آية اللاجئة من فلسطين
بقلم: بيير كرينبول*
يعد المؤتمر الدولي حول سوريا الذي يعقد في لندن فرصة سانحة لنتذكر أن كل الحروب،
وتحديدا هذه الحرب الأكثر مأساوية والأشد تدميرا، تقاس بتكلفتها الإنسانية.
آية قاسم طفلة لاجئة فلسطينية من دمشق تبلغ السابعة من العمر. وقد أدى هجوم
بقذائف الهاون إلى تشويه ساقها، الأمر الذي استوجب بترها. وبكل شجاعة، وبعد سلسلة من
العمليات، تعلمت آية المشي مجددا. إن الثبات والحماس الهائلين بداخلها نحو آفاق استكمال
تعليمها جديران بالاحترام. وقد قالت لنا بتصميم وعزم يفوقان عمرها: «لقد كنت سعيدة
بالعودة إلى المدرسة للقاء صديقاتي ولتعلم أمور لم أكن أعرفها أبدا».
تمثل آية العواقب الحقيقية والفردية للنزاع السوري. ومثل العديدين غيرها، فإن
تلك العاقبة هي مصير ينبغي أن يتم تعزيزه واحترامه، إن ما يقارب الـ12 مليون شخص أجبروا
على الفرار من منازلهم؛ وهناك حوالي ستة ملايين ونصف المليون شخص مشردون داخل البلاد؛
وفي الوقت نفسه، فقد فر 4.2 مليون شخص إلى البلاد المجاورة. وداخل سورية، هنالك
13.5 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانية. لقد تم إيلاء اهتمام أقل بلاجئي فلسطين في
سوريا الذين يبلغ تعدادهم 560.000 لاجئ والذين وجدوا أنفسهم محاصرين في هذا النزاع.
إنهم من الناجين من النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عندما أدت الحرب العربية الإسرائيلية
عام 1948 لأن يصبح 750.000 فلسطيني لاجئين؛ حيث أنهم هربوا أو أجبروا على الفرار من
منازلهم إلى بلدان مجاورة بما فيها سوريا. واليوم فإن مأساة استمرار نزوحهم ونفيهم،
كجزء من مأساة أكثر من خمسة ملايين لاجئ من فلسطين في المنطقة، لا تزال بدون حل. ويقدر
أن هناك 450.000 لاجئ من فلسطين من أصل 560.000 لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأونروا في
سوريا لا يزالون داخل البلاد؛ وأن أكثر من 60٪ منهم – 280.000 شخص – مشردون داخل البلاد.
إن هذه الأرقام تشمل عشرات الآلاف من الأشخاص المحاصرين في مناطق النزاع النشيط، كمخيم
اليرموك للاجئين في دمشق. وعلى الرغم من أن اليرموك قد احتل العناوين الرئيسة للأنباء
في وقت ما، إلا أن كافة مخيمات لاجئي فلسطين الاثني عشر مخيما في سوريا قد تأثرت جراء
القتال. إننا نتعامل مع جيل آخر من لاجئي فلسطين يواجهون الطرد والتشريد والحرمان وفقدان
الحياة. ومن بين لاجئي فلسطين من سوريا الذين أجبروا مرة أخرى على النفي، فإن حوالي
42.000 شخص منهم قد فروا إلى لبنان فيما فر أكثر من 17.000 شخص إلى الأردن، حيث يعيشون
كلهم وجودا متقلقلا ومهمشا ويعتمدون على الأونروا من أجل تلبية الاحتياجات المعيشية
الأساسية. وفي حين أن عددهم هناك قد بقي ثابتا لفترة من الوقت، إلا أن الآخرين سلكوا
رحلة أكثر يأسا إلى أوروبا على متن القوارب.
