مفوض الأونروا للأهرام:لا
نريد أن يتعامل العالم مع اللاجئين كضحايا ولكن كطاقة نافعة للمجتمع الدولى
حوار ــ مصطفى الغمرى
بيير كرينبول، المفوض العام
لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» شخصية دبلوماسية هادئة تمتد خبرته
إلى ثلاثين عاما فى مجال الإغاثة الإنسانية.. فى حواره مع «الأهرام» كشفنا ما بداخله
من شعور بهموم ملايين اللاجئين، فهو يحمل بحقيبته أشياء تحمل ذكريات وقصصا يريد أن
يتحدث عنها فى كل مناسبة، خصوصا قصص الأطفال ومعاناة الإنسان، وكأنه يريد أن ينفجر
العالم من البكاء تضامنا مع مشاعر هؤلاء اللاجئين، الذين لا يخفى إعجابه ببعضهم، بصفتهم
شخصيات خارقة للطبيعة.
كما يتحدث فى الحوار عن
حاضر «الأونروا» والمشكلات التى تعانيها، ومستقبلها فى الفترة المقبلة، وفيما يلى نص
الحوار:
هل تعتقد أن استمرار الأونروا
نجاح أم فشل للأمم المتحدة؟
بعدما وصلت إلى هذا المنصب
قلت فى الخطاب الذى ألقيته بالأمم المتحدة إن 67 عاما من عمر الأونروا يمكن عدها إنجازا
عظيما، حيث قدمت أعلى معايير الخدمات الصحية والتعليمية حتى خرجت مليونى طالب فى مدارسها
منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن هناك وجها آخر للقصة، حيث ظلت الأونروا طوال 67 عاما
تذكرة يومية للعالم بأكمله أن القضية لم تحل طوال تلك الفترة وهذا تذكير صادم للمجتمع
الدولي، لأننى كما أقول فى محافل المجتمع الدولي، اللاجئون الفلسطينيون ليسوا إحصائيات
ملخصها 5.3 مليون شخص إنهم الطفلة بتول ذات الخمسة عشر عاما اللاجئة من فلسطين إلى
سوريا ومنها إلى لبنان، حيث نزحت وتوفى والدها وأخواتها فى الحرب، إنها الطفلة ناهد
البالغة من العمر 16 سنة التى دمر منزلها بضربات إسرائيلية وعندما استيقظت من غيبوبة
الأشهر السبعة أخبرها الأطباء أنها فقدت أمها وإحدى أخوتها فى الغارات الجوية، عرفت
ناهد عندما أعطيتها شهادة تقدير كواحدة من أفضل الطلبة فى خان يونس، وأعتقد أن العالم
لا يجوز أن يتعامل معهم كأرقام ولكن هم بشر يواجهون مصائر صعبة تتبخر تحت مظلة الإحصائيات!.
هل أثرت عليك تلك الأحداث
نفسيا؟
نعم لأنه لا يمكن الهروب
من التأثير الذى تحدثه تلك الأحداث الإنسانية، قبل يومين كنت فى غزة وقابلت تلاميذ
صغار يكرسون كل حياتهم للتعليم وعندما أجلس معهم وأتحدث عن حقوق الإنسان أجد لديهم
قدرا عاليا من التصميم على حقوقهم والترويج لها، أنا أفكر فيهم دائما وعندما أقابل
المتبرعين أقول لهم إننا يجب علينا على أقل تقدير أن نواكب شجاعة هؤلاء الطلبة فى المدارس.
بان كى مون الأمين العام
السابق للأمم المتحدة جاء فى رحلته الأخيرة إلى غزة وأعددنا لقاء له مع الطلبة فى الأونروا
وتحدث معهم ليشجعهم على الدراسة ودراسة حقوق الإنسان، فسأله أحد الطلبة وكانت سنه
14 عاما، وقال له نحن نحب دراسة حقوق الإنسان ولكنى لدى سؤال لك: لماذا لا تطبق تلك
الحقوق علينا؟، فعم الصمت بعد السؤال الذى لا يستطيع العالم الإجابة عنه.!!
