القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

فلسطينيو لبنان والحياة بطعم الموت

فلسطينيو لبنان والحياة بطعم الموت

بقلم: محمد عايش

من يستمع لروايات وقصص العذاب التي يعيشُها الفلسطينيون في لبنان، لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يضبط نزيف الدموع من عينيه، ولا فيضان الأسئلة من دماغه، فكيف لو رأى بعينيه أو زار أو عاش في مخيم من مخيمات الإذلال والعذاب التي يعيش فيها آلاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يعانون من حالة عقاب جماعي تعسفي، لا علاقة لها بأي ذنب ارتكبوه، بل الكارثة الأكبر أن غالبية هؤلاء من المولودين على أرض لبنان.

يسود الاعتقاد أن نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في لبنان، إلا أن وكالة «أونروا» قالت في عام 2010 إن العدد أقل من ذلك بكثير، حيث يتراوح بين 260 و280 ألفاً فقط، إذ يبدو أن عدداً كبيراً منهم هرب من الحياة المأساوية، وفرَّ إلى أماكن أخرى، ما يعني أن اللاجئين الفلسطينيين من حملة الوثائق اللبنانية ربما يصل عددهم الى نصف مليون، أما من لا يزال فعلاً على أرض لبنان فهو نصف هذا العدد في أحسن الأحوال.

أما المعلومة الأهم فهي أن نصف هؤلاء الفلسطينيين لا تزيد أعمارهم عن 25 عاماً، و53% منهم من النساء والفتيات، ما يعني أن الأغلبية الساحقة منهم مولود في لبنان ولا علاقة له مطلقاً بكل الصراعات التي شهدتها البلاد خلال العقود الماضية، بما فيها الحرب الأهلية التي انتهت في عام 1990. يولد الفلسطيني في لبنان فيجد نفسه محروماً من كل معاني الحياة وتفاصيلها، فهو يحمل «وثيقة سفر» وليس جواز سفر كالذي يحمله باقي البشر، وهو ممنوع من العمل في 72 مهنة، وممنوع من الحصول على الحقوق المدنية والإنسانية الأساسية، بما فيها التعليم والعلاج (إلا من خلال وكالة الأونروا)، وهو ممنوع أيضاً من التملك والتنقل والبناء والتعمير والتطوير، وليس أمامه سوى الإقامة في مخيمات محاصرة ومغلقة وممنوع عنها أي نوع من إمدادات الحياة.

مخيمات الفلسطينيين في لبنان، مثل عين الحلوة وبرج البراجنة ونهر البارد، ما زالت على حالها تقريباً منذ أقيمت في عام 1948، لا بل هي قابعة تحت الحصار خوفاً من أن يتجرأ أحدهم ويقوم بأي تغيير عليها، ولذلك فإن بعض العائلات تعيش في منازل ليس لها سقوف منذ النكبة، فضلاً عن أن تلك المخيمات لم تتوسع ولو متراً واحداً، كما أن مبانيها لا يمكن أن تتوسع طولياً أيضاً لأن أغلبها بدون سقوف، ومن كان يتمتع بنعمة السقف فسقفه لا يحتمل المزيد من البناء.. وهكذا يتكدس فلسطينيو لبنان في علب صغيرة داخل مخيماتهم. في الوضع المأساوي لفلسطينيي لبنان الكثير من التفاصيل؛ حيث يتحدث أحدهم عن «أزمة الموت»، إذ منذ ستين عاماً لا تسمح السلطات اللبنانية للفلسطيني الميت بأن ينام في قبر خارج حدود المخيمات، ولا تسمح له بالاختلاط مع غيره من الموتى، فضلاً عن أن من يموت من سكان المخيمات يضطر ذووه في كثير من الأحيان إلى حمله على الأكتاف لأن أزقة المخيم ضيقة لدرجة أنها لا تتسع لمرور النعش.. وهذا ينسحب أيضاً على سيارة الإسعاف التي لا يمكن أن تدخل لانقاذ مريض، أو السرير المتنقل الذي يُستخدم لنقل كبار السن والمرضى. ثمة أزمة أخرى صامتة، وهي أن نسبة كبيرة من أطفال المخيمات الفلسطينية يواجهون الموت يومياً بالصعقات الكهربائية، بسبب عدم وجود بنية تحتية حديثة ولا تمديدات كهربائية آمنة، وهو ما يؤدي الى وفاة عدد من الأطفال سنوياً بسبب هذه الصعقات.

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وغيره موجودون بسبب الاحتلال الاسرائيلي وليسوا مهاجرين بمحض إرادتهم ،ولا لأي سبب من الأسباب، ولذلك فإن التعامل معهم يجب أن يتم على أساس التضامن معهم ودعم صمودهم، وليس على قاعدة عقابهم جماعياً والانتقام منهم. والحال المأساوي الذي يعيشه الفلسطيني في لبنان يمثل عاراً يجب عدم السكوت عنه، كما أنه من المستحيل قراءة هذا الحال على أنه يندرج في إطار «عدم التوطين» ودليل ذلك أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يتناقص بسبب سياسة «التطفيش» التي تستهدف وجودهم، فيفرون هاربين الى دول أجنبية تمنحهم إنسانيتهم وتتعامل معهم كبشر.

المطلوب من الدول العربية أن تمنح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم الأساسية كبشر حتى يتمكنوا من الصمود، وحتى تظل قضيتهم حاضرة في أي مفاوضات مع الاسرائيليين، وليس مطلوباً من الدول العربية أن تقوم بتوطينهم ولا تطفيشهم، لأن دفع اللاجئ للهروب الى الخارج يؤدي في النهاية خدمة لدولة الاحتلال وليس لأي طرف آخر.

المصدر: القدس العربي