القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

الفلسطينيون والخيارات الصعبة

الفلسطينيون والخيارات الصعبة

بقلم: عبد العزيز الكحلوت

لا شك أن الحلف الرباعي الذي يضم السعودية والإمارات والبحرين ومصر والذي تمخض عن الحشد العربي الإسلامي المنعقد في الرياض بإمامة دونالد ترامب لا يستهدف فقط تكريس بقاء الأنظمة المستبدة بالقضاء على أي أمل في ربيع عربي راهن أو آت أو جني ثمار الثورات المضادة التي مولتها وأدارتها هذه الأنظمة بعلم وحث وتشجيع كل من إسرائيل والولايات المتحدة وإنما يستهدف، قبل كل ذلك، القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية حماس فقد قال ترامب ومن الرياض ووسط هذا التجمع الإسلامي العربي: «إن حركة المقاومة الفلسطينية حماس حركة إرهابية». وأعطى لهذا الحلف الرباعي إشارة البدء لافتعال الأزمة مع قطر فزعموا أنها داعمة للإرهاب ومن بين أدواته حماس.

الأزمة مع قطر والمطالب التي عليها أن تلبيها ومن أهمها وقف الدعم عن حماس وإسكات صوت قناة الجزيرة ليست إلا البداية الحقيقية لا للقضاء على أي أمل في ربيع آخر وإنما أيضا لتصفية القضية الفلسطينية، فقد أعطت الإدارة الأمريكية عبر مبعوثيها إشارة البدء في مخطط القضاء على المقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس والفصائل المساندة لها. إن تصفية القضية الفلسطينية وفرض حل الدولة اليهودية وسياسات الترانسفير على الفلسطينيين يتطلب إنجاز سلام اقتصادي يقوم على مبدأ الدولة اليهودية الواحدة وعاصمتها القدس الموحدة وعلى التطبيع أولا مع الدول العربية وعلى غزة الكبرى وسياسات تبادل الأراضي والترانسفير لقسم كبير من فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الضفة الغربية و حرمان الفلسطينيين من أهم حقوقهم وفي مقدمتها حق تقرير المصير وحق العودة وإلغاء كل قرارات الأمم المتحدة السابقة وأهمها قرار التقسيم رقم 181 الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 1947 وإلغاء القرار الهزيل 242 الذي أقر بمبدأ الأرض مقابل السلام والقرار 2334 الذي أقر بمبدأ الالتزام بحل الدولتين فإذا لم تنجح الولايات المتحدة وإسرائيل في فرض هذا السلام بتطويع حماس وكسر إرادتها من خلال الواقع البائس للقطاع.

إن الخيار الثاني هو حرب جديدة على غزة وهذه الحرب شأنها شأن السلام الاقتصادي يتطلب إنجاحها حرمان المقاومة من أي دعم مادي وإدخال الشعب الفلسطيني في غزة في حالة من الفقر والعوز الذي لا يطاق وتحميل حركة حماس مسؤولية ما يعانيه القطاع من فاقة وبؤس طال كل مجالات الحياة. لقد جرى إحكام الحصار على غزة وخفض رواتب الموظفين وقررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خفض ساعات الكهرباء في غزة إلى أقل من 4 ساعات يوميا.

واعترف وزير الأمن الداخلي يغنال أردان بأن الخفض يأتي « للمساس بحياة المدنيين من أجل المساس بحماس « أي نزع التأييد لحماس من خلال أزمة الكهرباء. كما صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع على خصم ما مقداره مليار ومليون شيكل من مستحقات الضرائب المحولة للسلطة الفلسطينية. وفي هذا السياق نفسه شكك نتنياهو وإعلامه في جدوى استمرار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين « الأونروا «. وجاءت هذه الحملة مع زيارة قامت بها مندوبة الولايات المتحدة « نيكي هايلي « لأحد الأنفاق المكتشفة والتي زعمت إسرائيل أنها تحفر تحت مدارس الأونروا مما دفع بالمندوبة الأمريكية إلى تأييد الفكرة ولقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السري مع نتنياهو وزعيم المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هرتسوغ في قصر الاتحادية في القاهرة الذي كشفت عنه صحيفة هآرتس في عددها المؤرخ في 12/6/2017 لا ينأى عن هذا المخطط. المحور الجديد الذي تقوده السعودية يضغط في اتجاه التطبيع مع إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية بل وشيطنة الفلسطينيين.

