القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

الجرحى نور ووسام وغسان: شمّوا رائحة فلسطين وتلقوا الرصاص لأجلها

الجرحى نور ووسام وغسان: شمّوا رائحة فلسطين وتلقوا الرصاص لأجلها

الثلاثاء 17 أيار 2011
  جهينة خالدية - السفير

لا يقوى نور الجمل على الكلام. كلما طُرح عليه سؤال، يهزّ رأسه يميناً ويساراً، ويكرر: «تعبان.. موجوع.. تعبان». الفتى الذي يعمل في تركيب الألمنيوم، لم يتعد الخامسة عشرة من عمره، وهو اليوم ينام في مستشفى بيروت الحكومي، بسبب إصابته البليغة في أثناء مشاركته بمسيرة العودة عند نقطة مارون الراس، يوم الأحد الماضي، حيث تلقى نور رصاصة في كتفه اليسرى، واستقرت في صدره على بعد سنتميترات قليلة من القلب.

يشرح والده مصطفى إصابته: «الرصاصة أدت إلى تجمّد الدم حولها، ما منع نزعها، ولهذا، وضع تحت المراقبة لمدة 24 ساعة على أن يُعمل على شفط الدماء المتجمدة، ثم إجراء عملية لنزع الرصاصة». ويعود الوالد الذي يعمل موزعا للخبز، ليوضح أن «نور خضع لعملية في كتفه في مستشفى جبل عامل بعد إصابته مباشرة، علماً أنه بعد استقرار وضعه الصحي، ستجرى له عملية ثانية لكفته، كما قال لنا الأطباء إن إصابة نور بشظية أدت إلى تمزق في الرئة اليسرى».

وبينما تروي عائلته تفاصيل إصابته، يكون نور الذي يعمل في تركيب الألمنيوم، يتلوى على سريره، شاحب الوجه عاجزاً عن إبداء أي رد فعل، ولا يجذبه من الحديث إلا سرد شقيقته سحر لمجريات اللحظة التي اقترب فيها من الشريط الفاصل، ففصلته أمتار قليلة عن فلسطين، ثم صوب الحجارة باتجاه جنود العدو الإسرائيلي: «أخي كان يرمي الحجارة عندما سقطت الشهيدة زهراء كرنيب إلى جانبه غارقة بدمائها، فجن وراح يصرخ ويرمي الجنود بالحجارة، ويقترب أكثر من الشريط، لحين أصابته وسقوطه».

في الطابق الثاني من المستشفى عينه، وتحديداً في الغرفة 2505، ينام الشاب وسام الديماسي (21 سنة)، مخدراً، إثر خضوعه لعملية جراحية في الأمعاء، بسبب إصابته برصاصة في المعدة. وتقول أخته فاطمة إن «الرصاصة التي اخترقت بطن وسام من الجهة اليمنى خرجت مباشرة في الجهة الأخرى، من دون أن تؤدي إلى إصابات بليغة بالأعضاء، بل أدت إلى تضرر في الأمعاء دفعت بالطبيب فراس أبيض إلى استئصال جزء منها، وقد أجريت عمليته في مستشفى صلاح غندور، ثم نقل إلى مستشفى جبل عامل، وبعدها إلى مستشفى بيروت الحكومي».

وتروي فاطمة أن «أخي وسام، وهو طالب في السنة الثانية في قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة بيروت العربية، انفعل وتحمس عندما رأى بأم عينه الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل وخاض جدالاً حاميا باللغة الإنكليزية مع الجنود الإسرائيليين، مطالباً إياهم بأن يرحلوا عن أرضنا، ما استفز الجنود، وراح يرشقهم بالحجارة، وأصاب أحدهم مباشرة في وجــهه، ليـــصاب هو بعدها برصاص الجنود الذين راحوا يشتمونه».

صالح، الأخ الأكبر لوسام، هو طالب ماجستير في «الجامعة اللبنانية الأميركية».. يقف قرب سرير أخيه، ويمنع الزوار من الاقتراب، ليمنحه بعض الراحة. يقول الشاب العشريني إنه كان يعارض الهجوم على الشريط الشائك «بهذا الشكل العفوي غير المنظم، مع إدراكنا التام للحظة العاطفية التي قد تنتاب أي شخص يقف عند هذه المسافة القريبة جدا من فلسطين، إنما لا يمكن لفلسطين أن تحرر بالعفوية وبالفوضى، أمام عدو غلبنا بالنظام». ويعود صالح ليوضح أن «العائلة أصرت على العلاج على نفقة وزارة الصحة فقط، من دون القبول بالمساعدة من أي جهة سياسية كانت».

في موقع غير بعيد عن مستشفى بيروت الحكومي، يستلقي غسان حماد (23 عاماً) فوق سرير في مستشفى الرسول الأعظم، بعدما أصيب برصاصتين في رجله اليسرى، وانفجرت إحداهما عند الركبة، فتفتتت العظام». ويقول غسان، وهو طالب إدارة أعمال في جامعة بيروت العربية، إن «الاصابة قد تمنعني من أن أضغط بشكل كامل على رجلي اليسرى في أثناء المشي، على أن يتم تركيب جهاز خاص عن الركبة يساعدني على المشي».

لا ينسى الشاب صورة الجندي الإسرائيلي الذي وقف بعيداً عنه مسافة عشرة أمتار فقط، وصرخ بوجهه بالعربية: «إرحل، إرحل من هنا»، ليجيبه غسان: «انت إرحل، هذه أرضي، أنت إرحل»، قبل أن يرميه بالحجارة. ويلفت الشاب إلى أنه كان في مقدمة الشبان عند الشريط الشائك، وبمجرد أن سقط بقربه مشارك في المسيرة، حتى نادى لإسعافه.. وفي اللحظة عينها، أمسك منه العلم الفلسطيني وحاول غرزه في التراب، ليتلقى عندها الرصاصتين في رجله اليسرى.

هي المرة الثانية التي يشارك فيها غسان بمسيرة العودة، وهو يقول اليوم إنه «بعدما شممت رائحة فلسطين، ورأيت اندفاع الشباب وتوحدهم عند الشريط الشائك، بت أؤمن بأن العودة قريبة، وقريبة جداً إلى مسقط رأسي: عكا».