الثلاثاء، 28
تموز، 2020
اعتبر الباحث والمحلل
السياسي، سليمان بشارات، أن الرؤية التي طرحها رئيس المكتب السياسي السابق لحركة
"حماس"، خالد مشعل، بالغة الأهمية، في ظل ظرف فلسطيني يمر بحالة من التراجع
السياسي داخليا، وبطبيعة ارتباطاته الإقليمية والدولية.
وطرح مشعل، في
حوار أجراه معه، (منتدى التفكير العربي) ، مطلع تموز/يوليو الحالي، رؤية سياسية من
أجل مواجهة مشروع الضم الإسرائيلي و"صفقة القرن"، وبناء المشروع الوطني الفلسطيني،
فكرتها إعادة تشكيل وظيفة السلطة الفلسطينية، بما يجعلها قادرة على مواجهة إجراءات
الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار بشارات في
حديث لـ"قدس برس" إلى أن الحالة السياسية الفلسطينية الآن تمر بمجموعة من
المتغيرات أولها، التغير الواضح بالهوية ومفهوم المشروع التحرري، الذي أصبح يتراجع
على حساب تقدم مشروع الحكم أو الإدارة النابعة من مفهوم يتعلق برؤية الأشخاص على حساب
الرؤية الكلية، و"هذا أمر خطير فيه تراجع تأثير حركات التحرر على الأرض وقدرتها
على التأثير، إلى جانب زيادة في فجوة الثقة ما بين مستوى النخب أو الشارع والمستوى
السياسي أو القيادة".
توقيت الرؤية
وعدّ أن توقيت
رؤية "مشعل"، يأتي من استشعار الخطر المستقبلي على تبعات ما قد ينعكس على
المشروع الوطني برمته، والذي لم يعد معيارا أساسيا لقياس مفاهيم الفشل والنجاح الميداني.
وأضاف إذا أردنا
فعلا قراءة ما يتضمنه الطرح، يتطلب منا إعادة تفكيك العديد من الجزئيات؛ أولها، إعادة
مفهوم التحرر والعمل الوطني تحت ظل الاحتلال، إذ أن السنوات الأخيرة بات التعامل مع
مفهوم الاحتلال يختلف في إطاره العام والخاص، حتى بات على الموطن العادي التعاطي مع
هذه الجزئية من باب البحث عن المصلحة الذاتية، في الحصول على تصاريح العمل والحديث
عن مفاهيم السلام والتعايش، ليتناغم ذلك مع الحالة الكلية التي باتت القوى السياسية
تحاول فرضها وفقا لرؤى مختلفة، كما انعكس ذلك بشكل واضح على المفاهيم الوطنية التي
عرف بها الشعب الفلسطيني.
أما الجزئية الثانية،
المتمثلة في أسلوب الحياة، وهنا ليس مكتوبا على الشعب الفلسطيني البقاء في ظل حياة
المعاناة، لكن تغيير مفاهيم الحياة وارتباطاتها من جزئية المفهوم الوطني التحرري إلى
المفهوم الاستهلاكي المبني على القيم التي تستقي حالة الاحتلال عزز من تغيير معاني
الانتماء والهوية الوطنية التحررية.
والجزئية الثالثة،
التي تأتي في إطار العلاقة مع الإقليم العربي والإسلامي، التي باتت تمر بحالة من المحورية
التي ساهمت إلى حد كبير في إضعاف حالة التضامن الشعبي والعمق العربي والإسلامي للقضية
الفلسطينية، والتي الفلسطيني ساهم بطريقة أو بأخرى بالوصول إلى حالة الفتور التي تمر
بها حالة التضامن العربي الإقليمي مع القضية الفلسطينية.
حلول لإفرزات أوسلو
ووصف مدير وحدة
الدراسات في هيئة علماء فلسطين في الخارج، الكاتب مخلص برزق، رؤية مشعل، بأنها طوق
نجاة للمشروع الوطني الفلسطيني، الذي بات سفينه بلا ربان يقوده ولا بوصلة تحدد له اتجاهه،
وبأنها تعطي حلولاً مهمة للباحثين عن مخرج مما قد تفرزه حالة السيولة التي تشهدها المنطقة.