وما قاله وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل المهدي في العلن بشأن ترحيبه بالتطبيع مع إسرائيل واعتباره القضية الفلسطينية سببا في تخلف العرب يقوله كثير من الوزراء العرب في السر وهم بمواقفهم المخيبة للآمال يشجعون إسرائيل على شن عدوان جديد على غزة إذا لم تستجب حماس لمطالبهم. حماس إزاء هذا الواقع المر أجرت من جانبها تفاهمات مع القاهرة بشأن فتح معبر رفح وتخفيف معاناة القطاع وتحصلت على وعود كما أجرت تفاهمات مع محمد دحلان كما يروج الآن في مواقع عدة ليكون رئيسا للوزراء في حكومة تكون حقيبة الداخلية فيها من نصيبها وحدها وهي بمحاولاتها التكتيكية التخلص من أعباء الوضع المعيشي المتدهور أدخلت الفلسطينيين في القطاع في أتون صراع لا يرحم وزادت الوضع في غزة تعقيدا والأزمة الاقتصادية سوءا.

هذه التفاهمات أشعلت النيران في رام الله التي هددت بإجراءات من شأنها إذا نفذت الحكم على أهالي القطاع بالإعدام ومنها وقف رواتب موظفي السلطة في غزة لمدة ثلاثة شهور ووقف الحسابات البنكية للهيئات الأهلية ووقف إدخال عملة الشيكل والدولار إلى قطاع غزة ووقف اصدار جوازات السفر لقطاع غزة ووقف المساعدات الاجتماعية ومناشدة السلطات المصرية بعدم فتح معبر رفح بعد عيد الأضحى كما يشاع. وفي الوقت الذي خفضت فيه السلطة في رام الله رواتب الموظفين في غزة ورفعت القسم الأكبر من دعمها للقطاع تصر حماس على تحصيل الرسوم وفرض الضرائب على المواطنين الفقراء لتضعهم بذلك بين شقي الرحى. حماس لا يمكنها أن تحتفظ بإدارة القطاع دون تنازلات كبيرة ربما تصل في نهاية المطاف إلى تجريدها من السلاح ضمن صفقة السلام الاقتصادي الذي تتبناه إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والذي وعدت السعودية والإمارات ومصر فيه غزة بالرخاء والازدهار إذا ما أذعنت له. ولاشك أن حماس بدخولها في هذه التفاهمات المشبوهة مع مصر ودحلان ومن ورائه، وبتنازلها عن أهم ما جاء في وثيقتها من اصرار على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وموافقتها على حدود الرابع من حزيران/يونيو دون أن تنال مكاسب حقيقية تجرب المجرب وتعيد إلى الذاكرة سيناريوهات المفاوضات العربية والفلسطينية العبثية التي استمرت 24 عاما و أسفرت عن تراجعات وانتكاسات كبيرة للقضية الفلسطينية.

وهي بكل ذلك تغامر برصيدها وجماهيريتها لا في فلسطين وحدها وإنما في كل الوطن العربي كما تعمق الانقسام الفلسطيني الفلسطيني بإدخالها دحلان طرفا ثالثا وتبرر الموقف التفاوضي الواهن للرئيس عباس في المفاوضات التي ستبدأ جولاتها قريبا فهي لم تنل الدعم والتأييد إلا لكونها حركة تحرير فإذا استجابت لمطالب توني بلير ودحلان والحلف الرباعي الذي تقوده السعودية وتمسكت بتلابيب الدولة الآيلة إلى السقوط في غزة فإن مصيرها لن يكون أفضل من مصير السلطة في رام الله.

وفي كل الأحوال لن يدفع الثمن الباهظ ويقدم التضحيات الجسام إلا الشعب الفلسطيني الذي تنتظره أيضا أيام صعبة فليس لدى نتنياهو أي حلول، وقد سبق له وأن رفض في قمة العقبة السرية التي جمعته بجون كيري والسيسي والملك عبدالله الثاني في العام الماضي مشروع السلام القائم على أساس الدولة اليهودية وتبادل الأراضي كما نشرت صحيفة ها ارتس الإسرائيلية فنتنياهو لا يريد حلا ولا سلاما وإنما يشتري الوقت لقضم وتهويد مزيد من الأراضي ولشرعنة المستوطنات وترسيخ واقع الاحتلال.

كما أن الإدارة الأمريكية ليس لديها رؤية واضحة فما تزال غير مستقرة على حل بعينه فلا هي حسمت أمرها وانحازت لمبدأ حل الدولتين ولا هي انحازت لمبدأ الدولة اليهودية وجولة صهر ترامب جاريد كوشنر وبعثته في إسرائيل والضفة واحدة من الجولات التي ستتكرر دون أن تعطي نتائج قاطعة في اتجاه الحل النهائي بل وقال كوشنر في تصريحات غير رسمية أدلى بها أمام تجمع لمتدربين في الكونارس « قد لا يكون هناك حل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني « بما يعني عبثية خيار المفاوضات وهو أمر تعلمه سلطة رام الله جيدا لذلك فإن الفلسطينيين جميعا أمام خيارات مرة وصعبة يزيد من مرارتها انقسامهم وقيادة الحلف الرباعي لمحور سني إسرائيلي يجعل من إسرائيل صديقة ومن حماس عدوة.

المصدر: القدس العربي