10 خطوات أميركية لتبديد الحلم الفلسطيني
نادية سعد الدين
عمان- استكملت الإدارة الأميركية، أمس، إجراءاتها
"العقابية" المضادة ضد السلطة الفلسطينية بقرار إلغاء تأشيرات الإقامة لعائلة
رئيس مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، السفير حسام زملط، ومطالبتهم بمغادرة
البلاد فوراً، رغم أن التأشيرات سارية حتى العام 2020.
وأدان الفلسطينييون الخطوة الأميركية الأخيرة، التي
تقف إلى جانب سلسلة قرارات متتالية استهدفت، منذ نهاية العام الماضي، قضايا القدس المحتلة،
واللاجئين الفلسطينيين، ووكالة الغوث الدولية "الأونروا"، بالإضافة إلى مكتب
منظمة التحرير في الولايات المتحدة، وذلك في توتر غير مسبوق للعلاقات الفلسطينية -
الأميركية.
وأكد السفير الفلسطيني في واشنطن، حسام زملط، أن
"السلطات الأميركية ألغت تأشيرات الإقامة لعائلته، وطالبتهم بمغادرة أميركا فوراً
رغم أن التأشيرات مستمرة حتى عام 2022، وأغلقت الحسابات المصرفية التابعة لهم”.
وأضاف أنه "وبعد هذه الاجراءات أصبح مكوث عائلته
في أميركا غير مرغوب فيه، وهم في طريقهم إلى رام الله”.
واعتبر أن "هذه الإجراءات تعد جزءاً من الهجمة
على القيادة الفلسطينية إثر موقفها الرافض "لصفقة القرن"، وهو انتقام من
القيادة والسفير زملط، بغية استرضاء سلطات الاحتلال الإسرائيلي. "
وقال إن "الاحتلال الإسرائيلي شريك في هذه
الخطوات التي تقوم بها الإدارة الأميركية بشكل هستيري ومتتالي”.
من جانبها، أدانت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير،
حنان عشراوي، القرار الأميركي بحق السفير زملط، وقالت: إن "هذا السلوك الانتقامي
من قبل الإدارة الأميركية يدلل على ما وصلت اليه من حقد على فلسطين، قيادة وشعباً،
ليطال النساء والأطفال الأبرياء”.
وقالت إن الإدارة الأميركية "لم تكتفِ بإجراءاتها
وقراراتها الأحادية وغير القانونية لإرضاخ الفلسطينيين وكسر ارادتهم، حيث تلجأ الآن
لمستوى جديدة من العقوبات، عبر استهداف عائلة السفير زملط بطريقة غير انسانية ومتعمدة،
مما شكل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية الفلسطينية -الأميركية ومخالفة صريحة للأعراف
الدبلوماسية”.
ولفتت عشراوي الى أن "السلطات الأميركية أبلغت
موظفي البعثة في واشنطن بالإجراءات المترتبة على اغلاق مكتب المنظمة، بما فيها مطالبتهم
بالتوقف عن العمل واغلاق حساباتهم البنكية وعدم تجديد عقد الايجار”.
توتر غير مسبوق في العلاقات الفلسطينية - الأميركية
وتشهد العلاقات الفلسطينية – الأميركية توتراً غير
مسبوق منذ وصول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى سدة رئاسة البيت الأبيض، في ظل
المشهد الإقليمي العربي المضطرب والممتد من العام 2011.
وقد تفاعلت الجوانب المرتبطة بأزمة العلاقة الثنائية
عند إعلان الرئيس ترامب، في يوم 6 كانون الأول (ديسمبر) 2017، اعتراف إدارته
"بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي"، وتوجيه وزارة الخارجية لـ"بدء التحضيرات
لنقل السفارة الأميركية إليها”.
وشكل هذا الإعلان حينها قطيعة مع سبعة عقود من السياسة
الأميركية نحو القدس المحتلة، حيث كان الكونغرس الأميركي قد تبنى بأغلبية كبيرة من
الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، "قانون سفارة القدس" في العام 1995، ونص
على ضرورة نقل السفارة الأميركية إلى القدس ضمن سقفٍ زمني لا يتجاوز 31 أيار (مايو)
1999.