تتمتع الأونروا بمقدرة واضحة على تلبية احتياجات لاجئي فلسطين في سوريا وخارجها
في حال ما تم تمويلها بشكل كاف. ولدى الأونروا وجود كبير للموظفين في البلاد يعد الأكبر
مقارنة بغيره، حيث أن موظفينا البالغ عددهم أربعة آلاف موظف وموظفة يتمتعون بخبرة عميقة
وراسخة في هذا السياق. إننا موجودون وبشكل فريد من أجل مساعدة لاجئي فلسطين على التعامل
مع عدد من الصدمات والاحتياجات التي يوجهونها ولدينا إمكانية واضحة لاستئناف تقديم
الخدمات في جيوب «ما بعد النزاع» النادرة في سوريا. وفي العام الماضي، داوم 43.000
طالب وطالبة في مدارسنا في سوريا. لقد قمنا بتنفيذ برنامج شامل «التعليم في حالة الطوارئ»
تضمن مواد ذاتية التعلم تم استكمالها ببرامج تعليمية تشاركية وحصص مساعدة عبر الإنترنت.
وأيضا، فقد قدمت مراكز الأونروا الصحية الخمسة عشر إلى جانب إحدى عشرة نقطة صحية –
وهي عيادات مؤقتة تم افتتاحها في المناطق التي يكتنفها النزاع – عدة مئات من الآلاف
من الاستشارات الصحية. ورغم الصعوبات الشديدة، فإن عملنا يبين يوميا قيمة المحافظة
على التعليم والخدمات الصحية من أجل ضمان عدم نسيان أي شخص؛ ضمان عدم نشوء جيل ضائع.
وتعمل الأونروا على دمج القدرة على الاستجابة للاحتياجات الطارئة العاجلة، وفي الوقت
نفسه توفير تنمية على المدى الطويل. ونحن نقوم بذلك تحت سقف واحد وكجزء من تداخل واحد
مستمر ومستدام. ولذلك، وبالإضافة إلى العمل في مجال التنمية البشرية الموصوف أعلاه،
فإننا نخطط في عام 2016، وبدعم من المانحين والشركاء، لمجموعة واسعة من برامج الطوارئ؛
كالغذاء والمال للأشخاص داخل سوريا البالغ عددهم 430.000 شخص والتعليم والرعاية الصحية
للفلسطينيين الذين فروا إلى لبنان والأردن، والبالغ عددهم 60.000 شخص.
إن 95٪ من الفلسطينيين في سوريا يعتمدون على مساعدة الأونروا. ويعد دعمنا في
أغلب الأحيان الخط الفاصل ما بين الحياة والموت. إن أهمية هذا لا يمكن التقليل منه،
وتحديدا لدى سكان يبحثون وبشكل متزايد عن الحماية وعن الخدمات خارج منطقة الشرق الأوسط.
ومع اقتراب دخول النزاع عامه السادس، فليس هناك أمر أكثر أهمية اليوم من تحقيق التقدم
في مباحثات جنيف. إن هنالك حاجة إلى عمل سياسي قوي من أجل حل النزاع ومساءلة الجهات
المسؤولة عن انتهاكات القانون الدولي. وفي غضون ذلك، فإننا عازمون على التمسك بقوة
بحقوق لاجئي فلسطين، في سوريا وفي سائر أرجاء الشرق الأوسط. إن محنتهم وانعدام اليقين
الذي يواجهونه قد مر عليه وقت طويل. إن مأساتهم هي مأساة لا يمكن للعالم أن يغفل عنها.
وفي منطقة يعد الأمل والتوقعات فيها أمورا صعبة التحقق في أحسن الأحوال، فإنني سأعود
إلى آية. لا يزال هنالك الكثير الذي يتعين القيام به بعيدا عن إنقاذ حياتها ومساعدتها
في التعافي من الصدمة المباشرة لفقدان ساقها. ومن خلال اندفاع الأونروا بطموح آية في
تحقيق تعليمها بالكامل، فإن الوكالة ستسعى من أجل المحافظة عليها عبر سني شبابها وبلوغها
على أمل أن تجد الفرص والتحصيل متاحة أمامها في المستقبل. إن آية لاجئة من فلسطين،
بتطلعاتها وعزتها وكرامتها.
وهي إحدى مواطني هذا العالم وبالتالي فإنه لا ينبغي أن يتم إهمالها.
٭ المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)
المصدر: القدس العربي