توافر توافق لبناني ـ لبناني، فهل ترى الى أن الجانب الفلسطيني سيسهّل تنفيذ هذا البند؟

صحيح أن هذا يحتاج أولاً إلى توافق لبناني ـ لبناني، وبالنسبة إلينا نحن وعلى العكس طرحنا مسألة تنظيم السلاح داخل المخيّمات أيضاً، لكن خارج المخيّمات فهو يقع في نطاق ما يريده اللبنانيون.

- ولكن قبل مايريده اللبنانيون هناك ممر إجباري،وهو ما يريده السوري من هذه المعسكرات الفلسطينية خارج المخيّمات؟

أنا أرى أنها مرتبطة بخلافات لبنانية داخلية، وقد حضر في الماضي الأخ أحمد جبريل (الأمين العام للجبهة الشعبية القيادة العامة) إلى قريطم، إبّان ترأس الرئيس سعد الحريري الحكومة اللبنانية، وجرى حوار حول الموضوع، ثم تابعته أطراف لبنانية مع القيادة في سورية. هذا الموضوع يجب أن يعاد إلى الضوء، لتنفيذ ما تّم الاتّفاق عليه في الحوار.

- الضغط السكاني ـ المعيشي في مخيّم "نهر البارد” أضيف إليه اليوم ضغط آخر بنزوح عائلات فلسطينية من سورية إلى المخيّم، كيف تتعاطون مع هذه الأزمة، وهل تمّ استيعاب هذه العائلات؟

هناك نسبة عالية من العائلات، أكثر من خمسين عائلة لجأت إلى المخيّم، وهذا فرض علينا تحدّيات جديدة. هناك طلاب فلسطينيون يدرسون وفق المنهاج السوري، ويحتاج الى أساتذة من المنهاج ذاته وهم موجودون، ولكن إدارة المدارس تحاول إيجاد صفوف خاصّة لهم، وهذا ليس بالأمر اليسير على سبيل المثال، فضلاً عن الحاجة إلى أنواع أخرى من المساعدات، وهذا واقع الشعب الفلسطيني من لجوء إلى لجوء.

-إذاً مخيّم "نهر البارد” يحتاج في المرحلة المقبلة إلى تمويل لاستكمال إعادة الإعمار، وربما ليلتحق من جديد في ركب بقية المخيّمات المطالبة بالحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان؟

هناك حاجة للإسراع بمعالجة الجرح الذي أصاب مخيّم "نهر البارد”، لينعكس إيجاباً على العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية، وهذا الملف هو امتحان في هذا الاطار.

- إلى أي مدى يستطيع أهل المخيّم والفلسطينيون أن ينأوا بأنفسهم عمّا يجري حولهم، سواء في لبنان وتحديداً في شمالي لبنان وبالأخص في طرابلس، وما يجري أيضاً في سورية؟

لا خيار أمامهم إلا هذا الخيار، فلا يمكن للشعب الفلسطيني أن ينوب عن الشعوب العربية باتّخاذ القرارات، ونحن كنا نطالب بأن لا يأخذ عنا أحد هذه الصلاحية، ولكن لا يمكن لأحد أن يغيب عن القضية الفلسطينية كونها قضية تهمّ كل الشعوب العربية، ولكن نحن لا يمكن أن نكون متفرّجين، فنحن منحازون بشكل كامل للأمن والسلم الأهلي في لبنان.

وفي سورية؟ في سورية نحن مع حلّ بالطريقة السلمية.

- وماذا عن الثورة في سورية وأنتم أبناء الثورة؟

هذا موضوع يحتاج إلى نقاش، الشعب السوري يقرّر مصيره كما يريد، ولكن هناك شروطاً عديدة، ونحن كجبهة شعبية مع التغيير، إذا كان تغييراً جدّيّاً وإلى الأمام ، وأن لا يعيدنا إلى الوراء، وتغييراً تقدّمياً ونحن جبهة تقدّميّة ، وأنا أريد ثورة سلميّة، وأن لا يأخذ طابع التناقض التناحري، وليس عبر الاحتلال والتدخّل الأجنبي بل صناعة محلّيّة.

- وهذه الشروط أليست متوافرة في الثورة السورية الحالية في رأيك؟

الحل في رأيي، وحتى تكون المنطقة معافاة وليست سورية فقط، لا يكون إلا بتوافر هذه الشروط، وإلا سنكون أمام وضع خطر، وبالنسبة لنا كفلسطينيين لا نريد سوى فلسطين والعودة إلى فلسطين.

المصدر: مجلة المشاهد السياسية اللندنية