إلا أن ذلك القانون تضمن بنداً يسمح للرئيس الأميركي
بتوقيع إعفاء مدة ستة أشهر إذا رأى أنه ضروري "لحماية المصالح الأمنية القومية
الأميركية”. ومنذ إدارة الرئيس بيل كلينتون؛ والإدارات الأميركية المتعاقبة توُقع الإعفاء
تلقائياً كل ستة أشهر، على الرغم من وعودهم، بوصفهم مرشحين، بنقل السفارة الأميركية
إلى القدس المحتلة.
ويعني إعلان ترامب أن مدينة القدس، بجانبيها الشرقي
والغربي، موحدة، وعاصمة "لدولة إسرائيل"، مما يعد مصادرة لحق الفلسطينيين
في عاصمة دولتهم المنشودة، التي حظيت بدعم المجتمع الدولي، باعتبار القدس المحتلة عاصمة
الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حدود العام 1967، عدا استبعاد قضية القدس عن طاولة
مفاوضات الوضع النهائي.
وعملاً بمضمون الإعلان؛ فقد قرر الرئيس ترامب نقل
سفارة بلاده إلى القدس المحتلة عشية ذكرى "النكبة" الفلسطينية، في 15 أيار
(مايو) 2018، مما اعتبره الفلسطينيون "عداء للقضية وللشعب الفلسطيني، مقابل الإنحياز
المطلق، حد الشراكة، مع الاحتلال الإسرائيلي”.
وفي كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، استخدمت
الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يهدف لحماية
وضع القدس ووقف قرار ترامب، بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، ونقل سفارة
واشنطن إلى المدينة المقدسة وسط رفض اقليمي ودولي.
ورغم ايقاف واشنطن لمشروع القرار، ونقل السفارة
لاحقاً، إلا أن مشروع القرار تم تأييده من قبل 14 عضواً بمجلس الأمن، مما يشير إلى
موقف واشنطن الإنعزالي من طريقة إدارتها للصراع المزمن.
تغذية أميركية لأزمة "الأونروا"
وقد أخذت أزمة العلاقة الفلسطينية – الأميركية مداها
المأزوم عند مس واشنطن بقضية اللاجئين الفلسطينيين، منذ إعلان السفيرة الأميركية لدى
الأمم المتحدة، نيكي هالي، في 2/1/2018، أن إدارة الرئيس ترامب "لا تنوي الاستمرار
في دعم الأونروا حتى يوافق الفلسطينيون على العودة إلى طاولة المفاوضات”.
وفي اليوم التالي، 3/1/2018، غرد ترامب على تويتر
قائلاً: "سنوياً ندفع للفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات، ولا نحصل منهم
في المقابل على أي تقدير أو احترام. إنهم لا يريدون مباحثات السلام، فلماذا ينبغي علينا
أن ندفع لهم كل هذه المبالغ الطائلة في المستقبل"، بحسب قوله.
وقد أعقب هذه التصريحات قيام الولايات المتحدة بتقديم
60 مليون دولار فقط لتمويل ميزانية "الأونروا" العادية، من إجمالي حوالي
360 مليون دولار قيمة تبرعاتها السنوية، وذلك تحت وتيرة الضغط الدولي والجهود الأردنية
الكثيفة بالتنسيق مع إدارة الوكالة وبعض الأطراف العربية.
ولكن الإدارة الأميركية ما لبثت أن قررت إيقاف
300 مليون دولار من التمويل "للأونروا" لهذا العام، إزاء الموقف الفلسطيني
الرافض لاستئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي بدون توفر مرجعية دولية واضحة وسقف
زمني محدد لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حدود العام 1967
وعاصمتها القدس المحتلة، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين بموجب القرار الدولي 194، فضلاً
عن مناهضة التفرد الأميركي بملف عملية السلام.
وأتبعت الإدارة الأميركية خطواتها المضادة
"للأونروا بقرار وقف تمويل ميزانية الأونروا بالكامل، والتي تقدر بنحو 360 مليون
دولار سنوياً، بأكثر من ثلثي ميزانية الوكالة، وذلك وفق ما تم نشره في 30 أغسطس (آب)
2018.