هل تحاول بعض الدول استخدامكم
كأداة لسياستها الخارجية؟
لقد عملت لأكثر من 25 عاما
فى الإغاثة الإنسانية قبل هذا المنصب ولا شك أن كثيرا من الدول تحاول استخدام الإغاثة
الإنسانية لمصالحها خاصة مع الدعم السخي، لكن الأهم دائما هو سلوك المنظمات نفسها،
ولنكن واضحين مهمة الأونروا ليست للبيع لأنها مكلفة من الجمعية العامة بإجماع دول العالم
ولا تتبع تعليمات من دولة أو أخري، وهناك دول تحاول التأثير لكن هناك ظهيرا قويا يحميها
من أخطار الانحناء، فهذا آخر شيء يتمناه الفلسطينيون، لذلك نحن منظمة تمثل أعلى درجات
الكرامة والمسئولية، ورغم ذلك لا أمانع من الاستماع لوجهات النظر أو النصائح من شركائنا.
الفلسطينيون فى الإعلام
الدولى يتم تصويرهم كإرهابيين، كيف تتعامل مع هذا الضغط؟
نحن نعمل فى منطقة صراع
وكل منظمة دولية لديها مسئولية أن تضمن سبل إنفاق الأموال التى تتحصل عليها من المانحين
لاستخدامها فى أهداف الإغاثة، وأى شك فى إساءة استخدام هذه الأموال سأكون أول من يعلن
ذلك على الملأ، المعونات هدفها الإغاثة الإنسانية وليس الاستخدام السياسي.
لكن محاولة تعميم صورة
معينة على شعب بأكمله غير مقبولة، الكثير من حقوق الفلسطينيين الأساسية والمضمونة لأغلب
شعوب الأرض منتقصة، لذلك لابد أن يفهمهم العالم كأفراد لهم قصص إنسانية مبهرة.
لو كان الطلاب الفلسطينيون
هنا لأخبروك أنهم يريدون أن يراهم العالم كقدرات وإمكانات متحفزة للمشاركة والإسهام
فى العالم.
وهنا أقول لك كيف تنتهى
الصراعات، فقط انظر إلى الإنسان فى الطرف الآخر وتقبله بدلا من أن تنكر وجوده، فالأمن
والسلام لا يبنى بإنكار حقوق وكرامة الطرف الآخر.
هل تعوق "إسرائيل"
عملكم؟
الاحتلال لديه أمور كثيرة
معقدة عندما نجلب خامات أو عندما يمر فريق عملنا لشرق القدس أو نتحرك خلال الضفة الغربية
نجد تعقيدات، لكننا فى عملنا محددون ومباشرون ولدينا آلية عمل ثابتة ومنظمة، وقد يحدث
توتر فى العلاقة لكن الحوار يستمر مع وزارة الخارجية الإسرائيلية وبالطبع مع الجيش
الإسرائيلى لتخطى العقبات وأحيانا ننجح وأحيانا نفشل، بينما على المستوى السياسى نحظى
بتصويت 167 دولة لتجديد مهام عملنا.
لماذا تمنع المساعدات على
الحدود باستمرار؟
"إسرائيل" تريد
السيطرة على أنواع المواد التى تدخل إلى غزة وتخشى دائما من استخدام الخامات لأهداف
بخلاف الإغاثة، بينما نحن نمتلك الخبرة ولدينا نظم عمل منضبطة تصف كل شيء بشكل دقيق،
خاصة فيما يتعلق بمواد البناء، ودون شك نواجه عقبات لكن مؤسسات الإغاثة عليها أن تعمل
تحت تلك الظروف.
حدثنا عن عجز التمويل الذى
يشار له فى الإعلام دائما؟
إنه صراع دائم فى الأونروا
أكبر أقسام الميزانية هو البرنامج والذى يشمل كل الأنشطة التى نقوم بها من مدارس لنصف
مليون طالب وأعمال الصحة والخدمات الاجتماعية والتمويل متناهى الصغر وتحسين المخيمات
وميزانيتها تبلغ 715 مليون دولار هذا العام، بينما العجز 126 مليون دولار حتى الآن،
نحتاج توفيره لنظل نعمل بشكل اعتيادي، يلى ذلك برنامج الطوارئ وهو أمر منفصل ولكن الأهم
واكبر مشكلاتنا هى الحفاظ على المدارس والمستشفيات تعمل ونحن الآن نتحدث مع عدة دول
للحصول على هذا المبلغ.
ومن أين يأتى العجز أصلا؟
إسهامات الدول المانحة
تزيد سنويا لكن نسبة زيادتها لا تواكب الاحتياج الناتج عن تأجج الصراعات والزيادة السكانية
الطبيعية، فى سوريا مثلا كنا ننفق قبل الحرب 50 مليونا لأن اللاجئين كانوا مندمجين
فى سوق العمل بعد الحرب أصبحت ميزانيتنا هناك 400 مليون.