وأوضح في حديثه
لـ"قدس برس" أن توقيتها مهم لتجاوز الشلل الذي تسبب به الانقسام مع الحاجة
الماسة إلى الانشغال بآليات مواجهة مكائد الأعداء بدل اجترار عثرات الماضي، مشيرا إلى
أن هناك فرص كبيرة فرضها الانشغال الدولي بكورونا والذي أظهر في بعض حيثياته إدارة
الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاجزة مهزوزة في ذات الوقت الذي تشكلت فيه حكومة العدو
بالكاد بعد عدة جولات انتخابية بائسة.
وأضاف: "توفر
الرؤية حلولاً لإفرازات أوسلو السيئة من خلال فكرة إعادة تشكيل وظيفة السلطة الفلسطينية
بما يجعلها قادرة على مواجهة إجراءات الاحتلال الصهيوني لتنحاز إلى الخيار الوطني ويتم
فيه تبني "برنامجاً فلسطينيا وطنياً يقوم على إطلاق المقاومة، والمواجهة الشاملة
مع الاحتلال".
"كما أن ما
جاء فيها يمكن أن يشكل صمام أمان لمواجهة السياسة الخبيثة للعدو باقتراحه إعادة تعريف
الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية بما يضمن إجماع الكل الفلسطيني عليها، والحيلولة
دون التنازل عن أي منها"، وفق برزق.
وشدد على ضرورة
أن تحظى تلك الرؤية باهتمام كبير، في ظل غياب أي رؤية أخرى يمكن أن توفر الحد الأدنى
من التوافق الداخلي أو الفاعلية في مواجهة الإجراءات الصهيونية.
بدوره توافق المحلل
السياسي، إبراهيم المدهون، مع كلام "برزق"، وأكد لـ"قدس برس" أن
هذه الرؤية أثبتت أنها من أهم ما عرض من أفكار واستراتيجيات في هذه المرحلة، وتكمن
أهميتها أو دلالات توقيتها، في اللحظة التي تتعرض فيه القضية الفلسطينية لهجوم سياسي
واقتصادي وعدوان شامل يستهدف ثوابتها.
وأضاف هذه الرؤية
تحمل نقاطا واضحة يلتقي فيها الكل الفلسطيني وأعتقد أنها جاءت في الوقت المناسب، وتلبي
احتياجات شعبنا ويمكن ترجمتها لبرنامج عمل موحد ومرحلي، تجمع الأطياف المختلفة وتلبي
طموح الفصائل الفلسطينية، وتجيب على أسئلة الشتات والمقاومة والضفة وغزة والقدس ومناطق
الـ48.
وتابع: "نحن
أمام طرح سياسي ناضح مفعم بالجمل السياسية، درس حقيقة الموقع والموقف الفلسطيني واستطاع
استخلاص مكامن القوة لدى الشعب الفلسطيني وتجميعها، وبناء برنامج عمل يمكن ان يهدف
الى توحيد، الجهود وتركيزها نحو هدف وغاية تجمع كل الفلسطينيين".
وأكد إمكانية تحقيق
هذه الرؤية بشرط التعاطي معها إيجابيا من قبل السلطة الفلسطينية ومن قبل حركة حماس
وفصائل الوطن.
وأردف استطاعت
هذه الرؤية أن تفكك إشكاليات الانقسام والتدخل الأمريكي في المنطقة، وحقيقة دور السلطة
الذي يجب أن يكون، ووضعت آليات لمواجهة كل ذلك كما تعالج مشكلة التمثيل الفلسطيني والقيادة
الفلسطينية والتشتت والعمل على شراكة فلسطينية واحدة.
مشددا على ضرورة
الاستماع والإنصاف الى مثل هذه الرؤى التي تصدر من شخصية مثل السيد خالد مشعل.
وحذر المدهون أنه
كلما مرت الأيام دون التجاوب مع هذا الطرح كلما باتت حظوظ مضامينه قليلة في إمكانية
التطبيق، وشدد على عدم الارتهان لعامل الزمن والبدء بالخطوات العملية على الأرض.