واستكملت الإدارة الأميركية مسار "المقايضة"،
إن جاز التعبير، عبر اشتراط قيام الأونروا "بإصلاحات"، لضمان استمرار تلقي
الدعم، الذي سيتم حصره في إقليمي الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، بدون سورية ولبنان،
من مناطق عملياتها الخمس"، بحسب المتحدث الرسمي باسم "الأونروا"، سامي
مشعشع.
ولم يكتفِ الحراك الأميركي المضاد للأونروا عند
ذاك الحد؛ حيث تقدم العضو في مجلس النواب الأميركي، داغ لمبورن"، عن الحزب الجمهوري،
مع أقران له في "الكونجرس"، بمبادرة لسن قانون جديد يحصر عدد اللاجئين الفلسطينيين
بنحو 40 ألفاً فقط، سبيلاً لتخفيض دعم الولايات المتحدة للأونروا، وتقليص "عدد
اللاجئين الفلسطينيين بشكل كبير، خلافاً للتعريف الأممي الذي أسهم في تضخم ميزانية
الوكالة وأبقى قضيتهم حية للأبد"، بحسب قوله.
وهذه "الشرعَنَة" الأميركية المغايرة
لتعريف اللاجئين الفلسطينيين، لا تختزل، فقط، عددهم بمن تشردوا خلال النكبة، بل تستثني
نسلهم من الأجيال اللاحقة، عند الوقوع بمغالطات تاريخية ورقمية أممية مؤطرة في تعريف
"الأونروا"، التي أنشئت بقرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة
في 8/12/1949، للاجيء الفلسطيني.
واعتبرت منظمة التحرير أن "قرار الرئيس ترامب
يخالف موقف الإدارات الأميركية السابقة، حيث كانت الولايات المتحدة، طيلة أكثر من خمس
وستين سنة، المانح الفردي الأكبر للوكالة، كما يهدد واحداً من أكثر مساعي التنمية البشرية
نجاحاً وابتكاراً في المنطقة، بوصف الوكالة عامل أمن واستقرار اقليمي، وليس عبئاً على
القضية الفلسطينية أو المنطقة”.
استهداف المدنيين الفلسطينيين العُزل
لامست إجراءات واشنطن التصعيدية استهداف المدنيين
الفلسطينيين؛ وذلك عند إعلان وزارة الخارجية الأميركية، في بيان تم نشره في 10 أيلول
(سبتمبر) 2018، عن إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بزعم أنها
لم تتخذ أي خطوة لدعم بدء مفاوضات مباشرة وجادة مع الجانب الإسرائيلي"، ورفض
"خطة السلام الأميركية" التي لم يعلن عنها بعد.
وجاء هذا القرار الأميركي على خلفية تنديد واشنطن
بمواصلة جهود السلطة الفلسطينية ضمن المسار القانوني في المحكمة الجنائية الدولية،
منذ أيار (مايو) الماضي، بطلب فتح تحقيق شامل في الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين
بالأراضي المحتلة.
ومضت الإدارة الأميركية في المسار المضاد؛ حينماقررت،
في 8 أيلول (سبتمبر) 2018، قطع 20 مليون دولار عن مشافي القدس المحتلة، بما شكل تهديداً
لاستمرار عمل القسم ألأكبر منها، والتي تعاني من ضائقة مالية شديدة، ومنها مستشفى المقاصد
الخيرية الإسلامية، بينما يعطل العمل بالكامل في مشفيي "أوغوستا فيكتوريا"،
وهو مشفى كنسي عريق إلى جوار جبل المشارف، و"سانت جورج"، وهو أهم مشفى تخصصي
لعلاج أمراض العيون في الأراضي المحتلة.
فيما قررت الإدارة الأميركية، مؤخراً، قطع آخر حلقة
دعم للفلسطينيين بتجميد 10 ملايين دولار من أموال مساعداتها المخصصة لدعم مشاريع فلسطينية
شبابية، بسبب استمرار "السلطة الفلسطينية في شجب خطة السلام للرئيس ترامب”.
وكانت إدارة ترامب قد اتخذت تلك القرارات بعد شهرين
من انسحابها من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، وبعد أقل من عام من انسحابها
من عضوية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" بدعوى
انحيازهما ضد الكيان الإسرائيلي، حليفها الاستراتيجي الأول في منطقة الشرق الأوسط.
المصدر: الغد الاردنية