بجانب التعليم هل تقومون
بمشروعات تساعد غزة والمخيمات على الاستقلال المادي؟
مهمتنا الأساسية هى إيجاد
الاستقلالية للاجئين، وبرامج التعليم هى البداية الصحيحة، لذلك تستحوذ على أكثر من
نصف ميزانيتنا، لأنك عندما تتعامل مع إنسان متعلم فأنت لا تتعامل فقط مع ضحية تتلقى
الطعام، ولكن من زاوية التعليم يصبح الشخص قادرا على إعالة نفسه بقدرات ذاتية، الأزمة
أن 65% من سكان غزة عاطلون عن العمل، لذلك نعمل على برنامج التمويل متناهى الصغر لإنشاء
شركات صغيرة تحقق قدرا من الاعتماد على النفس لكن ظروف الحصار تحت الاحتلال صعبة ومعقدة،
لذلك يظل دائما التعليم هو نقطة البداية الصحيحة، وذلك بجانب التدريب المهنى وتوفير
المنح الدراسية للوصول إلى فرص العمل، وهناك إجابة نموذجية فى غزة على سؤال ماذا تريد
أن تصبح أغلبهم يريد أن يصبح معلما أو مهندسا أو طبيبا، لكن ذات يوم قال لى طفل أريد
أن أصبح رائد فضاء، لأنه المخرج الوحيد لأكون حرا!.
هل يمكن أن تعطينا خريطة
التوزيع السكانى الحالى للاجئين؟
هناك 5.3 مليون لاجئ مسجلون
بالأونروا أكثر من 1.2 فى غزة فعليا، فنحو 70% من السكان لاجئون فى غزة ونحو 7500 فى
الضفة الغربية، و2.2 مليون فى الأردن واقل من نصف مليون فى سوريا، ونحو 300 ألف فى
لبنان.
وأين المهمة الأصعب؟
الصعوبة مختلفة فى كل مكان،
فى سوريا الوضع صعب نظرا للحرب ووجود خطر كبير مستمر على الحياة، الأكثر صعوبة فى غزة
هؤلاء تحت ضغوط هائلة صعوبة فى حرية التنقل، وفرص عمل قليلة وعانت ثلاث حروب متتالية
تركت آثارا نفسية ضخمة، أنت لا يمكنك تخيل شعور إنسان يشرب مياها طعمها مالح وقد لا
يجد ماء ليستحم، أو يذاكر على إضاءة تليفون محمول لانقطاع الكهرباء، أنت لا تعرف الحالة
النفسية للأطفال فى اليوم الأول للدراسة، وأماكن زملائهم الذين ماتوا فى الحروب فارغة،
فى حرب 2014 قتل 138 طفلا!أنه أمر عجيب أن يتمكن هذا الشعب من الاستمرار فى الحياة
بكامل طاقته وتركيزه، بينما فى الضفة يعانى السكان مواجهات يومية مع قوات عسكرية وتهجيرا
مع توسع المستوطنات، فى لبنان يعيشون على نفس مساحة نصف كيلومتر مربع منذ عام 1950
ولك ان تتخيل كيف يكون تعداد سكانى ضخم يعيش فى رقعة بلا أى مساحات لأقل احتياجات الحياة،
وهو ما ينتج مشكلات اجتماعية عميقة.
ما القصة التى تريد حكايتها
لكل من تعرف؟
هناك الكثير من القصص فى
حقيبتى المليئة بالمحتويات الشاهدة على أحداث مروعة ( أخرج كراسة صغيرة وامسكها برفق)،
تلك الكراسة وجدناها وسط حطام أحد فصول مدارسنا التى قصفت فى غزة عام 2014، وهى كراسة
شعر وفى تلك الصفحة وجدنا تلك الكلمات تدل على مدى الوعى والحكمة عند هؤلاء الأطفال..
(الأمل صديق رائع.. يغيب لكنه لا يخون أبدا).. (السعادة فى بيتك فلا تبحث عنها فى حديقة
الغرباء).. عندما وجدنا تلك الكلمات وسط الحطام نظرنا لبعضنا وتولد لدينا الأمل لإعادة
بناء ما هدمته الحرب، ولحسن الحظ نجت الطفلة رؤى صاحبة هذه الكراسة من الغارات وألقت
قصائدها مع إعادة افتتاح المدرسة، وعندما أعطيتها كراستها طلبت منى أن أبقيها معى وأحكى
قصتها لأنها كأغلب سكان غزة لم تر غيرها ، وأنا أحكى قصتها، ونحن نحكى قصصهم فى كل
مكان حتى يخرجوا لحكاية قصتهم بأنفسهم.
المصدر: جريدة الأهرام